صحافة وآراء

العملية العسكرية الروسية لتطهير أوروبا من طاعون النازية

رامي الشاعر

نقلاً عن موقع روسيا اليوم 

لقد أكدت روسيا وأعلنت مرارا وتكرارا عن استعدادها للحوار المباشر مع أوكرانيا دون شروط مسبقة.

جاء ذلك ضمن تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، وفي إعلانات متفرقة للناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، وغيرهم من المسؤولين، الذين طالما أعلنوا استعداد موسكو للحوار استنادا للمعطيات على أرض الواقع، وليس بناء على قائمة من “رغبات عيد الميلاد” للرئيس المنتهية شرعيته فلاديمير زيلينسكي.

ويأتي ذلك تجاوبا مع الجهود التي تبذلها واشنطن للتقريب بين وجهات النظر، والسعي لإيجاد أرضية مشتركة للجلوس إلى طاولة المفاوضات بحثا عن تسوية سلمية للصراع الأوكراني. كما يأتي ذلك على أعتاب الذكرى الثمانين للنصر على النازية، والتي تحتفل بها موسكو بحضور دولي وزخم واسع، يؤكد فشل كل الخطط الغربية لعزل روسيا، وكل العقوبات المفروضة على روسيا منذ 2014.

بالتوازي ألمح زيلينسكي إلى خطط لمهاجمة عرض النصر في موسكو يوم 9 مايو، وقال: “إنهم (في روسيا) قلقون من أن يكون موكبهم مستهدفا، ولهم الحق أن يقلقوا”.

وبينما أعلن الرئيس بوتين عن هدنة لوقف إطلاق النار خلال أعياد النصر منذ منتصف ليل 7-8 مايو وحتى منتصف ليل 10-11 مايو، تتوقف فيها جميع العمليات العسكرية خلالها، طالب زيلينسكي بهدنة مدتها 30 يوما.

من جانبه قال وزير الخارجية الروسي لافروف، الثلاثاء الماضي خلال كلمته في ختام اجتماع وزراء خارجية مجموعة “بريكس”، إن المبادرة التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين تمثل “انطلاقة لبدء مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة”، فيما وصف دعوات زيلينسكي والقادة الغربيين لوقف إطلاق النار، دون التوصل إلى تسوية، ليست سوى “ذريعة ستستغل لاحقا في مواصلة دعم نظام كييف وتعزيز قدراتها العسكرية”، في الوقت الذي تتقدم فيه القوات الروسية بطول الجبهة.

أعاود التأكيد على أن روسيا لم ولن تشن حربا ضد أوكرانيا، الجارة التي تربطها بها أواصر التاريخ والجغرافيا وصلات الدم والقرابة والمصاهرة، بل أعلنت عن عملية عسكرية خاصة بأوكرانيا للتخلص من طاعون العصر، النازية الجديدة التي اتضح أنها لا توجد في أوكرانيا وحدها، بل يمتد أثرها إلى عدد من المجتمعات الأوروبية، من أحفاد “شباب هتلر” Hitler-Jugend، الذين يسري في دمهم كراهية الروس وكل ما هو روسي.

ما بدأته روسيا بعمليتها العسكرية الخاصة كان يتعلق ببساطة بحماية المواطنين الذين يعيشون الثقافة الروسية، يتحدثون باللغة الروسية، ويدينون بالأرثوذكسية الروسية التابعة لبطريركية موسكو، في جنوب وشرق أوكرانيا بمناطق دونباس وزابوروجيه وخيرسونوشبه جزيرة القرم.

لقد سمح البرلمان الأوكراني للأقلية الهنغارية (نحو 150 ألف نسمة) بالتحدث بلغتهم الأم والتعلم في مدارسهم ومشاهدة إعلامهم، في حين منع “الأقلية” الروسية (8.3 مليون نسمة) من الحديث باللغة الروسية والتعلم بالروسية وحتى الحديث بالروسية في الأماكن العامة، وقام بقطع الروابط الكنسية بين الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية مع كنيستها الأم في روسيا.

اختار زيلينسكي أن يكون قفاز الغرب لإضعاف واستنزاف روسيا، واختار أن ينسلخ عن إرث أجداده المحاربين القدامى في الحرب الوطنية العظمى، الذين حاربوا ضد النازية، وضد هتلر، واختار أن يكون في صف المتعاون مع النازية ستيبان بانديرا، الذي أعاده إلى المشهد فيكتور يوشينكو بعد “الثورة البرتقالية” في 2004، وصنفه بطلا قوميا في أوكرانيا.

وبعد أن حارب أجداد زيلينسكي جنبا إلى جنب مع الجيش الأحمر السوفيتي الذي حرر أوروبا من النازية، وضحى بـ 27 مليون من أبنائه، يأتي زيلينسكي وأتباع بانديرا اليوم على رأس حملة شعواء لطاعون النازية الذي يرتدي اليوم رداء “الديمقراطية” و”الحرية” و”القيم الأوروبية”.

تتغاضى روسيا اليوم عن الوضع غير القانوني لزيلينسكي، والذي مر عام على انقضاء فترة ولايته الشرعية، وقد جدد مؤخرا فرض الأحكام العرفية في البلاد، ما يعني أن الانتخابات الأوكرانية ستتأجل هي الأخرى لثلاثة أشهر أخرى، وتعلن، برغم تقدمها على الأرض، عن استعدادها للجلوس إلى طاولة المفاوضات، إلا أن زيلينسكي ومعه عصابة من قادة الدول الأوروبية يرون في عودة العلاقات الروسية الأمريكية إلى مجاريها الطبيعية تهديدا لأوروبا ولأمنها واقتصادها.

يقول الخبير الاقتصادي الأمريكي المرموق جيفري ساكس إن على أوكرانيا اليوم الاختيار بين تسوية النزاع بشروط قاسية قد لا ترضي كييف، أو تحمل المزيد من الخسائر العسكرية، حيث تتعرض القوات الأوكرانية للهزيمة في ساحة المعركة، وهو وضع لن يتغير في الأشهر أو حتى السنوات القليلة المقبلة، وذلك في ظل عدم تقديم دعم فعال لكييف في إدارة الرئيس دونالد ترامب.

على الجانب الآخر يقول المبعوث الخاص للرئيس ترامب ستيف ويتكوف، الذي عقد 4 اجتماعات مع الرئيس بوتين، لم يقل أي منها عن 3 ساعات (استمر أحدها قرابة 5 ساعات)، إن الرئيس الروسي “يرى فرصة لأول مرة منذ عقود لإعادة تقييم العلاقات الأمريكية الروسية، وهو أمر واضح”.

إن العصابة النازية في كييف تسيطر على جميع وسائل الإعلام، وتقمع المعارضة، وتسكت أصوات السلام وأصوات كل الراغبين في إنهاء القتال والعودة إلى المفاوضات، وبهذا الصدد أؤكد على أنه كان بإمكان القوات المسلحة الروسية استخدام النهج الغربي/الأمريكي في النزاعات المسلحة، وإغراق أوكرانيا (كييف تحديدا) بالقنابل وشل حركة النظام بالكامل والإجهاز على الدولة الأوكرانية في ظرف أسابيع أو أشهر معدودات، إلا أن القيادة الروسية السياسية والعسكرية كانت ولا زالت تتعامل مع الملف الأوكراني بمنتهى الحذر، لتفادي ما يمكن تفاديه حتى من أرواح المحاربين الذين يسعون لقتل مزيد من العسكريين الروس، وإفساح المجال لبقاء أكبر عدد ممكن على قيد الحياة، نظرا لحساسية الوضع والعلاقات التاريخية التي تربط وستربط يوما ما بين الدولتين روسيا وأوكرانيا وبين الشعب الواحد بشقيه الروسي والأوكراني.

في الذكرى الثمانين للنصر على النازية التي ستحل خلال أسبوع من الآن، يتعين علينا أن نقف إجلالا أمام تضحيات الأجداد، ونتذكر أن الشعب السوفيتي الواحد الروسي الأوكراني البيلاروسي المولدوفي الأذربيجاني الكازاخستاني الطاجيكي القرغيزي الأرمني ومعه أوروبا (فرنسا وبريطانيا) ومعهم الولايات المتحدة وقفوا جميعا أمام طاعون النازية المدمر منذ 80 عاما، وما أحوج تلك الأطراف اليوم إلى إعادة النظر والتأمل في مغزى النصر، ومعنى وجوهر الثقافة والفلسفة النازية التي دفعت بالبشرية إلى هوة الحرب العالمية الأكبر والأعنف والأكثر دموية في تاريخ البشرية.

لقد ضحت روسيا والعالم بملايين الأرواح كي لا ترى الأجيال الشابة أهوال الحرب، ويتعين علينا اليوم ألا ننزلق مرة أخرى إلى ما يحمله طاعون النازية من تداعيات مخيفة ومدمرة.

ختاما، فإن مبادرة روسيا للتفاوض بخصوص الأزمة الأوكرانية على خلفية احتفال أوروبا بالذكرى الثمانين للنصر على النازية تتضمن في طياتها رسالة لبعض قادة أوروبا والقيادة الأوكرانية تذكّرهم من ناحية بالانتصار على الفاشية، وتحذرهم من ناحية ثانية من أن العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا هي محاولة روسية أخيرة لتفادي امتداد نيران العمليات العسكرية إلى ما هو أبعد من أوكرانيا والتحول إلى صدام عسكري مباشر مع الدول الغربية المتورطة في الصراع الأوكراني، وما يمكن أن يسفر عنه ذلك من شرر قد يسفر عن اندلاع الحرب العالمية الثانية وكل ما يمكن أن يصحبها من دمار شامل يطال الجميع.

أتصور أن الرئيس ترامب يستوعب هذه الحقيقة وتداعيات السياسات المستهترة من جانب أوكرانيا وأوروبا، وقالها صراحة إن قدرات روسيا العسكرية هي قدرات دولة عظمى، وبحسب تقديري، هي رسالة مباشرة للقادة الأوروبيين عما ينتظرهم إن لم يتجاوبوامع الجهود والوساطة ومبادرة السلام التي يطرحها، والذي يؤكد من خلالها الاعتراف بالواقع الراهن على الأرض.

كاتب

  • رامي الشاعر

    كاتب ومحلل سياسي روسي من أصول عربية - مستشار لوزراة الخارجية الروسية لشؤون الشرق الأوسط تعتبر مقالاته تعبيراً عن الموقف الروسي شبه الرسمي. السيد رامي الشاعر فلسطيني الأصل ومن عائلة فلسطينية عرفت بنضالها وثقافتها ونهجها الوطني العروبي الاصيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى