موت “سيّد المقاومة” سيهزّ أجيالاً بأكملها في العالم العربي
“أصبح حسن نصر الله رمزًا لأنه وضع نفسه في مكانة المتصدّي لإسرائيل والولايات المتحدة أكثر من أي زعيم آخر في العالم العربي. وقد مُنح، هو دون سواه من الزعماء والقادة العرب قاطبة، لقب (سيد المقاومة). يُنظر إليه على أنه الشخص الذي يقف في وجه إسرائيل ويتصدى لها، أكثر من أي زعيم آخر في العالم العربي، وهو ما جعله رمزًا وأيقونة”.
في تحليل سياسي تحت هذا العنوان نشرت “هآرتس” اليوم 1/10 مقالاً تحليلياً بقلم “جاكي خوري” بدأه بالقول: “أصبح حسن نصر الله رمزًا لأنه وضع نفسه في مكانة المتصدّي لإسرائيل والولايات المتحدة أكثر من أي زعيم آخر في العالم العربي. اغتياله يسبب ضربة معنوية تغطي على الجوانب العسكرية والسياسية أيضًا. اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، هو لحظة فارقة، لكن بالرغم من حالة النشوة التي عمّت قطاعات واسعة من الإسرائيليين، إلا أنه لا تتوفر حتى الآن إجابة واضحة على مسألة تعافي التنظيم واستمراريته، في الذراعين السياسي والعسكري. في العام 1992 اغتالت إسرائيل الأمين العام السابق لحزب الله، عباس الموسوي، وفي العام 2008 اغتالت رئيس أركان قوات حزب الله، عماد مغنيّة، إضافة إلى مجموعة كبيرة من المسؤولين الكبار في التنظيم. لكن سرعان ما اتضح أن الذين حلّوا مكان هؤلاء لم يأتوا بتوجهات أكثر اعتدالًا أو أقل تشدّدًا”.
وأضاف: “مع ذلك، ثمة لاغتيال نصر الله، إلى جانب البعد العسكري والبعد السياسي، تأثيرٌ واسعٌ على المستوى المعنويّ؛ تأثير عابر للدول والفئات في العالمين العربي والإسلامي، وليس فقط في بين أوساط حزب الله ومؤسسات التنظيم. ويمثّل الاغتيال ضربة لخط المقاومة لأجيالٍ بأسرِها. صحيح أن نصر الله كان يقف على رأس تنظيم شيعيّ لبنانيّ، وكان يُعتبَر خاضعًا لوصاية إيرانية واستجمع عددًا غير قليل من المنتقدين والمعارضين في لبنان وفي العالمين العربي والإسلامي بشكل عام، إلا أنه كان يُعدّ أيضًا، وإلى حدّ كبير، رأس الحربة في خط المقاومة ضد إسرائيل. وقد مُنح، هو دون سواه من الزعماء والقادة العرب قاطبة، لقب (سيد المقاومة). وكان نصر الله يحبّ تعزيز هذا اللقب، لا سيما بعد حرب لبنان الثانية في العام 2006. بالإضافة إلى ذلك، لطالما نُسبت إلى نصر الله درجة عالية من المصداقية والموثوقية في كل ما يتعلق بالقدرة التي أظهرها تنظيمه مقابل إسرائيل. وقد حظي كل خطاب له باهتمام إعلامي واسع من جانب القنوات العربية وكذلك في إسرائيل. وكان يُنظر إليه على أنه الشخص الذي يقف في وجه إسرائيل ويتصدى لها، أكثر من أي زعيم آخر في العالم العربي، وهو ما جعله رمزًا وأيقونة. صحيح أن مكانة نصر الله هذه تعرضت للصدع على خلفية ضلوع حزب الله المكثف في الحرب الأهلية في سوريا ودعمه الكامل لنظام بشار الأسد؛ إلا أنه قد حاول خلال السنوات الأخيرة ترسيم خطّ يمثّل، بموجبه، مصالح جيل المقاومة ضد إسرائيل، وضد الولايات المتحدة بوجه أساسي، وهدفه لجم تحكّمهما بالقضية الفلسطينية أيضًا. ولهذا، شرع في الثامن من تشرين الأول بشن هجمات على الشمال إسنادًا لقطاع غزة ونضال حماس والفلسطينيين. فقد كان هذا مطلوبًا منه، كقائد لتنظيمٍ مقاوِم. نجح نصر الله، في معظم مراحل الحرب، في المحافظة على معادلة الردع مقابل إسرائيل، بما في ذلك بين الجمهور الإسرائيلي عامة. والدليل على ذلك هو عشرات آلاف الإسرائيليين الذين نزحوا عن منازلهم في الشمال، على نطاق لم يكن له مثيل في السابق، لا في حرب لبنان الأولى ولا في حرب لبنان الثانية. وحتى بعد عملية تفجير أجهزة الاستدعاء (البيجر) والاغتيالات التي طالت عددًا من قادة الذراع العسكرية، ظلت الفرضية المهيمنة في الوعي العربي عمومًا أنه لا يزال في جعبة نصر الله المزيد من المفاجآت لا يزال يحتفظ بالقدرة على تجاوز الضرر الذي لحق بسلسلة القيادة. وهذا ما كان، أيضًا، عقب خطابه الأخير الأسبوع الماضي، والذي اعترف خلاله بعمق الضربة التي تلقّاها، لكنه تعهد بالمحافظة على الاستمرارية”.
وختم بالقول: “لقد تبددت هذه الأسطورة مع الإعلان عن وفاته، أمس. ولا عجب في أن كثيرين استذكروا أمس يوم 28 أيلول 1970 ـ اليوم الذي توفي فيه جراء نوبة قلبية الزعيم المصري جمال عبد الناصر الذي اعتُبر أب الأمة العربية. كان لعبد الناصر معارضون كثيرون في داخل مصر وفي العالم العربي، ولا سيما بعد الهزيمة التي منني بها في حرب الأيام الستة وجلب الكارثة على شعبه؛ لكنَّ أحدًا لم يشكك في قيادته وفي صورته كبطل قومي عربيّ. ومثله، أيضًا، نصر الله بفارق 54 عامًا. يدرك المؤيدون والمعارضون، على حد سواء، أن الضرر الأكبر والأقسى جرّاء اغتياله ورحيله هو معنويّ، وهو أكبر حتى من الضررين العسكري والسياسي”.