هل توقظ صواريخ إيران وثبات لبنان نتنياهو “المتنمّر”؟ لا يفلّ الحديد إلّا الحديد!
بقلم فضل المهلوس
بين ثلاثاء 17/9 و1/10 اسبوعان بالتمام والكمال، انقلب المشهد وتبددت أحلام يقظة ومنام “الكيان” النازي، وعاد يطفو على السطح سؤال الوجود والمصير مجدداً، والذي انطلق مع فجر السابع من تشرين أول/أكتوبر في “طوفان الأقصى” الذي نعيش هذه الأيام ذكراه السنوية الأولى. فما الذي حوّل “النشوة” إلى “نقمة”، وهل هو “شؤم” شهر أكتوبر المجيد يطلّ مع أول أيامه التاريخية مُذكّراً بعقدة “العقد الثامن” الذي يجهد المطلوب للعدالة الدولية البولندي النازي “بنزيون ميليكوفسكي” المنتحل اسم نتنياهو “عطا الله” لعكس دوران عجلة التاريخ، وتعطيل السنن الكونية المحتومة؟
منذ عصر يوم الثلاثاء 17/9 ـ مجزرة “البيجر” الدموية ـ والكيان المجرم يعيش “نشوة” كاذبة خاطئة، متوهّماً بدوام الافراح والليالي الملاح، ولو عبر مجازر الإبادة الجماعية بحق مدنيي غزة ولبنان، والمزيد من المجازر، متحدّياً العالم أجمع، بل ومتوعّداً إيّاه بالثبور وعظائم الأمور، وملوّحاً له بيده “الطولى”، وما زاد من نشوته على ما يبدو نجاح نتنياهو أخيراً في جرّ واشنطن والغرب الاستعماري المنقاد خلفها في مشاركته الفعلية بتوسيع حربه الهوجاء، وعدم الاكتفاء بالدعم والشراكة الشاملة لربيبته المدلّلة والقيادة من الصفوف الخلفية وعن بعد. واستدراج روسيا بالدرجة الأولى لبعثرة وتشتيت جهودها المنصبّة في أوكرانيا المتعثّرة باتجاه الشرق الأوسط الذي يحاول نتنياهو “التنمّر” عليه وإخضاعه عنوة واستعادة قوة الردع المتهالكة، وتثبيت دور “الوكيل” الغربي الحصري الذي غدا موضع شك والتباس.
ولهذا عمد نتنياهو وعصابته إلى استغلال صدمة “البيجر” و”اللاسلكي” بسلسلة من الجرائم والمجازر في لبنان والمزيد منها في غزة والضفة، معتقداً بضرورة التقاط هذه “النشوة” الخدّاعة لتنفيذ كافة مخططاته الإجرامية ودفعة واحدة، وعدم منح الخصم أية فرصة لالتقاط الأنفاس ولملمة الجراح، لدرجة تخيّل نفسه سيّد العالم أجمع، حتى على داعميه وشركائه والمطبّعين معه، وبلغ به الغرور والغطرسة أن يقف من على منبر الأمم المتحدة كالطاووس مزهوّاً بجرائمه ومتوعّداً بالمزيد منها، بل ومحقّراً المنظمة الدولية ذاتها التي شرعنت كيانه، مقسّماً على هواه دول المنطقة ما بين “نعمة” و”نقمة”، وملوّحاً بفرض شرق أوسط جديد بزعامته وقيادته الهمجية الرعناء. حتى أنه ومن أروقة الأمم المتحدة ومدينة نيويورك الأمريكية أصدر أوامر اغتيال سيّد المقاومة حسن نصر الله، هذا الاغتيال وقتل الأطفال الذي لا يتقن غيره. فضلاً عن توجيه المزيد من الرسائل النارية اليومية لروسيا باستباحة أراضي الدولة السورية التي يفترض أنها تحت المظلة الروسية.
وعليه عاش نتنياهو وأركان زمرته من سياسيين وعسكريين أجمل أسبوعي عسل، وعمّت الاحتفالات وتوزيع الحلويات الكيان المجرم الذي يمثّل نتنياهو مرآته الحقيقية، وسادت أجواءه “نشوة” الانتصار، وانتفخ أيّما انتفاخ معتقداً أنه قد حقق “النصر المطلق” المنشود، وأنه لا أحد بهذا الكون الفسيح يمكن أو يحق له انتقاد ما يقترفه من مجازر بحق المدنيين الأبرياء، او حتى يمكن أن يوقف اندفاعته الهوجاء لاقتناص ذلك الانتصار الموعود، ولا حتى صانعيه وداعميه في الغرب الاستعماري نفسه، وأنه سيتابع فرض أجندته على كلّ العالم وفق منطوقه: “أنا ربّكم الأعلى فاعبدون”.
لكنه كحال كلّ المستكبرين والمتغطلرسين عبر التاريخ الإنساني، طارت نشوته مع انطلاق أول صاروخ فرط صوتي من الأراضي الإيرانية، وإطلاق أول رصاصة من السلاح الإسرائيلي نفسه الذي انتزعاه بطلي خليل الرحمن في قلب الكيان المُنتشي، ووصول اوّل صاروخ فادي لقلب تل أبيب من لبنان الذي اعتقد “الكيان” المتغطرس انه قد أجهز عليه ولن يستفيق من صدماته، ليخرج كطائر الفينيق من وسط الرماد، ليرد الصاع صاعين، ويُثخن في تأديبه بكمائن قاتلة ومقاتلين أشدّاء ينتظرون نزاله رجلاً لرجل على أحرّ من الجمر، بل وتوّاقين للانتقام لشعبهم ووطنهم الذي استباحه طيلة اسبوعين قتلاً وتدميراً ولا يزال.
والغريب، ولا غرابة في الغرب، أن يصف بايدن الخرف وإدارته والكونغرس المتصهيَن بجمهورييه قبل ديمقراطييه، جرائم الاغتيال لكيانهم بأنها تحقيقاً “للعدالة”، ويعتبرون ومعهم قادة الغرب ومن يخضع لهم الهجوم الصاروخي الإيراني بالاعتداء، بل وتذهب المرشحة الديمقراطية لتقديم أوراق اعتمادها سلفاً لدى الصهاينة بوصفه “بالمتهوّر والوقح” والذي يثبت حسب زعمها أن طهران هي “قوة خطيرة ومزعزعة للاستقرار” في الشرق الأوسط، ولم ينسوا ترداد لازمة “حق إسرائل في الدفاع عن النفس” حصراً وحكراً، والوقوف إلى جانبها ظالمة أو مظلومة حتى النهاية، في رسائل متجددة للعرب والمسلمين حتى الموالين منهم الذين تناسوا “نخوة المعتصم”وما زالوا في حالة “رقود أهل الكهف”وهم يدركون الجحيم القادم عليهم فرادى. ولروسيا والصين ودول وشعوب العالم الحرّة، والتي يُفترض أن تُدرك يقيناً أن هذا الغرب وكيانه هم “الشر المطلق” الذي يتهدد البشرية جمعاء، ويريد أن يحافظ على هيمنته الظالمة بالحديد والنار، وأنه لا يفلّ الحديد إلّا الحديد.