الهجوم الصاروخي الواسع وغير المسبوق ليس سوى بداية الحرب الإقليمية
“هذا صراع إقليمي وعالمي، يمكن أن تكون له تداعيات بعيدة المدى على أمن إسرائيل، وكذلك على الاقتصاد الدولي، والمكانة العالمية للولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يستمر تبادل الضربات. يتبين أن احتفالات النصر لا تكون في محلها عندما يتعلق الأمر بحرب طويلة ضد عدو عنيد وليس بلا حيلة. وكان من الأفضل الانتظار قبل أن نقوم بتوزيع البقلاوة”.
تحت العنوان أعلاه كتب محلل الشؤون الاستراتيجية والعسكرية في “هآرتس” “عاموس هرئيل” مقالاً تحليلياً مطوّلاً يلاحظ في سياقاته حجم السطوة الأمنية والتعتيم الإعلامي المشدد وفرض الروايات الرسمية المفبركة على كافة منابر الإعلام وحتى وسائل التواصل الاجتماعي، في كيان يدّعي أنه ينتمي للعالم “الحرّ”، ويجسّد “واحة الديمقراطية” و”حرية الرأي والتعبير” تماماً كما يترجمها أسياده وصانعيه في الغرب الاستعماري البغيض، وهو ما يحتاج إلى قراءة بين السطور. وقد نُشر يوم 2/10 الجاري، حيث استهله: ” بعد ما يقارب سنة من الحرب، دخلت إسرائيل الليلة الماضية مرحلة الحرب الإقليمية، حين وضعت إيران نفسها في قلب المواجهة عبر إطلاق هجوم صاروخي واسع وغير مسبوق على إسرائيل، على خلفية سلسلة أحداث في الأسبوعين الأخيرَين بين إسرائيل وحزب الله. ومن المتوقع أن يكون هناك رد إسرائيلي صارم. ولم يسفر الهجوم الإيراني عن إصابات كبيرة في إسرائيل، على الرغم من أن العديد من المنازل في وسط البلد تعرضت لأضرار بسبب شظايا الصواريخ وصواريخ الاعتراض، بينما قُتل فلسطيني من سكان القطاع في منطقة أريحا جرّاء الهجوم. وتشير التقديرات الأولية إلى أنه تم إطلاق نحو 180 صاروخاً باليستياً في اتجاه إسرائيل، وتم اعتراض معظمها، أو سقطت في مناطق مفتوحة. ويشكّل هذا العدد نحو نصف عدد المقذوفات التي أُطلقت في الهجوم الأول لإيران في نيسان/أبريل الماضي، إلاّ إن عدد الصواريخ الباليستية هذه المرة كان أكبر بكثير، وبالتالي، فقد كانت الأضرار التي لحقت بالبيئة أكثر خطورة. ويبدو أن إيران حللت نتائج الهجوم السابق واستخلصت العِبَر، لكنها لم تنجح في اختراق منظومة الدفاع الإسرائيلية والإقليمية بصورة فاعلة”.
وأضاف: “ولم يسبق للجمهور الإسرائيلي أن واجه هجوماً مماثلاً على الجبهة الداخلية، وخصوصاً في وسط البلد، لكن المواطنين أظهروا مستوى عالياً من الانضباط الشخصي، بينما منظومة الدفاع الجوي وسلاح الجو، اللذان لم تتأثر جاهزيتهما، واجها هذه التحديات غير العادية بصورة جيدة، بمساعدة دفاعية من الولايات المتحدة. وكان الهجوم الإيراني موجهاً، ظاهرياً، نحو عدة مواقع عسكرية وأمنية، بما في ذلك قواعد سلاح الجو، لكنه في الواقع كان يهدف إلى ضرب تجمعات سكانية مدنية، وإيقاع قتلى، وبث الرعب في إسرائيل. ويضع التدهور الأخير جميع الأطراف في وضع مختلف تماماً، إذ أصبح الصراع بين إسرائيل و”حماس”، وحتى المواجهة مع حزب الله، أقل أهمية مقارنة بالصراع الإسرائيلي الإيراني. وفي هذا السياق، تزداد المخاطر الداخلية أيضاً؛ ففي عملية قتل جماعي نفذها “إرهابيون” في يافا، يُشتبه بأنها تمت بالتنسيق مع توقيت الهجوم الإيراني، قُتل سبعة مواطنين إسرائيليين. وهذا هو الهجوم الأكثر فتكاً الذي ينفذه فلسطينيون داخل الخط الأخضر منذ “مذبحة” “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولم تشهد تل أبيب هجوماً بهذا الحجم منذ أيام الانتفاضة الثانية. ويزيد الحادث المروع من مستوى مشاعر التوتر وانعدام الأمن لدى الجمهور، إلى جانب إطلاق الصواريخ الباليستية المكثف. ويجب أن نأخذ في الاعتبار محاولات تنفيذ هجمات مماثلة من جانب الفلسطينيين في الضفة الغربية بتوجيه وتمويل من إيران وحزب الله، وربما تكون هناك أيضاً محاولات لتجنيد عناصر (متطرفة) أو (عصابات إجرامية) من المجتمع العربي الإسرائيلي”.
واستطرد قائلاً: “ما من شك في أن إسرائيل سترد بقوة كبيرة على الهجوم الإيراني المكثف، وقد قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، العميد دانييل هغاري، إن (لهذا القصف تداعيات)، وقالت مصادر في الجيش الإسرائيلي إن (سلاح الجو سيواصل الليلة هجماته المكثفة في الشرق الأوسط). ووفقاً لتقارير في الولايات المتحدة، يمكن أن تشمل هذه الهجمات مواقع بنية تحتية إيرانية، وخصوصاً منشآت النفط والغاز التي تعتمد عليها اقتصاديات النظام، ويمكن أن تحمل رسالة أيضاً تجاه المشروع النووي الذي تهدد إسرائيل باستهدافه منذ عقدين. ومن المتوقع أن تنجر الولايات المتحدة إلى هذا الصراع، على الرغم من عدم رغبتها في ذلك، وهي التي تفصلها أقل من خمسة أسابيع عن الانتخابات الرئاسية. وهذا صراع إقليمي وعالمي، يمكن أن تكون له تداعيات بعيدة المدى على أمن إسرائيل، وكذلك على الاقتصاد الدولي، والمكانة العالمية للولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يستمر تبادل الضربات، كما أكدته التهديدات التي أصدرتها البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة”.
وتابع مفصّلاً: “وكادت لا تمضي سوى بضعة أيام على احتفالات إسرائيل باغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، حتى اتضح أن الصورة تتغير تماماً. وكالعادة، يتبين أن احتفالات النصر لا تكون في محلها عندما يتعلق الأمر بحرب طويلة ضد عدو عنيد وليس بلا حيلة. وكان من الأفضل الانتظار قبل أن نقوم بتوزيع البقلاوة. لم تتضرر إيران مباشرة من الهجوم الإسرائيلي في لبنان، لكن الهجوم أصاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وهو ثاني أهم شخصية في المحور الراديكالي الإقليمي الذي تقوده الجمهورية، بعد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. ولقد تم اتخاذ القرار بالرد في طهران قبل عدة أيام، ووفقاً لتقارير في وسائل الإعلام الأميركية، أدركت الاستخبارات أن هذا هو التوجه الإيراني، واستعدت المنظومة وفقاً لذلك، إذ نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي توجيهات للسكان، طالباً منهم توخي الحذر. وفي ظل هذه الأوضاع، من المتوقع أن تتراجع أهمية القتال في قطاع غزة، الذي كان حتى منتصف الشهر الماضي يُعتبر الساحة الرئيسية، ويمكن أن يؤثر ذلك سلباً في الجهود المبذولة للتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى، وهي الصفقة التي تعيش جموداً لفترة طويلة. ولقد وسع الجيش الإسرائيلي، قبل الهجوم الإيراني، من عملية تجنيد قوات الاحتياط للجبهة الشمالية، ومن المتوقع الآن أن يتم توسيع نطاق تجنيد الاحتياط بصورة أكبر في ظل الأزمة الإقليمية والمخاطر المترتبة على مزيد من التدهور في عدة جبهات”.
تعلّق وشكوك
“نشر جهاز الشاباك هذا الأسبوع، على الرغم من الكثير من القيود التي تحظر نشر التفاصيل، أنه كشف مؤخراً سلسلة محاولات إيرانية لتنفيذ اغتيالات ضد شخصيات بارزة إسرائيلية داخل البلد وخارجه. ولقد استخدم الإيرانيون عملاء محليين إسرائيليين، تم إغراء بعضهم بعروض مالية عبر الإنترنت، ووجد الإيرانيون أرضاً خصبة لهذه المحاولات، التي استندت جزئياً إلى العالم الإجرامي في إسرائيل، ومن المرجح أن تستمر هذه المحاولات في المستقبل. وهذا التهديد الإيراني يُبرز مدى اعتماد إسرائيل على الأميركيين، وهو ما يتجاهله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتصرفاته التي أغضبت الأميركيين في كل خطوة خلال الأسابيع الأخيرة. فإسرائيل لا تعتمد على الولايات المتحدة وحسب في تنسيق الدفاع الجوي، بل أيضاً في استمرار تزويدها بالذخائر لعملياتها الهجومية. وبطريقة ما، لا تصل هذه الحقائق إلى أتباع نتنياهو المتحمسين الذين يتلاعبون الآن بفانتازيا جديدة بعد تحقيق سلسلة النجاحات في بيروت؛ مهاجمة المواقع النووية الإيرانية من دون تنسيق مع الولايات المتحدة. بتنا الآن نسمع الأصوات المتشددة بهذا الشأن، وبوضوح في الاستوديوهات، لكن الواقع هو أنه عندما يتعلق الأمر بالمسألة النووية، فإن على إسرائيل أن تعمل بتنسيق مع الولايات المتحدة، لضمان ضربات مؤثرة طويلة الأمد، وكذلك للحصول على الدعم اللازم في الدفاع والهجوم. والأهم من النقاشات الدائرة في الاستوديوهات هو السؤال عما إذا كانت هذه الأفكار تتسلل أيضاً إلى دوائر صنع القرار أم لا. ولقد اختار نتنياهو نفسه قبل يومين، في خضم العاصفة الإقليمية، التوجه مباشرة بفيديو إلى المواطنين الإيرانيين، داعياً إياهم إلى الإطاحة بالنظام القمعي للملالي. وفي هذا السياق، من المفيد أن نذكر تحذير الصحافي توماس فريدمان في صحيفة “نيويورك تايمز” قبل نحو شهر؛ إذ هناك بحسبه قلق في إدارة بايدن من أن نتنياهو يحاول جر الولايات المتحدة إلى حرب مباشرة مع إيران، تشمل مهاجمة المواقع النووية، وتؤثر في الوقت نفسه في مصير الانتخابات الرئاسية الأميركية. نحن طبعاً في غنى عن القول إن نتنياهو لا يصلي لنجاح المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس؛ فالولايات المتحدة ستقدم الآن المساعدة إلى إسرائيل، سواء من منطلق الالتزام المبدئي أو استناداً إلى الاعتراف بأهمية إسرائيل الاستراتيجية للمصالح الأميركية، لكن الشكوك تجاه إسرائيل ستظل قائمة لدى بايدن، وهاريس، وفريقهما”.
خطوات التصالح مع الواقع
“حتى قبل الهجوم الإيراني، بدأت عملية الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، بعد 24 عاماً من انسحابه منه، بصورة نهائية على ما يبدو، وبعد 18 عاماً بعد دخوله مجدداً مغامرة قصيرة وغير ناجحة (حرب 2006)، وها هو الجيش الإسرائيلي يعود إلى هناك. في الليلة قبل الماضية، دخلت القوات في عملية وُصفت هذه المرة بأنها محددة وموقتة، وموجهة حالياً نحو أطراف القرى الشيعية والمناطق المعقدة القريبة من الحدود مع إسرائيل. وتأمل القيادة العامة للجيش والقيادة السياسية الإسرائيلية أن تواجه العملية العسكرية المكثفة هناك، على مدى بضعة أسابيع، مقاومة أضعف مما كان يُعتقد في الماضي، وذلك نظراً إلى الضربات القاسية التي تلقّاها حزب الله عبر الهجمات الجوية والاستخباراتية خلال الأسبوعين الأخيرَين. ومن المفترض أن تستكمل التحركات على الأرض ما هو من المفترض أنه تم تحقيقه فعلاً، وتجبر حزب الله وراعيته إيران على الموافقة على الانسحاب من المنطقة الحدودية، بطريقة تقنع العديد من السكان الإسرائيليين بأنهم يمكنهم العودة بأمان إلى منازلهم على الجانب الجنوبي من الحدود بعد عام من النزوح القسري. أمّا الهجوم الليلي الإيراني، فسيؤثر في أولويات إسرائيل ومسار الأحداث، وخصوصاً فيما يتعلق بموارد سلاح الجو. وفي ظل القتال على طول الحدود حتى الآن، وما بدأ يتكشف من الجانب اللبناني، يبدو أنه ليس لدى إسرائيل حالياً خيار آخر لإعادة السكان. لكن تاريخ المواجهات السابقة يعلّمنا أن الخطط الإسرائيلية تميل إلى الاصطدام بواقع مختلف؛ ففي الحرب، وخصوصاً في المناورات البرّية، تحدث أمور غير متوقعة. وعادة لا يتطوع العدو لتأدية دوره في الخطط التي تم إعدادها. وما لا يمكن الجدال فيه هو أن حزب الله الآن يعيش وضعاً مختلفاً تماماً عما كان عليه قبل بضعة أسابيع، ففي 8 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، عندما قرر نصر الله الانضمام إلى الحرب التي بدأتها “حماس” في الجنوب قبل يوم واحد، قيد أنصاره بإطلاق النار عن بُعد؛ بصواريخ مضادة للدبابات، وصواريخ قصيرة المدى، وبعدها أيضاً طائرات مسيّرة. وتمثلت الفكرة في إشغال العديد من القوات الإسرائيلية على حدود لبنان، وبالتالي، المساهمة في النضال الفلسطيني في غزة، من دون إرسال مقاتليه للهجوم داخل إسرائيل. وقد استمرت استراتيجيا نصر الله نحو 11 شهراً، على الرغم من أن مقاتليه تكبدوا نحو 500 قتيل في اشتباكات على طول الحدود، كما قُتل بعض كبار قادة تنظيمه. وعندما قررت إسرائيل في منتصف الشهر الماضي تصعيد الحملة، والقيام بعمليات فعالة لإعادة السكان وتحويل لبنان إلى الساحة الرئيسية للحرب، بدأت خسائر حزب الله في الارتفاع بصورة حادة. وقد أنشأ كل من الهجمات الإلكترونية وهجمات الاتصالات المنسوبة إلى إسرائيل، واغتيالات نصر الله واثنين من كبار قادته، هما إبراهيم عقيل وعلي كركي، وتصفية قيادة قوة الرضوان بأكملها، والهجوم الجوي المنهجي الذي ألحق ضرراً كبيراً بمخازن الأسلحة متوسطة وبعيدة المدى لحزب الله، واقعاً جديداً تماماً على طول الحدود، حتى قبل دخول قوات الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان. فقد طور الأميركيون، خلال حرب الخليج الثانية سنة 2003، مفهوماً هجومياً أطلقوا عليه (الصدمة والرعب)، وقد تمثّل جوهره في توجيه ضربة افتتاحية تهز منظومة العدو بأكملها وتشله. وهذا بالضبط ما فعلته إسرائيل لحزب الله في الأسابيع الأخيرة، على الرغم من مرور ما يقارب العام على القتال من دون تحقيق نتائج استراتيجية كبيرة. وإن جزءاً مهماً من هذا النجاح يعود إلى العمل الدؤوب لسلاح الجو الإسرائيلي على مدار العام الماضي، لضمان التفوق الجوي لطائراته والطائرات المسيّرة في سماء لبنان. وتم تحييد العديد من قدرات الدفاع الجوي لحزب الله وتدميرها أو تجاوزها، وهو ما قلل كثيراً من المخاطر التي تواجه الطائرات الإسرائيلية، وأتاح لها حرية أكبر في العمل مما كان متوقعاً. والدليل الأبرز على الإنجازات حتى الآن هو الأثر المحدود لحزب الله في ردوده على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهذا ناجم، على الأرجح، عن مشاكل في تسلسل القيادة والسيطرة، وليس بسبب نقص في الصواريخ المتوسطة المدى حتى الآن. وعلى الرغم من الضرر الكبير الذي لحق بمخازن الصواريخ، فإنه لا يزال لدى التنظيم مئات الصواريخ، ومن المرجح أنه عندما يتعافى النظام القيادي، فسيستأنف إطلاق النار بصورة أكثر فاعلية. يبدو أن قيادة التنظيم – القيادة الجديدة بالتحديد – في حالة من الصدمة إزاء ما حدث؛ إذ كان حزب الله يعتمد على مجموعة قيادة قديمة، ترعرعت مع نصر الله في صفوف التنظيم منذ تأسيسه في أوائل الثمانينيات، وتنكّبت مواقعها القيادية قبل عقدين تقريباً. الآن، لم يعد أي من هؤلاء حياً تقريباً، وَهُم الآن يتوزعون بين مَن تم اغتيالهم خلال هذا العام، ومَن قُتلوا في الأسبوعين الماضيَين. أمّا مَن حلّوا محل هؤلاء، فهم مضطرون الآن إلى التعامل مع منظمة متضررة ومرتبكة، إذ تمت زعزعة سلاسل القيادة فيها، ويبدو أن هناك صعوبة في تنفيذ هجمات متسقة وفقاً لخطط القصف الحالية، وقد تم التخلي عن شبكات الاتصال فيها بعد حوادث الأجهزة اللاسلكية وأجهزة الاتصال، وتم تدمير جزء كبير من مخازن الصواريخ، ومن المؤكد أن هناك عناصر يخشون الوصول إلى مخابئ منصات إطلاق الصواريخ الأُخرى خوفاً من القتل. وربما أكثر ما يثقل كاهلهم هو الشعور بالاختراق الاستخباراتي. ومع ذلك، فإن دخول القوات البرّية جنوب لبنان، حتى ولو كان محدوداً، فسيكون قصة مختلفة، وأكثر صعوبة؛ فمن الصعب جداً تدمير الشبكات تحت الأرضية من مخابئ وأنفاق، والتي نشرها التنظيم قرب الحدود عبر الهجمات الجوية، وهذا هو السبب الأساسي لاتخاذ قرار الدخول برّياً. ومن هنا، يُتوقع ظهور مشكلتين كبيرتين أُخريَين، تذكّران بما واجهه الجيش الإسرائيلي في غزو قطاع غزة في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي:
أولاً، لا تعتمد مقاومة العدو على أنظمة عسكرية معقدة ومنهجية، إنما على خلايا حرب عصابات متمركزة جيداً في مناطق حيوية، ويمكنها أن تسبب خسائر للجيش الإسرائيلي.
ثانياً، البُعد الزمني؛ إذ استغرق تنفيذ خطة الجيش الإسرائيلي في القطاع وقتاً أطول كثيراً مما كان متوقعاً، لأن الجمع بين المناطق المبنية والمجمعات تحت الأرض أطال العملية وجعلها أكثر تعقيداً. ومن ينتظر هنا اندفاعاً للدبابات في جنوب لبنان، على غرار ما حدث في إبان حرب الأيام الستة في سيناء، سيصاب بخيبة أمل”.
وختم المحلل تقريره بالقول: “وكشف الجيش الإسرائيلي يوم أمس أكثر من 70 عملية اقتحام نفذتها وحدات خاصة عبر الحدود منذ تشرين الأول/أكتوبر [2023]. وخلالها، تم كشف مجمعات قتال تابعة لحزب الله، وأنفاق اقتراب تسمح بالوصول إلى قرب الحدود من دون أن يتم اكتشاف عناصر الحزب، ووسائل قتالية كثيرة. ولا يزال هناك العديد من هذه المجمعات في أراضي الخلاء على امتداد الحدود. وستكون هناك أهداف إضافية للعملية، تشمل القرى الواقعة على خط التماس. ومع ذلك، فإن توجيهات الجيش الإسرائيلي لسكان الجنوب تأمرهم بإخلاء منازلهم إلى مناطق أبعد شمالاً، حتى أطراف مدينة صور. والنغمة التي نسمعها من الضباط، والتي تُنقل إلى الجمهور عبر الجنرالات المتقاعدين في الاستوديوهات، هي نغمة مألوفة؛ عملية محدودة، هدفها إبعاد (الإرهابيين) عن الحدود، واستعادة الأمن وإعادة السكان. كما أن المخاطر، التي غالباً ما يتم التطرق إليها بصورة أقل، معروفة؛ فبين التل الأول الذي يتم الاستيلاء عليه لتنفيذ المهمة، والتل الثاني الذي ستتم مهاجمته لحماية القوات من إطلاق النار على التل الأول، هناك منحدر زلق. وبهذه الصورة يجد المرء نفسه أحياناً عالقاً في أرض غريبة لمدة 18 عاماً أو أكثر، والأمر الوحيد الذي يبدو مؤكداً تماماً هو أن الأرض لن تهدأ، وبالتأكيد ليس لمدة 40 عاماً”.