سنة على المذبحة، لِزامٌ علينا أن نتذكّر أيضًا النهب والتعذيب وشهوة الانتقام في غزة
“سنة مرّت على المذبحة، وقد حان الوقت أيضًا للنظر إلى أنفسنا في المرآة. نحن مجتمع من البطَلات والأبطال، فيه ضمان متبادَل ونوايا حسنة. لكنا، أيضًا، مجتمع تخلى عن المخطوفين، أعمته شهوة الانتقام، احتفل ـ أو أظهر عدم اكتراث ـ بمعاناة لا توصف أوقعها على الآخرين؛ يتحصّن بضحيّته لكي يبرر العربدة وقِصَر النظر.. يجب أن نتذكّر هذا، أيضًا”.
كتبت “نوعا ليمونة” مقالاً تحليلياً نشرته “هآرتس” يوم 9/10 الجاري بالعنوان أعلاه، استهلته بالقول: “اليوم ليس يوم ذكرى عادية. لسنا مُطالَبين بتخليص أنفسنا من الحاضر والدنيوي وتكريس اليوم لتذكُّر حدث وقع في الماضي. لقد اتسع الزمن حتى أصبح يبدو أن كل ما حدث قبل يوم 7 أكتوبر لم يكن حقيقيًا وواقعيًا، كما تقلص الزمن أيضًا بحيث أننا نعيش، سوية، يومًا واحدًا فقط طيلة أيام السنة. في الحلقة الأولى من المشروع الوثائقي الذي يُبثّ في (كان 11)، (اليوم الذي لا ينتهي أبدًا)، يقتبس دانيئيل هجاري جملة قالتها له طفلة قُتل أفراد عائلتها بأيدي حماس: (أنا عالقة في السابع من أكتوبر وأنا أعيش دورات لانهائية من الشروق والغروب في يوم واحد). في يوم الذكرى هذا، لا نحتاج إلى صفّارة إنذار، إذًا. وكما كتب رينو تسرور، فإن الصافرة محفورة فينا. لكنّ أيام الذكرى ليست للتذكير فقط، وإنما أيضًا لإنشاء سرديّة وتحديد القيم التي بذلنا من أجلها الضحايا، وكذلك لتحديد ما ننساه، ما نُنكره وما نكبته. أيام الذكرى في إسرائيل هي جزء من آلية الذهان الهوَسيّ الاكتئابيّ، الذي يمثّل فيه البكاء على الموتى مقدّمةً لسكرة الانتصار، وهكذا دواليك. وقد كانت السنة الأخيرة كلها على هذا النحو: حركة محمومة ما بين الحزن الرهيب ورفع الأنخاب وتوزيع البقلاوة. من غير الممكن الاعتماد على التلفزة الإسرائيلية لتقدّم لنا صورة أخرى مغايرة ولتنتشلنا من حالة الاضطراب الثنائيّ القطب. لكنّ شبكة (الجزيرة)، التي أغلقنا فروعها في إسرائيل، بثّت في نهاية الأسبوع الماضي تحقيقًا حول جرائم الحرب التي يرتكبها، ظاهريًا، الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. يمكن للمرء أن يناقش بعض الأمور التي عُرضت هناك، أن يشعر بالغضب جرّاء الصف الناقص لمذبحة السابع من تشرين الأول وأن يشعر بالنفور من التسامح الذي يتم التعامل به مع (حماس)؛ لكن ثمة هنالك أيضًا أمور لا يمكن الجدال حولها، لأن الأدلة عليها مكشوفة أمام الجميع ومنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك على أيدي جنود الجيش الإسرائيلي أنفسهم أيضاً”.
وأضافت: “آلاف أشرطة الفيديو التي صوّرها جنود الجيش الإسرائيلي وهم يقومون بنهب وتخريب ممتلكات الفلسطينيين، بالتنكيل بالمعتقَلين، بالاحتفال بتفجير المباني التي ليس هنالك هدف عسكري من هدمها، سوى الانتقام؛ مقاطع فيديو على تيك توك نشرها إسرائيليون متنكّرون برسوم كاريكاتورية لعرب يغنّون فَرِحين مَرِحين أغنية (كان هذا بيتي) التي تم تغيير كلماتها للسخرية والاستهزاء بسكان غزة؛ أشرطة فيديو يسخر فيها مؤثرون من انقطاع المياه والكهرباء في قطاع غزة ويحظون بعشرات آلاف المشارَكات، وكذلك أشرطة فيديو لمُجنَّدات يسخرن من المعتقَلين ويعرضن ظروف اعتقالهم غير الإنسانية. وهنالك، أيضًا، ذِكرٌ لما ورد في تحقيقات صحفية استقصائية نُشرت في وسائل إعلام إسرائيلية: استخدام الذكاء الاصطناعي في الاغتيالات، مما يزيد من حجم (الأضرار الجانبية)؛ الإجراء المُرعِب المعروف باسم (أين أبي)، والذي يتم فيه أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي في اغتيال أشخاص وهم في داخل منازلهم، بكل من فيها من السكان، وهنالك شهادات عن أعمال تعذيب، عن قتل متعمّد للأطفال، عن استخدام الجيش الإسرائيلي مواطنين مدنيين كدروع بشرية وصور فوق صور لأطفال جرحى، مُجوَّعين وموتى. إلى هذا التحقيق، يجب أن تُضاف أيضًا الرسالة التي صدرت عن مهنيين أمريكيين في مجال الطب كانوا قد عملوا في قطاع غزة وموجَّهة إلى جو بايدن وكاميلا هاريس: فهي تتضمن شهادات مُروّعة عن عمليات جراحية أجرِيت بدون تخدر، أطفال يموتون في يوم ولادتهم جرّاء الجوع والعطش، أوبئة تتفشى وأعضاء طواقم طبية فلسطينيين يُقتَلون، تختفي آثارهم، يعتَقَلون ويتعرضون للتعذيب والتنكيل”.
ويختم المقال بالقول: “سنة مرّت على المذبحة، وقد حان الوقت أيضًا للنظر إلى أنفسنا في المرآة. نحن مجتمع من البطَلات والأبطال، فيه ضمان متبادَل ونوايا حسنة. لكنا، أيضًا، مجتمع تخلى عن المخطوفين، أعمته شهوة الانتقام، احتفل ـ أو أظهر عدم اكتراث ـ بمعاناة لا توصف أوقعها على الآخرين؛ يتحصّن بضحيّته لكي يبرر العربدة وقِصَر النظر.. يجب أن نتذكّر هذا، أيضًا”.