قراءة اجتماعية في كتاب عدي إبراهيم المناوي “التيارات السياسية العلمانية وصناعة الرأي العام”
بقلم د.سرور محمد خليل
يتناول كتاب “التيارات السياسية العلمانية وصناعة الرأي العام” للكاتب عدي إبراهيم المناوي موضوعًا ذا أهمية بالغة، حيث يعكف على تحليل الدور المؤثر الذي تلعبه الحركات السياسية العلمانية في تشكيل وصياغة الرأي العام في المجتمعات ذات الخلفيات الثقافية والدينية المتنوعة، الكتاب يقدم دراسة معمقة في كيفية استخدام هذه التيارات العلمانية لآليات متعددة في محاولة للتأثير على القناعات الاجتماعية والسياسية للأفراد، مما يعكس تأثيراتها الكبيرة في ديناميكيات التفاعل بين السياسة والمجتمع في العصر الحديث، حيث من خلال قراءة ناقدة اجتماعية، يمكن القول إن الكاتب يسعى لاستكشاف الآليات التي تعتمدها هذه الحركات في مواجهة التيارات الدينية التقليدية، ليس فقط على مستوى الفكر والتوجهات السياسية، بل من خلال محاولاتها لزعزعة وتغيير منظومات القيم التي طالما سادت في المجتمع في هذا السياق، يظهر الكتاب كدعوة لفهم العلاقة بين العلمانية كحركة فكرية والسياسات المجتمعية التي تتفاعل معها، في ظل الصراعات المستمرة بين الحداثة والأصالة، إذ أنه يكشف عن القلق الذي يساور بعض الأوساط الاجتماعية بشأن تأثير هذه التيارات العلمانية على الهوية الوطنية والقيم المجتمعية فالعلمانية السياسية من وجهة نظر المناوي قد تكون أحد العوامل التي تساهم في تراجع بعض القيم التقليدية التي ظلت تُعتبر جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي والوطني، هذا التراجع يمكن أن يُنظر إليه كجزء من عملية التحديث والانفتاح الثقافي، الذي يسعى العلمانيون إلى تعزيزه في مواجهة التراث الديني والاجتماعي الذي يعبر عن قيم محافظة، حيث إحدى القضايا التي يعالجها الكتاب تتمثل في كيفية استخدام هذه التيارات للوسائل الإعلامية كأداة أساسية في توجيه الرأي العام، وهي وسيلة تسمح لها بالتأثير المباشر على توجهات الأفراد عبر وسائل التواصل الحديثة، من خلال نشر أفكار ومفاهيم تتعلق بالحرية الشخصية والانفتاح على العالم الخارجي، هذه الوسائل الإعلامية تمثل عاملًا محوريًا في نشر الأفكار العلمانية، وتستغل بشكل خاص التكنولوجيات الحديثة لتوسيع دائرة تأثيرها، من خلال هذا التحليل يُطرح الصراع بين العلمانية conservatism المجتمع كجدلية قائمة بين الحداثة التي تمثلها العلمانية، والأصالة التي تجسدها التيارات المحافظة، هذا الصراع ليس مقتصرًا على مجرد اختلاف في الفكر والتوجه، بل يمتد ليشمل التوتر الاجتماعي الناتج عن وجود اتجاهات متناقضة تعمل على تشكيل الرأي العام، إذ يُظهر أن هذه الحالة من الاستقطاب الأيديولوجي يمكن أن تؤدي إلى تأثيرات سلبية على الوحدة الاجتماعية، حيث يصبح المجتمع عرضة لتفكك داخلي نتيجة لتضارب القيم والمعتقدات التي تحكمه، ويتناول الكتاب دور الإعلام كوسيط فعال يستخدمه العلمانيون لترويج مفاهيم الانفتاح، في مقابل ما تقدمه وسائل الإعلام الدينية التي تدعو إلى التمسك بالقيم الدينية والأخلاقية، حيث إن هذا التباين في استخدام وسائل الإعلام يبرز دورها المحوري في تشكيل الرأي العام، كما تُستغل هذه الوسائل لنقل رسائل اجتماعية وثقافية قد تكون مغايرة تمامًا لتلك التي تحملها التيارات الدينية، يتضح من خلال الكتاب أن التيارات السياسية العلمانية تسعى إلى تشكيل الوعي الجماعي، ولكنها في الوقت نفسه تواجه تحديات جمة، فبينما تهدف هذه الحركات إلى تحرر المجتمع من القيود الفكرية التقليدية، فإنها تصطدم بمقاومة شرسة من قبل الأطياف المحافظة التي تظل متمسكة بهوياتها الدينية والقومية كمرجع أساسي للمشروعية، هذه المقاومة تعكس الصعوبة البالغة التي تواجهها الحركات العلمانية في محاولتها للتمكين للمفاهيم الحداثية في بيئات اجتماعية تحفظ القيم التقليدية بشدة، كما يتطرق الكتاب إلى الوسائل التي تستخدمها التيارات العلمانية لتشكيل الوعي الجماعي، مثل التعليم والإعلام والسياسات الثقافية، هذه الوسائل تُظهر كيفية مساهمة الحركات العلمانية في التأثير على الآراء العامة واتجاهات المجتمع نحو قضايا مثل الحرية الشخصية والانفتاح الثقافي، الكتاب يركز على دراسة تأثير هذه الآليات في صناعة الرأي العام، مما يعكس اهتمامًا عميقًا في فهم كيفية تأثير هذه الحركات في تشكيل المواقف الاجتماعية والسياسية على المستوى الوطني، الى جانب ذلك يطرح المناوي تساؤلات مهمة حول الصراع بين العلمانية والتقاليد الاجتماعية، موضحًا التحديات التي تواجهها الحركات العلمانية في مجتمعات لا تزال تعيش تحت وطأة تأثير القيم التقليدية والدينية، في محاولتها لإحداث تحول فكري واجتماعي يعكس مسعى للانفتاح والتطور الثقافي.