مَن كان يعتقد أن يأتي يوم يصنع فيه حزب الله أوّل سابقة في تاريخ حروب المقاومة التي ترتكز عل حرب العصابات المتنقّلة، التي تعتمد على مبدأ “أضرب وأهرب”، وتتخذ من نصب الكمائن، والإغارات الخاطفة والمفاجئة، وزرع العبوات وتفخيخ الطرقات وسواها من أساليب المقاومة المتحركة، فيصنع خلال أكثر من أربعين يوماً شكلاً غير مسبوق يزاوج فيه بمنتهى البراعة بين تكتيكات حرب العصابات وقتال الجيوش النظامية، في مواجهة بطولية لأكثر من خمسة فرق عسكرية قوامها حوالي 80 ألفاً مدعّمة بألوية مدرّعة وكامل سلاح الجو الإسرائيلي بطائراته ومسيّراته، الأحدث في العالم الغربي، وبإسناد مدفعي شامل. ويخوض خلالها أشرس معارك الدفاع والتشبّث بالأرض التي تعجز عنها جيوش جرّارة، ويلتحم معها من المسافة صفر بالأسلحة الفردية وحتى بالسلاح الأبيض، بل وينجح في إيقاف اندفاعة أرتال الجنود والدبابات والمدرعات، ويُثخن فيها قتلاً وتدميراً، ويجبرها على التراجع إلى مكامن انطلاقها، ويلاحقها في أماكن تموضعها ومعسكرات تجميعها، مسجّلاً أروع البطولات الفريدة في تاريخ الحروب البشرية بين جيش نظامي متفوق عدة وعتاداً وعدداً ومجموعات مقاومة مسلّحة بالإيمان والإرادة والثقة بالنفس وبحتمية الانتصار.
ومَن كان يحلم في أحلامه الوردية النادرة في تاريخ العرب والمسلمين المعاصر في شتى أماكن تواجدهم، أن يأتي يوم بعد تجرؤ الرئيس العراقي صدام حسين بقصف “الكيان” بـ 39 صاروخاً، دفع ثمنها حياته، ودفع العراق الأشمّ من مستقبله وتطوّره أبهظ الأثمان قتلاً وتدميراً ونهباً للثروات والمقدّرات.. ليأتي حزب الله فيقصف عمق هذا “الكيان” المجرم، وتتطاول مسيّراته على منزل كبير مجرميه في قيسارية، وتلاحقه وأركان قيادته السياسية والعسكرية إلى مقره الحصين “الكرياه” أو ما يطلقون عليه “الحفرة” رمز ما يُسمونه الاستقلال والسيادة منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، ولمرّتيْن متتاليتيْن في يوم واحد بالمسيّرات الإنقضاضية وبالصواريخ الدقيقة، متخطية أحدث ما وصلت له آلة الدفاعات الجوية الغربية من تكنولوجيا متعددة الطبقات، وهو المكان الأكثر تحصيناً والمطبخ الحربي العدواني حيث يتم التخطيط للتفوّق على كامل جيوش منطقة الشرق الأوسط بأكملها، ناهيك عن القواعد العسكرية والبحرية والمطارات الحربية والمعسكرات.
ومَن كان يرد على مخيّلته الخصبة، أو يأتي يوم يتحوّل فيه ملايين المستوطنين المجرمين إلى لاجئين، أومرابطين في الملاجيء الحصينة تحت الأرض، ويصاب فيه “الكيان” المتغطرس ذو اليد “الطولى” بالشلل التام، والعجز العسكري والاستخباراتي والأمني ومعه الترسانة العسكرية والاستخباراتية الأمريكية الجبّارة والغرب وحلف الناتو ومَن يدور في فلكهم عن إيجاد حلول ناجعة في مواجهة مسيّرات وصواريخ حزب الله، وهي التي تعربد وتصول وتجول في المنطقة والعالم أجمع.
كثيرة هي السوابق الفريدة أو بالأحرى الخوارق التي حققها حزب الله في لبنان وشقيقتها المقاومة الفلسطينية في غزة خاصة وفلسطين على وجه العموم، صانعين كتاب غينس جديد في أرقام قياسية وأيام عز وشرف ليس للبنان وفلسطين والمنطقة فحسب بل للبشرية جمعاء، سيخلّدها التاريخ بأحرف من نور، وستفرض نفسها دروساً تنهل من ينبوعها المتدفّق كافة الأكاديميات والمعاهد العسكرية للعدو قبل الصديق، وستغدو مثالاً وضّاءً لكافة أحرار وشرفاء العالم في مقارعة قوى الظلام والهمجية المتغطرسة، وإنموذجاً فريداً لأسمى معاني وسلوك الشرف والأخلاق العسكري الحقّ في مقابل عصابات مجرمة توّاقة للإبادة وسفك الدماء ويحكم سلوكها شهوة القتل والانتقام والتدمير من المدنيين الأبرياء ومرافقهم الحياتية.. ويأتي بعد ذلك، وفي ظل هذا المجد والمواجهة المحتدمة مَن يجرؤ على التطرّق بلا خجل أو وجل عن سلاح حزب الله والمقاومة الفلسطينية، والذي لولاه لكانوا مجرّد نكرات، ولما وجدوا مّن يهتم بهم، أو يكترث بوجودهم، أو حتى يستمع لأقوالهم المسمومة.