تقارير منوعة

في دولة لا معارضة حقيقية فيها، مَن يجرؤ على الخروج إلى الشوارع لوقف خطة الضمّ؟

“أساس النظرية العِرقية اليهودية قد أُرسِيَ، فعليًا، بواسطة (قانون القومية) وكل ما يجب القيام به هو توسيعه قليلًا لكي يلبي المعايير التي وضعها سموتريتش. لم يكن، ولن يكون، وقت أفضل للضمّ. في الدولة التي لا تبلغ شهوة الانتقام لديها درجة الشبع، التي تتجاوز فيها معارضة الحل السياسي على أساس الدولتين جميع الحدود الحزبية والاجتماعية والاقتصادية، والتي لا تبدي أي استعداد حتى لوقف حرب غير ضرورية من أجل إنقاذ مخطوفيها، مَن ذا الذي سيجرؤ على الخروج إلى الشوارع من أجل وقف الضم؟”.

تحت العنوان أعلاه نشرت “هآرتس” مقالاً تحليلياً يوم 14/11 الجاري بقلم ” تسفي بارئيل”، بدأه متهكّماً: “(مَن كان يصدّق أنه بعد مرور سنة كاملة على السابع من تشرين الأول سيكون عامَ السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة 2025؟)، تعهد وزير المستعمَرات بتسلئيل سموتريتش، الذي ينوي المبادرة إلى استصدار قرار حكومي يحوّل الرؤية المهووسة إلى واقع. من المخيب للآمال أن نسمع أنه يكتفي بضم الضفة الغربية فقط ولا يطمح إلى بسط السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة أيضًا، بل لا يذكر حتى القدرة الكامنة على التوسع اليهودي إلى جنوب لبنان. صحيح أن مكانة قطاع غزة ولبنان الإيديولوجية هي أدنى بكثير من مكانة يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، لكن عندما ينص المبدأ الاستراتيجي الصهيوني على أنه حيثما يوجد يهود سيكون هنالك أيضًا جيشٌ لضمان أمن الدولة، فإنّ أي تنازل هو بمثابة تهديد حقيقي وجدّيّ على الدولة وعلى مواطنيها، لا سيما بعد أن شرعت جرافات الجيش الإسرائيلي فعليًا في تمهيد الأرضية لاستيعاب حشود المستوطنين ولم يبق سوى إصدار ونشر عطاءات وتوزيع قسائم الأرض في (نفيه جباليا) و(راموت بيت لاهيا)، اللتين ستحظيان بالطبع بأسماء جديدة، بشوارع تحمل أسماء المخطوفين وبنُصُب تذكارية لتخليد أولئك الذين سقطوا من أجل تحرير قطاع غزة”.

وأضاف: “في الظاهر، يبدو تعهد سموتريتش وكأنه مجرد هلوسة. صحيح أن وزير الاحتلال واثق من قدرته على إقناع دونالد ترامب بالمصادقة على الضم، بمجرد إطلاق اسمه وأسماء عدد من أفراد عائلته على بعض المستوطنات، لكن حتى لو قبِل ترامب بهذا، فثمة شكّ في أن تكون هنالك دولة إضافية أخرى في العالم مستعدة للموافقة على إقامة أي نوع من العلاقات مع إسرائيل، كما يمكن الافتراض أيضًا أن الدول العربية التي وقعت على اتفاقيات سلام معها ستقوم بإعادة المفاتيح إلى سفاراتها.

لكنّ هذه وجهة نظر انهزامية، تميّز جميع أولئك الذين لا يؤمنون بالنصر المطلق. بعد سنة من العزلة الدولية شبه التامة، إلغاء الرحلات الجوية، الهجمات المعادية للسامة ضد مشجعي كرة القدم الإسرائيليين، المُقاطَعة في المجتمع الأكاديمي وإلغاء الصفقات مع شركات إسرائيلية، اعتاد الإسرائيليون على العيش كلاجئين في بلادهم واستيعاب حقيقة أنه بالإمكان أيضًا بدون عطلة في هولندا أو فرنسا. ولم نرَ، أيضًا، كيف كان بإمكان السلام مع الدول العربية أن يحمي البلدات اليهودية في منطقة غلاف غزة أو أن يمنع اقتلاع وتهجير عشرات آلاف اليهود من منازلهم. بالإمكان من دونه، أيضاً. صحيح أن الضم يعني ابتلاع ما يزيد عن خمسة ملايين فلسطيني في أحشاء إسرائيل الموسعة. لكن، مهلًا وبدون ذُعرـ (خطة الحسم) التي طرحها سموتريتش تقترح حلًا منتظَمًا وأصيلًا: (بالنسبة للعرب الذين يختارون البقاء هنا كأفراد والتمتع بكل ما يمكن لإسرائيل أن تقدّمه، سيتعين علينا تحديد نظام إقامة يشمل إدارة حياة مجتمعية ذاتية مستقلة، إلى جانب الحقوق والواجبات الفردية. سيدير عرب يهودا والسامرة، بداية، حياتهم اليومية بأنفسهم بواسطة مديريات بلدية لوائية، خالية من السِّمات الوطنية… ولاحقًا، مع تقدم العملية واستيعابها، وعلى أساس معايير الولاء والخدمة العسكرية أو القومية، سيكون من الممكن دمج نماذج أخرى من الإقامة، أو حتى المواطَنة). هل ثمة أكثر إنسانية ودمقراطية من هذا؟؟”.

وخلص للقول: “صحيح أنه إلى أن يتم استكمال هذه (العملية)، سيتوجب على إسرائيل أن تكرّس، في التشريعات القانونية وفي الممارسة، نظام أبارتهايد (فصل عنصري) رسمي وكامل، على جميع أراضيها وليس في الضفة الغربية فقط. لكنّ هذا سيكون مؤقتًا، لبضع عشرات من السنين فقط، إلى أن يتم تحديث الوعي الوطني الفلسطيني. علاوة على ذلك، ومن أجل منع التمييز بين المجموعات الفلسطينية المختلفة، ستتم مساواة مكانة المواطنين الفلسطينيين الإسرائيليين بمكانة الفلسطينيين (الجُدُد)، لأنّ العِرق والدين هما اللذان سيقرران الحقوق ويحدّدانها. لن يكون في هذا تجديد كبير. ذلك أن أساس النظرية العِرقية اليهودية قد أُرسِيَ، فعليًا، بواسطة (قانون القومية) وكل ما يجب القيام به هو توسيعه قليلًا لكي يلبي المعايير التي وضعها سموتريتش. لم يكن، ولن يكون، وقت أفضل للضمّ. في الدولة التي لا تبلغ شهوة الانتقام لديها درجة الشبع، التي تتجاوز فيها معارضة الحل السياسي على أساس الدولتين جميع الحدود الحزبية والاجتماعية والاقتصادية، والتي لا تبدي أي استعداد حتى لوقف حرب غير ضرورية من أجل إنقاذ مخطوفيها، مَن ذا الذي سيجرؤ على الخروج إلى الشوارع من أجل وقف الضم؟”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى