المحامي الدولي الدكتور إبراهيم عورتاني جنيف – سويسرا: قرار الجنائية الدولية فخ ومحاولة تبرئة للكيان وشركائه؟!
ماتريوشكا نيوز
“تعظيم وتضخيم مذكرة الجلب الدولية ضد نتنياهو وغالانت، هو ترويج وتسويق لخط أقل ضرر بكثير من خط محكمة العدل الدولية، وهو خط محاكمة الجنائية الدولية لنتنياهو وغالانت كأفراد مسؤولين عن ما يُحتمل أنها جرائم حرب. وبالتالي يكونوا كبش فداء، وتخفيف من حدة اتهام إسرائيل، وإبعادها وإبعاد كل الدول الغربية والعربية التي ساهمت وشاركت وتواطأت في هذه الجريمة، وأيضاً إبعاد شبح التأسيس لحكم قضائي من محكمة العدل الدولية، يكون أرضية قانونية لطلب تعويضات مالية يمكن أن تفلس من ورائها دول كثيرة”.
اعتبر المختص في القانون الدولي المحامي الدكتور إبراهيم عورتاني من جنيف السويسرية أن مذكرة الجنائية الدولية الجديدة لجلب نتنياهو وغالانت للتحقيق هي مُسيّسة كلياً وليست مذكرة بريئة، وهدفها تلبيس نتنياهو وغالانت كل فيلم الجرائم بدل الكيان الصهيوني. مُفنّداً رأيه القانوني بالنقاط التالية:
أولا: لا يوجد لها أي قيمة قانونية للفلسطينيين خصوصاً أن ما يواجهه الفلسطينيون وبالذات أهلنا في غزة تعدّى بمراحل كثيرة ما تصنفه الجنائية الدولية في مذكرة الإعتقال. الجنائية الدولية إلى الآن لم يتجاوز تعريفها لتهم الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي سوى أنها (يمكن أن تشكل) جرائم حرب. يعني لا تعترف الى الآن أنها أصلا تشكل جرائم حرب وهنا التعويم في الصياغة يكشف اللعبة من الأساس.
ثانياً: لن يتم اعتقال أي أحد ممن تم توجيه مذكرة اعتقال بحقهم من الجنائية الدولية، الا إذا إدارة ترامب الجديدة أوصلت إلى مدعي عام الجنائية الدولية أنها لا تعارض إصدار المذكرة، وبالتالي تريد الإدارة الأمريكية الجديدة تقديم نتنياهو وغالانت كبوش فداء لجريمة الإبادة الجماعية وإغلاق الملف.
ثالثاً: واضح أن هناك شيء يُدبّر، خصوصاً أن المذكرة أصدرت في وقت مطالبات أن يمثل نتنياهو أمام المدعي العام الإسرائيلي للتحقيق في تهم الفساد. وبالتالي يتم التحقيق معه بدون حصانة، وإذا فلت نتانياهو من ثبوت تهم الفساد عليه يمكن حسب القانون أن يصدر المدعي العام الإسرائيلي قراراً بتسليمه إلى لاهاي لانه مطلوب في تهم جرائم حرب، أو مثلا أن يقرر المدعي العام الإسرائيلي أن ينفذ بنفسه التحقيق مع نتنياهو وغالانت لأن القانون الإسرائيلي يعتبر قضاء مكمل للقضاء الدولي. حيث أن المحكمة الجنائية الدولية لا تحل محل المحاكم الوطنية، وهي محكمة الملاذ الأخير. والمسؤولية الأساسية في التحقيق في أخطر الجرائم ومقاضاة المسؤولين عنها ومعاقبتهم تعود للدول. فالمحكمة لا تتدخل إلا إذا كانت الدولة التي ارتُكِبت فيها جرائم خطيرة تندرج ضمن اختصاص المحكمة غير راغبة أو غير قادرة حقا على القيام بذلك. وفي هذه الحالة يستطيع المدعي العام الإسرائيلي أن يعلن أنه سيقوم بمهمة التحقيق في جرائم الحرب نيابة عن المحكمة الجنائية الدولية. وهكذا يتم تنظيف صورة إسرائيل خصوصا إن تم تحريك المحكمة الجنائية للقضية، وبدأت المحاكمة داخل إسرائيل.
رابعا: الجنائية الدولية لا تجرم الدولة وإنما الأفراد والمسؤولين فيها، وتحصر المسؤولية القانونية للحرب على الإثنين، وتعتبرهم أنهم خرجوا عن القانون. وبالتالي يمكن أن يكون إخراج الفيلم واللعبة بالتعاون مع المدعي العام الإسرائيلي وان يتم التخلص من نتانياهو، وهكذا وفي نفس الوقت يتم تبرئة دولة إسرائيل وكل الدول التي شاركتها من تهم الإبادة. يكونوا بهذه الطريقة أغلقوا ملف جريمة الإبادة الجماعية بتقديم مسؤولين عنها، وأبعدوا تهمة الإبادة الجماعية عن دولة إسرائيل.
بينما ليس ذلك هو الموقف الحقيقي وما يجب أن يحصل: ما يحاولون الآن فعله هو لعبة لكي يغلقوا الملف قبل صدور قرار قضائي من محكمة العدل الدولية بخصوص جريمة الإبادة الجماعية، والتي تختلف اختصاصها عن الجنائية الدولية، خصوصا بجريمة الإبادة الجماعية التي أقرت حدوثها في قرارها التمهيدي المستعجل بوقف كل الإجراءات والتي رفضت إسرائيل والدول الداعمة الانصياع لها. وقرار محكمة العدل الدولية بخصوص الإبادة الجماعية ملزم، وغير قابل للطعن ويفرض على قضاء كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بلا استثناء.
على العموم: الجنائية الدولية تحاكم أشخاص فقط ولا تملك اتهام دول وإنما أفراد ومسؤولين فيها يحملوا الصفة الرسمية، وقاموا بارتكاب تلك الجرائم والمسؤولية القانونية تقع عليهم لا على دولتهم، ولا يترتب على الدولة من جراء تلك الأحكام اي تعويضات مدنية. بينما محكمة العدل الدولية التي تنعقد كمحكمة اختصاص أصيل بالنظر في جريمة الإبادة الجماعية في غزة ستحاكم إسرائيل الدولة والكيان والجيش والمجتمع، وكل الدول والأنظمة والحكومات التي ساهمت وشاركت وتواطأت في استمرار جريمة الإبادة الجماعية على مدار الأشهر السابقة، وبالتأكيد أمريكا وألمانيا وفرنسا ومعظم الدول التي ساعدت الكيان بالسلاح، ومنهم بعض الدول العربية التي ساهمت بالحصار والسلاح مثل مصر، والتي شاركت بجريمة الإبادة الجماعية بتسهيل نقل باخرة أسلحة ومتفجرات سوف تكون متهمة كدولة شريك، وأيضا لحصارها غزة منذ 17 عاما حيث أن الحصار أدرج ضمن ملف جريمة الإبادة الجماعية لوقوعه ضمن تصنيف وتعريف جريمة الإبادة الجماعية. وأيضا السعودية التي سلمت وقود يستخدم للدبابات والطائرات التي تستخدم في جريمة الإبادة، والأردن والإمارات، وأيضا مصر التي كانت أراضيهم ممر بري وبحري وقاموا بتزويد الكيان بكل متطلبات الأكل والأدوية ومستلزمات المجتمع من خلال شركات وأفراد وبمباركة الحكومات. حيث حسب تعريف بنود ميثاق الأمم المتحدة لجريمة الإبادة بأنهم ساهم بتزويد كل ما يحتاجه مجتمع الكيان من توفير التسهيلات في استمرار جريمة الإبادة الجماعية، وكل هذا كان قد ساهم وساعد في استمرارية إرتكاب جريمة الإبادة الجماعية. وبالتالي حكم محكمة العدل الدولية بخصوص الإبادة الجماعية يؤسس لقواعد قانونية ملزمة، ستكون أرضية قوية لمحاكمات فرعية ضد الدول والحكومات المشاركة، وهذا سيفتح باب الحق العام لكل فرد متضرر، أو مَن يُمثله في الحق العام من أن يحاكم الدول والحكومات داخل قضائها الوطني، ويقاضي الحكومة والشركات والأفراد والمؤسسات التي ساهمت وشاركت وتواطأت في جريمة الإبادة الجماعية، وأولهم أمريكا ودول أوروبا ومصر والإمارات والسعودية وشركاتهم، وكل واحد مجد ومدح جريمة الإبادة الجماعية من وسائل إعلام سيصبح عرضة ملاحقات قضائية فعلية.
وبالتالي تعظيم وتضخيم مذكرة الجلب الدولية ضد نتنياهو وغالانت، هو ترويج وتسويق لخط أقل ضرر بكثير من خط محكمة العدل الدولية، وهو خط محاكمة الجنائية الدولية لنتنياهو وغالانت كأفراد مسؤولين عن ما يُحتمل أنها جرائم حرب (يعني حتى توصيفهم القانوني غير معترف بأنها جرائم حرب، وذلك لتخفيف وطأة الاتهام) وبالتالي يكونوا كبش فداء، وتخفيف من حدة اتهام إسرائيل، وأبعادها وإبعاد كل الدول الغربية والعربية التي ساهمت وشاركت وتواطأت في هذه الجريمة، وأيضاً إبعاد عن شبح تأسيس لحكم قضائي من محكمة العدل الدولية، بتأسيس أرضية قانونية لطلب تعويضات مالية يمكن أن تفلس من ورائها دول كثيرة.