
- الناس لم تعد تتحمل فساد وبطش الأسد، وهي تطمح لمجتمع متحابب غير طائفي وحكومة علمانية، وتحويل السجون إلى مدارس!
- إسرائيل تستغل الظروف غير العادية وتدمر الجيش السوري، وتصل إلى مشارف دمشق ما يطرح إشارات استفهام جدية
فرح حقيقي للخلاص من الظلم
ليس صحيحا أن الكثير من الناس غيروا جلودهم وباتوا مع النظام الجديد مجرد أن سقط نظام الأسد، خاصة أن النظام الجديد لم يظهر جوهره بعد، وما هو متوقع أن تكون توجهاته الرئيسية إسلامية، ولكنه يعد بالموضوعية، نعم ربما هناك قلة من الناس فعلوا ذلك للحفاظ على مكاسبهم السابقة، لكن غالبية الناس في الواقع عبَّرت عن فرحة حقيقية بالخلاص من حكم أسرة سيطرت على معظم موارد وشؤون البلد لأكثر من نصف قرن، وكثير من الناس كانوا طيلة هذه العقود خائفين من الانتقام في حال عبَّروا عن آرائهم، بدليل أن السجون ملأى بالمعتقلين السياسيين، ناهيك عن تصفية المنافسين والمناوئين والذين يختلفون بآرائهم عن مواقف السلطة الحاكمة، وقد عانيت شخصيا من مضايقات عديدة لا داعي لذكرها لأنها تبدو ضئيلة جدا امام ما تعرض له الآخرون الذين قضوا جل حياتهم في سجون الأسد، لكني مع ذلك جربت سجن المزة لفترة وجيزة، وعبر هذه التجربة كتبت الحلم في الزنزانة رقم سبعة، وأدنت الاعتقالات والتعذيب والسجون، ولم أسكت يوما عن ظلم أو فساد، والمنابر تشهد لي منذ عشرات السنين على ذلك حين كان معظم الآخرين صامتين، ومن حسن الحظ أن بعض هذه المواقف عبر القصائد مسجلة، وبعضها مصور صوت وصورة، من هنا أستغرب هذه الحملة التشويهية لدى بعض المعارضين المتشنجين الموتورين حقا، في حين معظم أصدقائي من المعارضين الواعين المثقفين يعرفون موقفي حق المعرفة، بل ويعبر بعضهم عن خشيته عليَّ لما كنت أطرحه بجرأة فوق المنابر… اللهم إلا إن كان تأييدي للمقاومة يعتبر مثلبا أحاسب عليه! وقد وصلت الأمور ذات يوم أواسط السبعينات إلى محاولة اغتيالي أمام الناس في مدرج جامعة دمشق، حيث قالت الأجهزة الأمنية حينها أن القوى “الدينية” هي التي قامت بذلك، ولكن لماذا تقوم بذلك وأنا مناهض للنظام الذي تعاديه، ولم أُسئ للدين في يوم من الأيام، ومعظم أهلي من المتدينين المعتدلين، وكنت وما زلت احترم الأديان، ولكني انتقد استغلال الدين لأغراض سياسية، من هنا يرى معظم المتابعين أن هذه الأجهزة بالذات هي التي كانت وراء عملية الاغتيال لأني كنت شديد الانتقاد للسلطات في قصائدي التي كنت أدين فيها الطغاة والجلادين، لكني لا أستطيع أن أؤكد أو أنفي من كان حقا وراء محاولة الاغتيال، وكنت مضطرا لتبني الفرضية الرسمية…
مفارقات وطموحات
باختصار الناس صبرت طويلا، وهي ترى بعينها الفساد الكبير الذي استشرى تحديدا لدى السلطة الحاكمة عموما ولدى أسرة الأسد على وجه الخصوص، والحديث يدور عن مئات ملايين الدولارات وحتى المليارات وعشرات الشركات والقصور، بل باتت كنية الأسد مفتاحا ككلمة السر للسيطرة على مؤسسات كاملة وفرض أتاوات غير معلنة، وتمرير المعاملات التي تكون صعبة على الآخرين، وسهلة على أي إنسان من بيت الأسد، وفي سوريا -كما سنرى في الجزء الثاني- حسب معظم الخبراء الاقتصاديين ما يكفي لأن يعيش فيها ضعف تعداد شعبها في بحبوحة حقيقية، وبمستوى معيشة أفضل من أوروبا، في الوقت الذي ازداد الشعب فقرا وبات يعتمد في حياته اليومية على بطاقات الإعاشة، طبعا ساهم الحصار في تعميق ذلك، من هنا كانت الفرحة كبيرة بالخلاص من هذا الحكم بقدر ما كانت المفارقة كبيرة في مستوى حياة الشعب البائسة وحياة آل الأسد فاحشة الثراء.
اسرائيل تسرق الفرحة
لم يكن الشعب قد استنفد احتفالاته وفرحه بحلول عصر جديد حتى جاءته عاصفة مدمرة نسفت نصف أحلامه ودفعته إلى تساؤلات عديدة بالغة الحساسية، فقد كانت الفصائل المسلحة مشغولة ببسط سيطرتها على المدن السورية وخاصة العاصمة، ويسجل لها وللجيش أن ذلك تم دون إراقة دماء، حتى قامت إسرائيل بعدوان هو الأوسع والأعنف في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي، حيث شنت مئات الغارات على جميع المرافق العسكرية بدءا من المطارات، وتدمير سلاح الجو والسلاح الصاروخي، وحتى الدبابات والمدرعات والأسطول البحري، بل والمراكز البحثية العلمية… طبعا من البديهي أن تستغل إسرائيل هذا الظرف حيث الجيش مُعطَّل تماما، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو: كيف يمكن أن يجري ذلك، حتى ضمن هذا الظرف الاستثنائي، فقد كان من المفترض أن تحصل تركيا وروسيا أيضا بما أن لديهما علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، على ضمانات بعدم استغلال إسرائيل لهذا الظرف الاستثنائي، وأغلب الظن أن إسرائيل حتى وإن وعدت بذلك فإنها لن تلتزم بوعدها إن سنحت لها تدمير جيش كامل تعتبره عدوا، وخلال ثلاثة أيام فقط، ما يذكر أيضا بوعود الناتو لغورباتشوف بعدم التمدد شرقا.
قطة بلا مخالب
يقول المثل الشعبي: أَسَدٌ عليَّ وفي الحروب نعامة فَتْخَاء تَنْفُرُ من صفير الصافرِ والمقصود بالفتخاء الصقر ذو الجناح المِطواع…إذن يمكن القول أن الأسد الذي لم يكن أسدا إلا على شعبه تحول إلى قطة مذعورة بفراره، وعدم بقائه في القصر الرئاسي لمواجهة الفصائل المسلحة، كما فعل الرئيس صدام حسين والرئيس معمر القذافي اللذين ظلا يقاومان إلى أن لم يعد لديهما ما يقاومان به، وكما فعل الرئيس سلفادور الليندي رئيس تشيلي مثلا في مواجهة الانقلاب المسلح الذي قام به بينوشي عام 1973، ولكن شتان بينهما فالرئيس الليندي وهو بالمناسبة طبيب أيضا لم تكن له تلك الامتيازات الهائلة التي لأسرة الأسد، لكن المؤلم والذي يفتح باب تساؤلات عديدة هو أن سوريا بعد تدمير كامل أسلحتها وقواعدها ومرتكزاتها العسكرية ومخازن أسلحتها وذخيرتها بأكثر من أربعمئة غارة تحولت أيضا إلى قطة أليفة بلا مخالب، وهذا من مصلحة إسرائيل طبعا، وهو لمصلحة القوى الأخرى غير السورية، فكيف سيتم تحرير الأراضي المحتلة إذن؟ بالقوس والرماح، أم بالمنجنيق؟ حال مؤسفة ومؤلمة جدا… ويُرجح أن يعني تدمير السلاح والذخائر السورية فيما يعنيه أن إعادة بناء الجيش وتسليحه سيكون انتقائيا متعدد المصادر، وبالدرجة الرئيسية من الولايات المتحدة والغرب، وبتعداد محدود، دون عسكرية إجبارية، وعلى الأرجح دون الاعتماد على الأسلحة الروسية بعد الآن!