
• نأمل أن يتخذ قادة المرحلة القادمة قرارات حكيمة، وعدم الاستئثار، واحترام جميع الأديان، وعدم تحويل سورية إلى أفغانستان ثانية
• العلم السوري ذو النجمتين الخضراوين ليس علم البعث بل علم الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا)
التساؤلات تكبر يوما بعد يوم مع الأمنيات بشأن الآفاق المحتملة، فالمثير حقا للدهشة – وأنا لا أبالغ – أن قرابة تسعين بالمئة من الشعب السوري رحب بالخلاص من حكم الأسد، ولكنَّ غالبية الشعب – وهذه حقيقة – تريد سلطة علمانية وحكومة تكنوقراطية مشكَّلة من مختلف القوى ومكونات الشعب السوري، ولا تريد أن تتحول سورية إلى أفغانستان ثانية، خاصة أن ذلك محفوف بمخاطر عديدة بما في ذلك الصدامات والحرب الأهلية، فهناك عشرات المجموعات المسلحة وغير المسلحة التي تشكل بمجموعها كينونة المعارضة، وهي وإن كان طابعها العام ذا صبغة إسلامية إلا أن الخلافات فيما بينها أسفرت سابقا حتى عن اصطدامات مسلحة دامية، والأمر في الجوهر، وإن طرأ عليه تغيير نوعي إبان توحد هذه الفصائل لإسقاط بشار الأسد، إلا أن معظم هذه الفصائل وخاصة المسلحة تعتبر أن من حقها أن يكون لها دور جدي في بنيان السلطة القادمة، وعدد هذه الفصائل والحركات بالعشرات ما يمكن أن يشكل مُعضلة حقيقية للمستقبل لا بد من إيجاد حلول لها منذ الفترة الأولى لتجاوز الاستئثار، فالسلطة يجب أن تكون لجميع فئات الشعب بعيدا عن الطغمة الحاكمة السابقة بالطبع، فهناك هيئة تحرير الشام وهي الأقوى عدة وعددا وكانت سابقا جزءا من القاعدة وحتى من داعش، ثم انفصلت عنها وتطورت بعد ممارسة العمل السياسي، ويبدو أن زعيمها أحمد الشرع ذكي ومهذب وله شخصية مميزة توحي بالطمأنينة الأمر الذي نأمل أن ينعكس على أرض الواقع ليؤكد الخلاص نهائيا من العقلية الداعشية، وهناك الجيش الحر المدعوم من تركيا، وعدد كبير من المجموعات المسلحة الأخرى بتسميات متنوعة ومشارب إسلامية متقاربة، وهناك الائتلاف الوطني المعارض الذي يترأسه حاليا هادي البحرة، وهو يضم فصائل وحركات ومجالس عديدة من أطياف الشعب السوري بما في ذلك الأخوان المسلمين، وهناك فصائل ومجموعات الجنوب السوري بما في ذلك في درعا والسويداء، والتي تعرضت لهجوم كبير من داعش عام 2018 ما يؤكد ضرورة استئصال الحس الطائفي نهائيا في التحضير للانتقال إلى تشكيل سلطات تمثل الجميع ودون تناحر، ومن هنا ركزْتُ على ضرورة الاستعانة بالتكنوقراط، ويجب ألا نغفل أن في سوريا أحزاب وطنية ويسارية عريقة عديدة لها حضورها في الشارع السوري ولا يجوز تهميشها.
وما أطرحه هنا مجرد أفكار آمل أن يتم استيعابها من الحرص على البلد، والابتعاد عن معزوفة الاتهامات والتشهير والشتائم، وسأكون سعيدا إن فتحت جوقة “الرداحين” عقولها وحكمت ضمائرها للكف عن هذا الأسلوب الاستعدائي الجاهل غير الموضوعي، “هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”، ولهذا لم أحظر أولئك الذين أساؤوا لي، وذكرت في الجزء الأول من المقال بعض ما تعرضت له من النظام السابق علهم يُحكِّمون ضمائرهم، ويتخلصون من الأحكام المسبقة المتجنية وغير المجدية، ولا أشك في أن بعض التعليقات رغم أنها ظالمة ولا تمثلني لكن أصحابها ينطلقون من ألمهم، ولكن نحن لسنا حبات رمل، ونسخ طبق الأصل، ويمكن أن يكون لكل منا رأيه لكنا في العام متفقون على موقف واحد، لكني شبه واثق أن بعض الشتّامين هم إما جهلة وإما من المنافقين الذين يظنون أن شتائمهم ومبالغاتهم ستجعل السلطات الجديدة تُفضِّلهم عن غيرهم، والمريح أنهم قلة، وهم كأنهم لم يتخرجوا من الجامعات بل من “التواليتات” للأسف…
هل هناك آفاق إيجابية
نعم ولكن على ما أعتقد سيتحقق ذلك إن نُفذت خطوات عملية بالغة الأهمية تبدأ بتكريس حكم علماني يحترم جميع الأديان كما ذكرنا، ولا يفرض تطلعات فئة محددة على الشعب كله، وأن يصون حرية التعبير والحرية الفردية، فقد وصلت الأمور في ليبيا إلى فرض الحجاب على النساءّ، وأن لا يسمح ببقاء أي رئيس أكثر من فترتين رئاسيتين، وأن يصدر قانون يحرم “عبادة الفرد” ونشر صور الرئيس القادم في كل مكان، وعدم الاعتماد على الأقارب في توزيع المسؤوليات، والتصرف بموضوعية في الاستفادة من موارد البلد وخاصة الطاقة، والحقيقة أن الناتج المحلي انخفض بشكل مريع خلال الأزمة بنسبة 85% منذ عام 2011 وحتى 2023 ، وتسيطر قسد عمليا برعاية الأمريكان على أهم وأكبر حقول النفط السورية، وقد أعلن ترامب علنا وبوضوح أنه ينوي الاستفادة من النفط السوري لتغطية نفقات قواته هناك… ومن دعاك إلى هناك؟ لكن الأمر الذي لا بد من التنبه إليه وطرحه بقوة هو أن عائدات النفط لم تكن تدخل إلى الميزانية، أو فلنقل أن قسما كبيرا منها لم يكن يدخل الميزانية قبل الأحداث، وهناك معطيات موثوقة تؤكد أن آل الأسد كان لهم حصة كبيرة من النفط السوري يقدرها البعض ب 65% مع شركة هولندية يشرف على أعمالها محمد مخلوف خال الرئيس الفار بشار الأسد، ناهيك عن سحب عقود من شركات أجنبية وتوقيع عقود بديلة مع شركة بترو كندا لأن رامي مخلوف وكيلها الحصري، ويقال أن محمد مخلوف شكل واقعيا امبراطورية خاصة به بحيث يفرض نسبا مئوية على الصفقات التي تعقد… وتاريخ رفعت الأسد مشهور في فرض أتاوات على التجار بمبالغ ضخمة، ناهيك عن السرقات…
معطيات مشجعة
مع إنهاء هذا الوضع الشاذ في سيطرة قوى مختلفة على الموارد السورية يمكن أن يتفاءل الناس، ولكن إن تبع ذلك تحرير جميع حقول النفط والغاز التي يمكن لعائداتها وحدها أن تساعد في رفع مستوى المعيشة إلى حد كبير، وربما يكون فيما نشره الخبير الاقتصادي جيفري ساكس في الصحيفة الأمريكية وول ستريت جورنال مبالغة نوعا ما، لكننا إن خفَّضنا هذه المعطيات المتفائلة حتى إلى النصف ستبقى المفارقة كبيرة بين ما نحن عليه، وما يمكن أن نحققه بقدراتنا الذاتية إن تحققت الشروط الأخرى ومن أهم هذه المعطيات:
1- أن سوريا بما تحتويه من موارد تكفي ل 80 مليون نسمة بمستوى دخل يوازي دخل الفرد في هولندا وبلجيكا
2- حقول الغاز والنفط في الحسكة ودير الزور ورميلان وحمص تستطيع أن تغطي أضعاف احتياجات سوريا، وتفرز كميات كبيرة للتصدير وترفع دخل المواطن السوري إلى مستوى دخل المواطن الأوروبي
3- وأن ثلثي آثار العالم موجودة في سوريا ما يجعلها بلدا سياحيا من الطراز الأول، ووجود جبال من الرخام والغرانيت الأجود عالميا، وكذلك الفوسفات والسيلكون، وأن سورية رابع دولة في انتاج القطن، والثالثة بزراعة القمح القاسي الأجود عالميا، والثانية في انتاج الزيتون وزيت الزيتون، ناهيك عن مناجم الفحم الحجري والذهب، عدا عن موقعها الاستراتيجي كحلقة بين الشرق والغرب، زد على كل ذلك أن في سوريا خزانا بشريا من الشباب حيث 70% من الشعب السوري دون سن 30 عاما… طبعا إن تمكنا من توحيد الأراضي السورية وعاد الجميع أو معظمهم إلى الوطن، وهذا ممكن إن تحسنت الأوضاع وشعروا أن لديهم عملا يقتاتون منه، لا أن يكونوا عالة على أهلهم نتيجة البطالة.
4- بقي أن أقول أن كل ذلك لم يظهر فجأة، بل هو موجود في سوريا قبل الأحداث أيضا، ونحن لا نريد مجافاة الحقيقة، ولا أن نُزيَّف الواقع فسوريا كانت مكتفية ذاتيا، ولم يكن عليها ديون خارجية رغم الفساد والسرقات والتعسف وسلب الكثير من المقدرات الاقتصادية ، ونحن نتحدث عن إمكانية القفز إلى مرتبة لم يشهدها المواطن من قبل إن تحقق الاستقرار والخلاص نهائيا من رهاب السلطة، والثقة بأن القادم أفضل، ويثير القلق حقا انتشار أخبار عن بعض مظاهر التدخل بالحياة الفردية بما في ذلك طرح ضرورة الحجاب أحيانا في الشوارع على النساء السافرات وأن المرأة مكانها المطبخ!!!، ويخشى الناس إن تكرست حكومة دينية متشددة أن يظهر “المطاوعون” بعد حين في شوارع دمشق، وربما يتم تشكيل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي ألغتها السعودية، طبعا آمل من كل قلبي أن يكون كل ذلك مجرد إشاعات!…
5- الناس تتعلق بالوعود بعد فرحة الخلاص من أمثر من نصف قرن من تسلط أسرة واحدة أملا بأن تتحول الأقوال إلى أفعال وواقع، عندها ستتدفق الناس لبناء وطن جديد حر متحابب، والشعب السوري لا يمكن أن يتقبل الطائفية، لذا أتمنى على الجميع أن يفتحوا عقولهم للاستيعاب وحل المهام الصعبة، وعلى البعض أن يكفوا عن فتح أفواههم للسباب والشتائم والاتهامات والتخوين! أصافحكم بحرارة