تقارير - ماتريوشكا

الثعلب اليهودي الصهيوني الساحر هنري كيسنجر: كرّس عبقريته لهزيمة العرب والسوفييت وخدمة “الكيان”! (الجزء الثاني)

ماتريوشكا نيوز

كيسنجر لبيغن: إنني أسلمك أمة نائمة، أمة تنام ولكن مشكلتها أنها لا تموت، استثمر نومها فإنها إن استيقظت أعادت خلال سنوات ما أُخذ منها في قرون. سعى كيسنجر إلى إلغاء مفاعيل عبور قناة السويس وقلب المعطيات لمصلحة إسرائيل.  من غير المقبول أن تتعرض إسرائيل للهزيمة، حتى وإن أدى ذلك لتدخل أميركي، كما يجب منع العرب بأي حال من تحقيق انتصار مؤثر، خصوصا بسلاح سوفياتي، حيث يجب ألا يظهر الاتحاد السوفياتي باعتباره المنقذ الوحيد للعرب وصانع انتصاراتهم. ينبغي تفكيك صورة النصر العربي الذي تحقق في بداية الحرب بهزيمة أخرى تفتح المجال لتسويات سلمية تكون بإشراف أميركي كامل. لاعب الاتحاد السوفياتي في تحديد موعد جلسة منتظرة لمجلس الأمن، وأخذ ما يشبه تفويضاً من الرئيس أنور السادات للاستئثار بالأزمة. وكان يريد فقط انتصارا إسرائيليا يجعله يفرض الحل الذي يريده، حيث يقول: “ذهبنا لننام مساء اليوم الثالث من الحرب آملين أن تنتهي كسابقتها، حرب الأيام الستة لعام 1967”.

أكثر من عام على وفاة الداهية اليهودي الصهيوني الألماني “هينز ألفرد كيسنجر” المعروف باسم هنري كيسنجر، يوم الأربعاء 29/11/2023، عن عمر ناهز المائة عام ويزيد، والمولود في 27/5/1923 في مدينة فورت بإقليم بافاريا الألماني.. لكن إرثه الغني بالمكر والكذب والخداع والإخلاص المنقطع النظير لمصلحة “الكيان” الإجرامي ما زال قائماً، ويفرض نفسه بقوة على السياسة الخارجية للبيت الابيض بشتى ساكنيه، بل وعلى عموم عواصم الغرب الاستعماري. هذا الإرث الذي يُفترض تسليط الأضواء على أبرز ما أحتواه من دروس وعبر للعرب والمسلمين ولروسيا والصين ولكافة شعوب الأرض، حيث أن بصماتها القاتمة طالت الجميع ولم تستثني أحداً، ولا تزال حتى يومنا هذا.

ما زالت الأُمّة العربية والإسلامية في سبات عميق

بعد نجاحه في تفريغ مفاعيل حرب تشرين أول/أكتوبر 1973 من محتواها، والحيلولة دون استثمارها كما يجب واحتواء مصر وإخراجها من معادلة الصراع مع “الكيان” الإجرامي.. نُقل عن اليهودي الصهيوني كيسنجر قوله للسفاح جزّار دير ياسين مناحيم بيغن الذي كان يرأس حينها ذلك “الكيان” قولُه: “إنني أسلمك أمة نائمة، أمة تنام ولكن مشكلتها أنها لا تموت، استثمر نومها، فإنها إن استيقظت أعادت خلال سنوات ما أُخذ منها في قرون”. وهو ما يعكس تأصل عداء واستهداف الغرب الاستعماري للأمة العربية والإسلامية برمّتها، ولا يتقصر على فلسطين وشعبها فقط. وهو ما يُعطي بعداً إضافياً لمشروع هذا الغرب المتوحش القتالي العدواني التوسّعي المتجسّد في فلسطين التاريخية، أبعد وأعمق وأكثر من مجرد نهب النفط والثروات والخيرات الوفيرة في مساحة هذه الأمة العربية والإسلامية.

وفي هذا السياق، نُسب إلى الرئيس الأمريكي نيكسون القول: “إن دورنا المنوط بنا هو تأخير خروج المارد الإسلامي من قُمقمه”. ونُقِل عن أحد وزراء خارجية فرنسا السابقين قوله: رغم انتصارنا على أمة الإسلام، إلّا أن الخطر لا يزال ماثلاً من انتفاض المقهورين الذين أتعبتهم النكبات التي أنزلناها بهم، لإن همّتهم لم تخمد بعد”… وقد دفع هذا الخوف الهوسي المَرَضي الغربي على ذاته وعلى مشروعه “الكيان” الإجرامي، وخصوصاً بعد التكلفة المادية والبشرية الباهظة له في أفغانستان والعراق، إلى ابتكار تكيكات جديدة لذات الاستراتيجية، وهو ما رسمه كيسنجر بقوله: “إن عدوّنا الرئيس هو الراديكالية الناشطة في الإسلام التي تُريد قلب المجتمعات الإسلامية المعتدلة”، وما ترجمه بمنتهى الدقة والوضوح رئيس  أفصح عنه رئيس وكالة االمخابرات الأمريكية – سي أي إيه – الأسبق “جيمس وولسي” عام 2006 بقوله: “سنصنع لهم إسلاماً يُناسبنا، ثم نجعلهم يقومون بالثورات، ثمّ نقسّمهم لنعرات تعصّبية، ومن بعدها نحن قادمون للزحف، وسوف ننتصر”.. وهو ما تجسّد عملياً في “داعش” ومثيلاتها، واستغلال الحاجات المطلبية المُحقّة لشعوب الأمة في ما يُسمّى ثورات “الربيع العربي”، ثمّ إجهاض هذه الثورات الشعبية وإفراغها من محتواها التحرّري المنشود.. ويبدو أن ما تححق لهم من نجاحات تكتيكية مؤقّتة لأسباب عديدة تحتاج لدراسات موضوعية عميقة ـ ليس هنا مكانها ـ قد فتح شهيّة الغرب الاستعماري وكيانه المصطنع للمضي قُدماً نحو الإجهاز الكامل ليس فقط على الأمة العربية والإسلامية فحسب، وإنّما على كافة القوى الصاعدة التي يعتقدونها منافساً لهم ومعيقاُ لمخططاتهم الشيطانية على امتداد مساحة الكرة الأرضية، وخصوصاً في المشرق الحضاري، فكانت مؤامرة أوكرانيا ضد روسيا الصاعدة، وكانت ورقة تايوان ضد الصين، وكانت سيانايوهات التآمر في أمريكا الجنوبية وفي القارة الإفريقية بشتى تعبيراتها وتفاصيلها.. وهو ما أدركته مؤخراً كافة القوى المستهدفة، لكنّها لم تُترجم كما ينبغي هذا الإدراك إلى مواجهة عملية استراتيجية وتكتيكية موحّدة بعد، وهذا مبحث آخر .

مهمة إنقاذ إسرائيل

كانت المراحل الأولى من حرب رمضان “الغفران” 1973 قد اندلعت فعلاً، عندما بدأ كيسنجر يجري اتصالاته مع الأطراف ذات الصلة، من مقر إقامته بفندق وولدوف أستوريا. وقد فوجئ بحجم الإنجازات التي حققها الجيشان المصري والسوري في الساعات الأولى للحرب، واختراق خطي “بارليف” على الجبهة المصرية و”آلون” على الجبهة السورية، وبحجم الانهيار الذي كانت تشهده إسرائيل في تلك الساعات، وفق مذكراته. وقرر الدبلوماسي العتيد أن يُمسك بكل مفاتيح اللعب، فاتصل بوزير الخارجية المصري محمد حسن الزيات معرباً له عن تقديراته بأن القتال إذا تواصل فسيؤدي إلى هجوم إسرائيلي مضاد قد يؤدي إلى احتلال إسرائيل لأراض جديدة، مقترحاً العودة إلى خطوط القتال الأولى (قبل العبور)، وهو ما وصفه الزيات بأنه “جنون وحمق” (مذكرات هنري كيسنجر، الجزء الثاني، ترجمة عاطف أحمد عمران ص 475). وكان هدفه هو إنقاذ إسرائيل في تلك اللحظة الحرجة، ومساعدتها على استعادة زمام الأمور، وتعديل الموازين العسكرية، ووقف أي محاولة لانعقاد جلسة لمجلس الأمن لإقرار إيقاف ووقف النار، قبل إتمام إسرائيل التعبئة وبدء الهجوم الإسرائيلي المضاد، ثم ضمان تدفق السلاح النوعي بشكل عاجل إلى إسرائيل، بينها دبابات “إم 60” وصواريخ سايدوندر الحرارية، وقد هاله أن تفقد إسرائيل 500 دبابة و49 طائرة خلال ساعات. يقول كيسنجر في مذكراته ص 470 “كان علينا كسب الوقت. ومع تقديرنا أن المستقبل إلى جانبنا، فإن الخيارات الأميركية متعددة ولكن بعد أن تكون إسرائيل قد أتمت تعبئتها”، ويضيف أيضاً “أوعزتُ إلى ممثلنا في الأمم المتحدة.. لا مجال لإعطاء مجلس الأمن رأياً أو عقد جلسة أو استخدام حق الفيتو” (ص 473)، وكانت غولدا مائير قد طلبت تأجيل انعقاد مجلس الأمن إلى الأربعاء العاشر من أكتوبر/تشرين الأول أو الخميس 11 أكتوبر/تشرين الأول، أي بعد تغيير الموازين العسكرية. وكان كيسنجر يخمن “أنه خلال يوم أو يومين ستقوم إسرائيل بهجومها المضاد وتقلب الموازين، ويصبح العرب على شفا كارثة”، وأقنع الرئيس نيكسون ووزير الدفاع جيمس شليزنجر بإقامة جسر جوي لإمداد إسرائيل بالسلاح، فبدأت طائرات العال (الخطوط الإسرائيلية) المنزوعة الشعار الأميركية، تحط في قاعدة فيرجينيا الجوية لتحميل السلاح إلى إسرائيل. وحسب مذكراته، فقد كان من غير المقبول أن تتعرض إسرائيل للهزيمة، حتى وإن أدى ذلك لتدخل أميركي، كما يجب منع العرب بأي حال من تحقيق انتصار مؤثر، خصوصا بسلاح سوفياتي، حيث يجب ألا يظهر الاتحاد السوفياتي باعتباره المنقذ الوحيد للعرب وصانع انتصاراتهم. كما يرى أنه ينبغي تفكيك صورة النصر العربي الذي تحقق في بداية الحرب (العبور) بهزيمة أخرى تفتح المجال لتسويات سلمية تكون بإشراف أميركي كامل، وقد بدأ يستشعرها في رسالة وصفها بالغريبة وصلته من مصر في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عبر القناة السرية الموازية (رغم أنه أصبح وزيرا للخارجية) عبر حافظ إسماعيل مستشار الرئيس أنور السادات للأمن القومي. يقول كيسنجر في مذكراته (ص474) إنه توقف أمام عبارة “إننا لا نعتزم تعميق مدى الاشتباكات وتوسيع مدى المواجهة”، مشيرا إلى أن تلك الجملة “لا تخلو من تنويه إلى أن مصر غير راغبة في متابعة الأعمال العسكرية ضد إسرائيل أو تحميل الولايات المتحدة المسؤولية عما يحدث”، وكانت وفق رأيه دعوة للولايات المتحدة وله شخصيا للإسهام في مشروع السلام ولعب دور الوسيط. وبهذا بدأت مفاتيح الحرب والسلام كلها تتجمع في يدي كيسنجر، فقد فسح المجال سياسياً وعسكرياً لإسرائيل كي تأخذ زمام المبادرة عبر جسر جوي هائل ومستمر، ولاعب الاتحاد السوفياتي في تحديد موعد جلسة منتظرة لمجلس الأمن، وأخذ ما يشبه تفويضاً من الرئيس أنور السادات للاستئثار بالأزمة. وكان يريد فقط انتصارا إسرائيليا يجعله يفرض الحل الذي يريده، حيث يقول: “ذهبنا لننام مساء اليوم الثالث من الحرب آملين أن تنتهي كسابقتها، حرب الأيام الستة لعام 1967”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى