صحافة وآراء

توقيع معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وطهران  حدث نوعي بالغ الأهمية

د. أيمن أبو الشعر

تطوير شامل للتعاون في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية بما في ذلك إجراء مناورات عسكرية مشتركة وبناء مفاعلات ذرية جديدة
تم في موسكو أخيرا توقيع معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين إيران والاتحاد الروسي، في ظروف إقليمية ودولية نوعية وحساسة، وتعكس هذه الاتفاقية واقعيا مدى ارتقاء العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات وخاصة العسكرية والاقتصادية والسياسية، وقد وقع هذه المعاهدة كل من الرئيس فلاديمير بوتن والإيراني مسعود بزشكيان، ونشرت على موقع الكرملين نتناول هنا أهم محاورها.
-في المجال العسكري 
جاء في نص المعاهدة أن الطرفين الروسي والإيراني يؤكدان التزامهما بتطوير التعاون العسكري التقني بين البلدين في إطار معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، وذلك على أساس الاتفاقيات ذات الصلة بين الطرفين بمراعاة المصالح المتبادلة والتزاماتهما الدولية، كما أن موسكو وطهران تعتبران مثل هذا التعاون عنصرا مهما في الحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي.
زد على ذلك اتفق الطرفان على التعاون الوثيق في إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين حين وآخر، وأن يتم ذلك على أراضي الطرفين وخارجها بالتوافق على الظروف المناسبة مع مراعاة قواعد القانون الدولي المعمول بها. لكن الملفت للنظر في هذه المعاهدة أنها لا تشير بوضوح إلى الدفاع المشترك بتدخل عسكري مباشر من أحد الطرفين إن تعرض الطرف الآخر إلى عدوان، بل إلى صيغة أخرى وهي أنه لا يحق لأي طرف تقديم المساعدة للمعتدي، وعدم السماح باستخدام أراضي كل منهما للقيام بأفعال تهدد الجانب الآخر،  أو أية تسهيلات تساعد على استمرار العدوان، بل يساعد في حل الخلافات التي يمكن أن تنشأ وفق ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية المعمول بها في حال تعرض أحد الطرفين المتعاقدين للاعتداء الخارجي، وترى بعض الآراء أن هذه الصياغة تجعل موضوع التعاون الأمني الواقعي تحت إشارة استفهام، وذلك كونها تأتي في وقت تتكاثر فيه الأحاديث حول احتمال تنفيذ إسرائيل تهديدها بقصف الطاقة النووية في إيران.
كما ركزت المعاهدة الجديدة على زيادة التعاون بين البلدين في المجال الاستخباراتي والأمني، وذلك لتعزيز الأمن الوطني لكلا البلدين ومواجهة التهديدات المشتركة، من خلال تبادل المعلومات والخبرات بينهما والإسهام المشترك في تعزيز السلام في منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط.
-في المجالات الاقتصادية
تشير الوثيقة الجديدة إلى تطوير التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارة والاستثمارات المشتركة بما في ذلك في بلدان ثالثة، وتهدف إلى تعميق التنمية المستدامة المستقرة في البلدين ومجمل المنطقة وخاصة الأوراسية، ناهيك عن توسيع التعاون في مجال النقل من خلال تطوير الممر الدولي شمال – جنوب وانتقال الطرفين إلى استخدام العملات الوطنية في تسوية المعاملات الجدير بالذكر أن التبادلات التجارية ازدادت بنسبة 15،5% بين البلدين.
ومع ذلك يحتل التعاون في مجال الطاقة الحيز الأكبر في إطار تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين حيث يجري الحديث عن بناء وحدتين جديدتين لمحطة بوشهر النووية ما يسهم حسب بوتن بتعزيز أمن الطاقة عموما في إيران، وزيادة حجم إمدادات الغاز إلى إيران ليصل إلى 55 مليار متر مكعب سنويا رغم أنها ستبدأ بأحجام صغيرة لا تتعدى 2 مليار متر مكعب، هذا ناهيك عن تنشيط وتطوير المجالات التجارية الأخرى والاستثمارات في مختلف المجالات المتاحة.
الجدير بالذكر أن روسيا تساهم جديا في إعداد الكوادر المؤهلة للجانب الإيراني حيث يدرس في الجامعات والمعاهد الروسية قرابة تسعة آلاف طالب إيراني.
-في إطار السياسة والشؤون الإنسانية
تلحظ المعاهدة الجديدة تطوير التعاون في الشؤون السياسية وخاصة على المسرح الدولي، فقد أكد الرئيس الروسي أن موسكو وطهران تنتهجان مسارا مستقلا في الساحة الدولية، وتقاومان الضغوط الخارجية والعقوبات غير المشروعة التي تنطلق من دوافع سياسية، وأن البلدين يدافعان عن مبدأ سيادة القانون الدولي وسيادة الدول والحيلولة دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويرفضان الإملاءات الخارجية، كما أكد الرئيس بزشكيان أن التعاون بين الطرفين يجري دون تأثير خارجي، ومن غير لاعبين من خارج المنطقة، وأنهما ليسا بحاجة إلى نصائح الدول الخارجية في إشارة واضحة إلى الدول الغربية، وأن مواقف روسيا وإيران تتطابق بشأن غالبية القضايا الخارجية، بما في ذلك شؤون الشرق الأوسط حيث ستساعد اتفاقية الشراكة الاستراتيجية هذه في تسوية النزاع في الشرق الأوسط، وقد عبر الرئيس الروسي عن أمله في أن يساعد الاتفاق بين إسرائيل وحماس على استقرار الوضع، كما أكد الرئيسان أن العلاقات الروسية الإيرانية مبنية على مبادئ المساواة والمساعدة المتبادلة، وأكد الرئيس بزشكيان بأن روسيا تلعب دورا كبيرا في السياسة الخارجية الإيرانية، ومن أولوياتها الحفاظ على حسن الجوار.
وكان بديهيا أن يتم التركيز على الجانب الإعلامي الذي يعتبر ذا تأثير حاسم في عصر انتشار عدد هائل من وسائل الإعلام في العالم، وقسم كبير منها مسيس ويخدم أجندات محددة، حيث أشارت المعاهدة إلى أن الطرفين اتفاق على تعزيز تعاون وسائل الإعلام في البلدين لمواجهة التضليل الإعلامي والدعاية السلبية المعادية، وجاء في نص المعاهدة أن على الطرفين المتعاقدين التأكد من ان وسائل إعلامهما تنفذ تعاونا واسع النطاق لرفع مستوى الوعي لدى الناس في البلدين ، ومحاربة نشر المعلومات الخاطئة التي لها تأثيرها وأهميتها الاجتماعية والتي يمكن أن تشكل تهديدا للمصالح الوطنية والأمنية لكل من الطرفين.
وقد بدأ الإعلام الغربي يعبر عن القلق إزاء توقيع هذه المعاهدة حيث أشارت شبكة سكاي نيوز أن توقيع هذه المعاهدة جاء قبل يومين من تنصيب ترامب من قبل اثنين من خصوم الغرب الرئيسيين، وأن الرئيس بوتين يحاول إظهار أن العالم يتغير وأن النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة ينهار، هذا رغم أن موسكو أكدت على لسان وزير خارجيتها لافروف أن هذه الاتفاقية ليست موجهة ضد أحد.
نشير أخيرا إلى أن العمل على إعداد هذه الاتفاقية بدأ عمليا منذ عام 2022 وتهدف هذه الوثيقة إلى استبدال الاتفاقية الحالية حول أسس العلاقات ومبادئ التعاون بين روسيا وإيران، والتي تم توقيعها في عام 2001 ، وقد أنجزت الوثيقة الجديدة في صيغتها المبدئية الأساسية صيف العام الفائت ثم وقعت في موسكو بصيغتها النهائية يوم الجمعة في 17 من يناير 2025 ، ويشير نص المعاهدة إلى أنها تعمل لمدة عشرين عاما قابلة للتمديد لفترات لاحقة كل خمس سنوات، وتخضع هذه الوثيقة للتصديق في البلدين وتعتبر سارية المفعول بعد 30 يوما على آخر إخطار كتابي باستكمالها.

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى