
من عاداتنا الشعبية أن نزور أيام العيد أضرحة الأقارب والأصدقاء الذين رحلوا عنا خاصة إن كان رحيلهم منذ أمد قصير وبشكل فاجع ، كتأكيد على أننا نحافظ على ذكراهم العطرة، ونتمنى السلام لأرواحهم، من هنا أقدم هذه الأغنية الرثائية لجميع ضحايا أحداث الساحل الدامية الوجيعة، وهي تهدف إلى النهوض فوق الجراح ورأب الصدع للحفاظ على الوطن موحدا، ومحاولة السير به نحو شمس لا تغيب.
رسالة طويلة لكنها ضرورية في ظروفنا العصيبة …وقد تكون رسالتي الأخيرة قبل إجازة الصمت! وهي رسالة عقلانية قبل كل شيء لأنني لا أستطيع أن أتحدث عن مشاعري القلبية فالقلب دامٍ وغارق في حزن جليل.
أولا: باختصار شديد أنا اعتبر الهجوم الذي قام به بعض عسكريي النظام البائد على الأمن العام في الساحل السوري مغامرة غبية فاشلة منذ انطلاقتها، فقد كان هناك قبل ذلك جيش “عرمرم” لم يحرك ساكنا أثناء تساقط المدن الواحدة تلو الأخرى، وحسنا فعل لصون الدماء، ففيم هذا الهجوم الغبي الذي لن يحرز شيئا، وهناك مثل شعبي بالغ الدلالة مفاده أنه من السذاجة والإدعاء الأجوف أن تلوح بقبضتك متحديا بعد أن خسرت العراك!
ثانيا: ردة الفعل في إطار الانتقام من المدنيين الذين لا ذنب لهم ولا جريرة يدل على وحشية مذهلة، وخاصة أن القتل بالمئات طال الأطفال والنساء والعجائز، وحتى الشباب كانوا من المدنيين المسالمين العزل! ولهذا كانت المأساة مضاعفة، وتركت جروحا عميقة في الروح تحتاج إلى جهود جبارة لرأب تصدعاتها!
ثالثا: أن السلطة الجديدة انتصرت على النظام البائد القمعي الذي عانى منه الشعب كثيرا، وقد ولّى وقرصانه بغير رجعة، والسلطة الجديدة انتصرت على بشار الهارب وليس على الشعب السوري، ولا يجوز أن تعامل الشعب وكأنه المهزوم، وتفرض عليه رؤيتها وسلوكها، وحتى نمط حياة عناصر فصائلها وفق المقولة التي انتشرت لتبرر: “من يُحرر يُقرر!” هذا الأمر سيكرس الشرخ يوما بعد يوم… خاصة أن هناك عشرات الآلاف من الجهاديين الأجانب والذين شارك بعضهم بمجزرة الساحل وكانوا الأكثر بطشا وفتكا وقسوة…
يا سوريا
1- توالدت كلمات هذه الأغنية إبان أحداث الساحل السوري الدامية، وكنت سابقا عندما أسمع أغنية يا ماريا لفيروز أتخيل ماريا تمثل سوريا كشابة فتية تمشي على شاطئ البحر، ويقع البحارة في حبها، وهي تحب الجميع… والحقيقة هناك حكاية شعبية لها مدلولها العميق في هذا المجال، فالتراث اللاذقاني يقول أن قبطانا تونسياً اسمه “حمادة بن إبراهيم” كان أثناء جولاته في البحار يرسو في ميناء اللاذقية بين حين وآخر، ويقوم بأداء ركعتين حمدا لله على السلامة بالوصول وعلى نية السلامة في الانطلاق، وكان يصلي في موضع قريب من الميناء وبالقرب منه بيت ماريا المسيحية التي كانت تراقب “الريس” حمادة الذي لفت نظرها، وأعجب هو بها، وذات حين حدثته قائلة لماذا لا تبني مسجدا يحمل اسمك هناك تحديدا حيث تصلي… أعجب القبطان التونسي بالفكرة وبنى جامعه مكان جامع قديم هناك يحمل اسم “مسجد الإسكلة” عام 1748 حسب وثائق الأوقاف الإسلامية، وأطلق اسم ماريا على سفينته! ويحمل المسجد حتى اليوم بين أسمائه اسم مسجد حمودة التونسي… ويرى آخرون أن منشأ الأغنية مصري وحتى لو كأن كذلك فهي من الرموز الحية للانفتاح الحضاري لدى سكان السواحل عموما على جميع الأديان منذ قرون…
2- بعد أن وقعت الأحداث الدامية بت أتخيل سوريا قد تقمصت ماريا، وهي تطوف الشاطئ دامية العينين تندب جميع ضحايا تلك الأحداث، وحاولت أن أحافظ على إيقاع الأغنية ذاتها من ألحان سيد درويش، وأن استنهض تلك المعاني التي جسدتها ماريا – سوريا الحضارية التي تحب جميع أبنائها.
3- وأنا بهذا العمل أدعو في المقطع الأخير إلى تكريس وحدة الشعب وتألق الإنسان السوري، وألا نسمح لأحد بعد الآن أن يحول الفرحة بسقوط الطاغية إلى مأتم… السلام لأرواح الشهداء جميعا ولذكراهم الوفاء!

شكرا للمبدعَين المطربة ريم زيدان، والفنان وليم حسن على أدائهما المميز والتقنييَن الفنانين أيضا طلال أبو شعر وسليمان رسوق على مساهمتهم جميعا في إنجاح العمل.




أخيرا هي مجرد مساهمة صغيرة على مبدأ “خير لنا أن نشعل شمعة من أن نلعن الظلام ألف مرة”