خاص - ماتريوشكا نيوز

عندما يتحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة إبادة

ماتريوشكا نيوز - بيروت

في الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو تعظيم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لأغراض التنمية البشرية، وتحسين جودة الحياة، يبرز الوجه الآخر لهذا التقدّم التكنولوجي حين يُستخدم كأداة استعمارية حديثة، تعزز أدوات السيطرة والقتل المنهجي. وقد شكّل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة نموذجًا واضحًا على هذا الاستخدام العدواني للتقنية، حيث تمّ توظيف تقنيات متقدمة من الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك نموذج GPT-4 من شركة OpenAI، عبر خدمات توفرها شركات كبرى مثل مايكروسوفت.

تكشف هذه المعطيات عن مرحلة جديدة من المواجهة، لا تُدار فقط في ميادين القتال التقليدية، بل تتسع لتشمل ساحات التكنولوجيا والمعرفة الرقمية، وهو ما يفرض على قوى المقاومة تطوير أدوات فهم ومجابهة جديدة، لا تقتصر على التسلح العسكري، بل تمتد إلى الوعي التقني والسيادي.

استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب على غزة

في تقرير نشره مركز “مدار” للدراسات الإسرائيلية، تم تسليط الضوء على توظيف شركة “مايكروسوفت” لنموذج GPT-4 في إطار تعاونها مع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وتحديدًا ضمن مشروع الحوسبة السحابية المعروف باسم “نيمبوس” (Project Nimbus). هذا المشروع، الذي تشارك فيه أيضًا شركتا “غوغل” و”أمازون”، يهدف إلى تقديم خدمات تحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي لصالح الوزارات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك “وحدة 8200″، وهي وحدة الاستخبارات التقنية في الجيش الإسرائيلي.

ووفقًا للتقارير، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي هذه لم تُستخدم لأغراض إدارة المعلومات فقط، بل لعبت دورًا محوريًا في بناء ما يُعرف بـ “بنك الأهداف”، عبر تحليل البيانات السكانية والبشرية والبنى التحتية في قطاع غزة، وتحديد الأهداف المحتملة للاستهداف، من خلال أدوات تحليل متقدمة تقلص من الحاجة للاجتهاد البشري، وتزيد من سرعة تنفيذ عمليات القصف.

هذا الاستخدام يُعدّ تحولًا نوعيًا في طبيعة الصراع، إذ تدخل التقنيات الذكية كعامل تسليحي أساسي، يُستخدم ضد المدنيين في واحدة من أكثر المناطق اكتظاظًا سكانيًا في العالم، ضمن سياق يوصف بحق بأنه “حرب إبادة”، بحسب ما وثقته منظمات حقوقية دولية.

التكنولوجيا ليست محايدة

م لا يمكن فصل هذا النوع من الاستخدامات التكنولوجية عن المنظومة الاستعمارية التي تقوم عليها إسرائيل. فالذكاء الاصطناعي هنا لا يُستخدم لغايات إنسانية أو علمية، بل يُوظف لإدارة مشروع استيطاني إحلالي، يستند إلى نزع الإنسانية عن الطرف الآخر. وعليه، فإن تحميل الذكاء الاصطناعي بالتحيّزات السياسية والعسكرية لم يكن مجرد “أثر جانبي”، بل كان مقصودًا ومنهجيًا.

هذه الرؤية تعكس قناعة عميقة في أوساط المقاومة بأن المعركة لم تعد محصورة بالبندقية والصاروخ، بل صارت معركة وعي، وسيادة معرفية، ومواجهة استعمار رقمي يُعيد إنتاج المنظومة ذاتها بأدوات أكثر تعقيدًا وخطورة.

أخلاقيات التكنولوجيا ومحاسبة الشركات

ما يثير القلق الأخلاقي في هذا السياق هو الدور الذي تلعبه شركات التكنولوجيا العالمية، والتي تدّعي الحياد والالتزام بالقيم الإنسانية، لكنها تنخرط فعليًا في دعم أنظمة الاحتلال والقمع. ويأتي اعتراف مايكروسوفت بأنها قدّمت تقنيات GPT-4 في إطار التعاون مع الجيش الإسرائيلي ليطرح تساؤلات جوهرية حول مسؤولية هذه الشركات، ومدى تورطها في جرائم حرب، خاصة عندما تُستخدم أدواتها لتحديد أهداف مدنية، وقتل الأطفال والنساء تحت شعار “الكفاءة الحربية”.

كما تفتح هذه القضية الباب واسعًا أمام نقاش عالمي حول ضرورة إخضاع هذه الشركات للمساءلة، ومنع استخدام الذكاء الاصطناعي في الصراعات العسكرية، خصوصًا حين يكون الطرف المُستخدم له كيانًا استيطانيًا عنصريًا يضرب عرض الحائط بالقانون الدولي والمواثيق الإنسانية.

الحاجة إلى سيادة معرفية

أمام هذه المعطيات، تبرز الحاجة إلى إعادة تعريف دور المقاومة في العصر الرقمي. فالرد على هذا النوع من الحروب لا يكون فقط عبر حمل السلاح، بل من خلال امتلاك أدوات تحليل ومراقبة مضادة، وتطوير كفاءات برمجية وتقنية في أوساط الشباب العربي، وتحديدًا في بيئات المقاومة. ويُعدّ الاستثمار في الوعي التكنولوجي، وتطوير منصات ذاتية للتحليل والرصد، أحد أوجه المواجهة المستقبلية التي لا بد من خوضها.

إن الصراع على الذكاء الاصطناعي ليس صراعًا على أداة، بل هو صراع على الرواية، على القدرة في تحديد من هو “الهدف”، ومن هو “الإرهابي”، ومن له الحق في الوجود. وهو صراع لا ينفصل عن التاريخ الطويل من تشويه الضحية وتجريم المقاومة.

خلاصة

إن انكشاف الدور الذي تلعبه تقنيات الذكاء الاصطناعي في العدوان على غزة، لا سيما عبر شركات مثل مايكروسوفت، يكشف عن وجه جديد للحرب، أشد تعقيدًا وخطورة، لأنه يختبئ خلف شعارات التقدم والتطوير. ومن موقع المقاومة، فإن هذا التحدي يتطلب تطوير أدوات المواجهة، وتوسيع رقعة المعركة لتشمل المجال المعرفي والتقني، باعتبارها ساحة أساسية لاستعادة الحق، وفرض العدالة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى