خاص “ماتريوشكا نيوز” أميركا الثقب الأسود
هناك مقولة لـ”جواهر لال نهرو” الزعيم الهندي المعروف، يقول فيها: “نحن أمام خيارَين بوجود الأميركان، إمَا أن نخضَعَ للـ(سي آي أيه) فتستلب إرادتنا السياسية، أو نخضع لـ(هوليود) فتسلب إرادتنا الثقافية”، ووفق المقولة المذكورة فإننا في كلتا الحالتين نحن الخاسرون في علاقتنا مع الولايات المتحدة الأميركية، وللأسف الشديد الوضع هو على هذا الحال، بمعنى أنّ مركز الجذب الأميركي صادرَ كلَ ما يمكن أن يصبح حالة نهوض واستقلالية في أي مكان في العالم، وهذا ما سبّب المشاكل الكبيرة على دول العالم عامة وعلى دول الجنوب خاصّة. ولذلك نقول بأنّنا آخر الواصلين دائماً، والسبب في تأخرنا يعود إلى أنّ رهاننا على أميركا استمرّ لعقود طويلة.
فالدولة العربية الحديثة و- للأسف الشديد – كانت تنظر دائماً إلى الولايات المتحدة الأميركية على أنها مركز للشرعية، وهذه النظرة لم تكن وليدة اليوم بل كانت منذ نظام الثنائية القطبية كانت الدول العربية حين تتفاهم مع الإتحاد السوفييتي، تسعى من خلال هذا التفاهم لإيصال إشارة إلى الولايات المتحدة تقول “تعالوا لنتفاهَم” عوضاً الذهاب إلى الاتحاد السوفييتي، وهذا ما حصل في مصرعدّة مرات حين أتى السادات و طَرَد الجماعة السوفييت، وكانت عينه حينها على أميركا.
مجمل القول، كانت أميركا دائماً هي “القبلة” التي يريد الزعيم العربي – خاصّةً خلال العقود الماضية- أن يلفت نظرها، وبالتالي فإنَ من تعطِف عليه أميركا ومَن تظلَه بظلّها ينتابه في الحقيقة شعور القوّة، وقوّتنا ليست نابعة من تمثيل أنظمتنا لشعوبها وقٍيَمٍها أو تاريخها والكلام الذي عادةً ما تبني عليه الأمم واقعها، بل لأنّه -أي النظام- مسنودٌ من قٍبَل أميركا، وهذه العلاقة وهذا الفِصام أدّى إلى مشكلة كبيرة جداً ما بين الدول العربية وبين الشارع العَربي، لأنَّ الأخير شعَرَ أنّ أميركا ليست بالشكل الرائع الذي تتكلّم عنه، وبالتالي فكيف تنفّذ -أنت يا رئيس النظام- كلّ طلبات و رغبات أمريكا؟
بالتالي نحن آخر الواصلين، والآن فقط بدأ البعض من الدول العربية يصحو على “كذبة” أميركا، ولكن مازال جزء كبير من هذه الدول العربية ينظر إلى الغرب بشكل عام وأميركا على وجه الخصوص باعتبارها “المركز”. غير أنّ الشعوب بدأت تصحو وترى تَخلّي أميركا حتى عن حلفائها والأمثلة عديدة؛ فأميركا تخلت عن شاه إيران الذي كان أخلصَ المخلصين لها، فلمّا انطلقت الثورة الإسلامية في إيران، لم تعطه أميركا حتى الفيزا ليدخلها كلاجئ!
بل إنّ الوثائق اليوم تفيد بأنّه كان هناك جدلٌ ونقاش داخل الإدارة الأميركية حول هل توافقون أن نأتي به ثمّ نسلّمه لإيران مقابل الرهائن الموجودين في السفارة الأميركية، تخيّلوا مدى “الحقارة” حين تتخلى أميركا عن عميلها في لحظة شدّته، ولا عجب فأميركا ليس لها ذلك السجلّ الناصع في حماية عملائها أو المتعاونين معها لأنّ مصلحتها أكبر وأهمّ من أيّ شيء، فهي قطب عالَمي، بل هي الثقب الأسود الذي يمتصّ كلّ ضوء، وبالتالي فهي لا تأبه تماماً بما تريده أنت منها.