صحافة وآراء

لقد انشرم الشيخ

ضياء ابو معارج الدراجي

لقد انشرم الشيخ… لا شرمًا واحدًا، بل ألف شرمٍ من الحقيقة.
فالمؤتمر الذي عُقد في شرم الشيخ تحت لافتة “السلام في الشرق الأوسط” لم يكن سوى مسرحية سياسية لتبييض وجه إسرائيل بعد أطول وأفشل حرب خاضتها في تاريخها الحديث.
لم يكن لقاء القادة هناك لقاء المنتصرين، بل لقاء المبررين؛ من يبحث عن مخرجٍ آمنٍ من هزيمةٍ عسكرية وسياسية مدوية، ومن يريد تحويل الدم إلى حبرٍ لتوقيع اتفاقٍ يغسل العار ويخفي الجريمة.
منذ عامين وإسرائيل تقاتل في غزة بلا هدفٍ واضح سوى محاولة “استعادة الردع” المفقود.
أطلقت آلاف الصواريخ، دمّرت المدن، قتلت الأطفال والنساء، ومع ذلك عجزت عن الوصول إلى أسراها الذين بقوا في قبضة المقاومة رغم كل محاولات الاقتحام، والاستخبارات، والمناورات البرية والجوية.
فشلت تل أبيب في كل شيء: لم تستعد هيبتها، لم تحرر أسراها، ولم تسقط حكومة المقاومة، فأراد ترامب أن يصنع لها نصرًا على الورق، بعد أن عجزت عن تحقيقه على الأرض.
قمة شرم الشيخ لم تأتِ للسلام، بل لإعلان الهدنة باسم الهزيمة.
حضرها من كان بالأمس يمول العدوان، ومن أدار ظهره لغزة وهي تُقصف ليلًا ونهارًا، وجلسوا الآن يتحدثون عن “مستقبل المنطقة” و“حل الدولتين”، وكأنهم لم يروا الجثث التي دفنت تحت الركام.
وفي مقدمتهم ترامب، الذي حضر ليقول للعالم إن إسرائيل “انتصرت انتصارًا عظيمًا”، وهو يعلم في قرارة نفسه أن هذا النصر لا وجود له إلا في الخيال الأمريكي وصحافة التطبيع.
لقد “انشرم الشيخ” لأنّه تحوّل من منتدى للسلام إلى منصة تزوير للحقائق.
حاولوا تحويل الهزيمة إلى نصر، والمقاومة إلى مشكلة، والضحايا إلى متهمين.
لكنّهم نسوا أنّ العالم شاهد كل شيء: شاهد جيشًا يهرب من الأنفاق، ودولةً لا تجرؤ على الدخول في مواجهةٍ مفتوحةٍ من جديد، وشعبًا محاصرًا صمد عامين في وجه آلة الحرب حتى خضعت لإرادته.
ما أراده ترامب ليس سلامًا، بل صفقة تبرئة لإسرائيل أمام الرأي العام الدولي.
هو يدرك أن صورة الكيان أصبحت مرادفًا للإجرام، وأن المقاومة باتت رمزًا للحرية في ضمير الشعوب.
فجاء ليعيد رسم المشهد الإعلامي، لا الميداني؛ ليصنع “سلامًا” يضمن استمرار التفوق الصهيوني ولو على أنقاض الحقيقة.
لكنّ التاريخ لا يُكتب في المؤتمرات، بل في الميدان.
ومن الميدان خرجت الحقيقة: أن إسرائيل خسرت، وأن غزة انتصرت، وأنّ ما يجري في شرم الشيخ ليس إلا محاولة لطلاء العار بالذهب.
إنهم يرفعون راية السلام بأيدٍ ملطخةٍ بالدم، ويحاولون كتابة نهايةٍ جديدة لمعركةٍ خسروا فصولها كلها.
لكن النهايات الحقيقية لا تُكتب في المنتجعات، بل تُرسم بالدم والصلابة في الأزقة التي لم تنكسر.
لقد انشرم الشيخ… وانكشفت الأكذوبة.
من أراد أن يبيض وجه إسرائيل غرق في سواد التاريخ،
ومن ظنّ أن النصر يُصنع في المؤتمرات،
فليقرأ على نفسه السلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى