غير مصنف

رائعة الشاعر أيمن أبو الشعر أشرف الألوان تتحول إلى أغنية متحدية

ماتريوشكا نيوز – موسكو

• تألقت هذه الأغنية شعراً وحولها الملحن المبدع معن دوارة والمطربة المميزة لانا هابراسو من جميل إلى أجمل.
يمكن القول بكل ثقة أن أشرف الألوان من أشهر المقاطع الشعرية التقدمية، وهو مأخوذ من واحدة من أشهر القصائد الثورية منذ أواخر سبعينات القرن الفائت، والأروع من ذلك أنها ما زالت تتردد على الألسن في مختلف الأقطار العربية حتى اليوم، فلماذا انتشرت هذه القصيدة، وهذا المقطع بالذات بشكل هائل على ألسنة الناس.

لماذا هذا الانتشار الواسع
سنتحدث عن هذا السر باختصار شديد ليتسنى لنا الحديث عن العمل الإبداعي الفني الجديد نفسه، فهو يستحق وقفة تأملية حقا…
أولا الشاعر أيمن أبو الشعر من رعيل الشعراء الوطنيين التقدميين، ويذكر اسمه دائما إلى جانب شعراء المقاومة محمود درويش وسميح القاسم ومعين بسيسو وجميعهم أصدقاء للشاعر أيمن عدا عن أنهم جميعهم يساريون، ولكنهم مسكونون بالهم العربي، ويتبنون القضية الفلسطينية التي تنعكس بقوة في مجمل نتاجاتهم، وبما أن أيمن أبو الشعر لم يحظ بما يستحق من اهتمام إعلامي، فقد عالج الجمهور الكبير هذه المسألة باصطحاب آلات التسجيل معهم إلى القاعات التي يحيي فيها الشاعر أمسياته، فانتقلت قصائده بمبادرة من هذه الجماهير عبر أشرطة الكاسيت الصوتية حيث لم تكن قد انتشرت الكاميرات الرقمية والموبايلات.
ومن بين القصائد النوعية التي لاقت انتشاراً هائلاً قصيدة الصدى التي تتحدث عن حرب تشرين والتي ابتكر فيها أسلوباً مدهشاً عبر أرقام الحروف في نهايات الأشطر لتجاوز مقص الرقابة، وقارع الطبل الزنجي التي تتحدث عن الظلم العنصري والطبقي بآن معا، ثم قصيدة الحلم في الزنزانة السابعة بأسلوبها المدهش غير العادي حيث استخدم فيها الشاعر لقطات سوريالية مشهدية من أجواء الحلم، بما في ذلك استخدام كلمات صوتية مبتكرة ” طوطق طوطق هوفي هويا هوفي…” وحتى الصفير الحلمي، زد على ذلك أنه طرح في هذه القصيدة الملحمية الطويلة كل معاناة التقدمين الوطنين في البلدان المتخلفة، بما في ذلك تعرضهم للسجن والقتل والتعذيب والملاحقة، وأفرد هذا المقطع المذهل للقضية الفلسطينية على لسان مناضل تقدمي يساري مدرك تماما ماذا يفعل، وما العواقب المحتملة، وقد انتشر هذا المقطع حتى أكثر من انتشار القصيدة ذاتها رغم أن معظم الذين يتحدثون عنها يؤكدون أنهم يحفظون غيباً العديد من مقاطع هذه القصيدة، وكذلك مقاطع من الصدى، وربما كامل قصيدة قارع الطبل الزنجي، ومع ذلك يظل هذا المقطع بالذات الأكثر تداولاً وترداداً على الشفاه.
لو تمعنا في هذا المقطع لوجدنا أنه يعتمد فنيّا على السهل الممتنع، وقد كتب بلغة حية شعبية وألفاظه سلسة على اللسان كمن يشرب كأس ماء عذب، الأمر الذي تنبه إليه الدبلوماسي الفلسطيني الكاتب رامي الشاعر في مقالته الأخيرة عن “أشرف الألوان”، خاصة أنه كان من أوائل الذين تحدثوا عن هذه التجربة التي يقودها ويمولها الشاعر أيمن أبو الشعر، والتي تجدد فورة الأغنية السياسية مع الشيخ إمام ومارسيل خليفة، والواقع أنه قيض لأيمن أبو الشعر العمل مع فنانين مميزين تماما، وهما الملحن الموهوب معن دوارة والفنانة المطربة المبدعة لانا هابراسو، عبر مشوار مكثف في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث أنتجوا معا عشرة أغان سبعة منها من أشعار أيمن أبو الشعر وأربعة من ترجمته وهما قصيدتان لرسول حمزاتوف وأغنية غيفارا من تأليف الملحن الكوبي كارلوس بويبلا وأغنية كاتيوشا من تأليف ميخائيل فيزاكوفيكسي، وألحان ماتفي بلانتر.

نعود إلى أشرف الألوان
ينطلق العمل من أبيات يلقيها الشاعر أيمن بصوته في إطار فني ومعنوي يتضافران في انسياب متداخل، حيث يوضح أن الرؤى تحمل له صور الأهل ورفاق الدرب، وفي الوقت نفسه توابيت الشهداء، ليجعل من هذه المشاهد معنويا جسرا بالغ الأهمية لما سيأتي بعد ذلك، حيث تستصرخ أمه بنداء من صميم القلب ابنها لمتابعة النضال حتى إن كان سينتهي باستشهاده، لأنها إذ ذاك سترفع رأسها وتقبِّل نعشه، ولم تشعر بالذل إن هو انسحب من طريق النضال كي يبقى حيا، عندها يتجاوب هذا البطل المقاوم ويستمر في النضال، وبشكل رمزي طبعا يقطع أصابع كفيه لكيلا ترضى أن تمسك قلما يرضى التوقيع على الانسحاب، وهو هنا يضرب عصفورين بحجر واحد، فقد كان السجانون يعرضون على المناضلين اليساريين الانسحاب من درب النضال لقاء إطلاق سراحهم، أما فنيا فإن إلقاء الشاعر ينتهي فنيا عند قوله وأهتف، وبالتالي يسلِّم المتابعة للمطربة لانا التي تنقل عمليا ذاك الهتاف المتحدي الجَسور، والذي يحمل تكثيفا مذهلا، وتكاد كل فقرة منه أن تكون حكمة شعبية انعكاسا عما هو معاش على أرض الواقع:
فهو أولا ينقل هذه المواقف كدروس علمته إياها حالات نوعية جدا، وأولها هذا التعبير المذهل الذي يعبِّر عن حالات بسيكولوجية للطغاة والجلادين فهو يؤكد ” أن جنون السوط على الجسد الصامد تعبير عن خوف الجلاد”، ومن ثم يبوح له جدار السجن الجهم المقيت الذي يكون عادة رمز للعزلة والوحدة، يبوح للمناضل الصامد بأن ” إرادة رجل حر أقوى من قفل السجان”، يلي ذلك المواجهة مع الموت أثناء الصراع مع المحتل الغاصب فيكشف جوهر الدرس الرائع وهو ” أن ركوع شهيد فوق التربة أسمى آيات الإيمان” ثم يصل إلى الزبدة والقفزة نحو الخاتمة القمة، حين يؤكد أن جراح المناضلين أثناء الصراع تؤكد بلون نزيفها “أنَّ الأحمر أشرف من كل الألوان”…
أخيرا وليس آخرا لا بد أن شير إلى أن هذا الثلاثي النوعي الشاعر والملحن والمطربة استطاعوا أن يخلقوا جسرا جديدا لإحياء الأغنية السياسية، فقد قدموا لفلسطين أربع أغان هي أنشودة الحصار عن غزة، وعودة شهيد عن المناضل الفلسطيني وانهض المتحدية للبيت الأبيض باسم المناضلين في كل أنحاء العالم وخاصة في فلسطين، ثم أشرف الألوان التي لا شك أنها من قمم هذا الثلاثي الفني، الذي نتمنى له مزيدا من العطاء النوعي، وفي زمن التصحر لا بد لنا من أفياء مثل هذه الأشجار الوارفة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى