صحافة وآراء

حق الرد.. ورد الحق!

بقلم فضل المهلوس

يكاد لا يخلو أي تصريح لمسؤول رسمي في دول الاستعمار الغربي وبغض النظر عن مرتبته في سُلّم المسؤولية، وكذلك غالبية الطامحين للوصول إلى سُدّة الحكم في هذه الدول، من لازمة “حق إسرائيل في الرد على جريمة السابع من أكتوبر”، وكالعادة ينساق معهم من لفّ لفّهم من الببغاوات من شتى الجنسيات في تكرار هذه الإسطوانة التي باتت مُملّة بل ومشروخة من كثرة الاستعمال، لعلّ كثرة التكرار تقلب الحقائق فتجعل الباطل حقّاً والجلّاد ضحية والمجرم حملاً وديعاً يستوجب التبرئة والمؤازرة..

ربما كان هذا الأسلوب التضليلي الغوبلزي ـ نسبة إلى غوبلز الألماني النازي ـ يؤتي ثماره أيام الحرب العالمية الثانية، حيث لا بدائل للإعلام الرسمي، ولا ثورة هائلة في تكنولوجيا الاتصالات التي جعلت من الكرة الأرضية مجرّد قرية صغيرة لا تخفى فيها وعليها خافية. فما حقيقة حق الرد الذي يدّعون، وماذا يرمون من وراء ذلك..؟؟

بداية لا بدّ من تصويب ماذا يعني مفهوم “حقّ الرد” الذي يستخدمونه بقصد أو عن جهل؟ فما يسمى “حق الرد” أو “حق التصحيح” يتعلق حصراً بما يرد في وسائل الإعلام، ويكفل لمَن تعرضت له هذه الوسائل الرد، وقد جعلت بعض الدول منه قانوناً وضمنته أخرى في الدستور، في حين منحته بعض وسائل الإعلام والمطبوعات للأشخاص الذين تعرّضوا لانتقادات شديدة من قبلهم كسياسة تحريرية ليس الّا..

ويبدو أن بعضهم قد جرى تنبيهه لهذه السقطة، ونُصح بإقرانه مع “حق الدفاع عن النفس” باعتباره حقاً مشروعاً في القانون الدولي والإنساني لأية دولة يتم الاعتداء عليها. فهل ينطبق هذا الحق على الحالة الفلسطينية؟

يتجلى هذا المفهوم للأفراد في الحق باستخدام القوة أو التصرف لحماية النفس والآخرين من أي تهديد أو خطر يهدد السلامة أو الحياة، ويعتبر جزءاً من حقوق الإنسان الأساسية المُقرّة عالمياً، شريطة أن يتناسب مع حجم التهديد ويكون اضطرارياً ويتجنب استخدام القوة الزائدة وغير المبررة. أما بالنسبة للدول فقد حظر ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 استخدام القوة في العلاقات بين الدول وفق مادته 51 وحصره في مجلس الأمن الدولي، وإذا ما تعذّر ذلك قيّد الميثاق استخدام القوة في الدفاع عن النفس بعدة شروط لازمة أهمها: “أن يكون الدفاع عن النفس رد فعل على هجوم مسلح، أن يكون هذا الهجوم المسلح من طرف دولة أو دول أما الهجوم المسلح من جماعات المقاومة فلا يُعطي لرد الفعل صفة الدفاع الشرعي، أن يكون الهجوم مباغتاً، أن تحاول الدولة المعتدى عليها صد الهجوم بأقل قدر من القوة، أن يكون الرد متناسباً مع الهجوم وبالقدر اللازم فقط لصد الهجوم وبالطبع فإن الرد يجب أن يتفادى قدر المستطاع استخدام القوة المسلحة، أن يكون الرد مؤقتاً ريثما يتولى مجلس الأمن معالجة الموقف، وضرورة احترام قواعد القانون الدولي”.

ويتضح مما سبق أن مواصلة استخدام قادة الغرب الاستعماري الرسميين منهم وغيرهم ومَن يدور في فلكهم لذات العبارات: “حق الرد” و”حق الدفاع عن النفس” لا يمت للقانون الدولي والإنساني بصلة، إنما هو إمعان في التضليل والخداع وتبرير استمرار الدعم الهستيري اللامتناهي من الأصيل الغربي للوكيل الإسرائيلي، واستخفاف بعقول الإنسان الغربي المغيّب من حساباتهم أصلاً. لكن يبدو أننا نشهد إرهاصات صحوة الفطرة الإنسانية أخيراً لدى هذا المواطن، ويشي ببدايات انقلاب السحر على الساحر، قد تتسارع هذه الصحوة مع صحوة عربية وإسلامية وعالمية شعبية ناهضة ومواكِبة لها، بل وضرورية ومستعجلة، ليس دفاعاً عن الحقوق الوطنية والإنسانية للشعب العربي الفلسطيني المستباحة أيّما استباحة فحسب، وإنما انتصاراً للذات والكرامة والقيم الإنسانية والأخلاقية المشروعة والمنتهكة شرّ انتهاك..

وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن عملية “طوفان الأقصى قد دارت رحاها ضمن حدود أراضي الدولة العربية المحددة ضمن قرار التقسيم 181 أواخر 1947، بحيث تشمل من جملة ما تشمله مدينتي عسقلان وأسدود شمالاً. وحتى اتفاقية الهدنة الموقعة يوم 24/2/1949 في جزيرة رودس، رغم جورها وانتهاكها لقرار التقسيم، حددت مساحة قطاع غزة 555 كلم مربع، وليس 360 كلم مربع وفق ما تتداوله معظم وسائل الإعلام بشتى جنسياتها وأماكن بثّها، وهو ما يحتاج إلى الكثير من البحث والدراسة.

ومما يسترعي الإنتباه، أن هذا الحديث الممجوج حول “حق الرد” و”حق الدفاع عن النفس” الخالصين للكيان الإسرائيلي حصراً، لا يزال متداولاً وبصوت عالٍ وبلا خجل أو وجل، محمِّلاً حتى الضحايا المدنيين العُزّل الجوعى والعطشى، وجُلّهم من النساء والشيوخ والأطفال الرُضّع، مسؤولية آلاف الأطنان من القنابل والقذائف الخارقة والحارقة والمتفجرة التي تنهمر عليهم جوّاً وبرّاً وبحراً داخل المنازل ومدارس الأونروا والمستشفيات ودور العبادة ومراكز الإيواء والنزوح المحددة والمعروفة بتنسيق وطلب مسبق مع قادة الاحتلال المجرمين أنفسهم.. وبالمقابل لا نجد سوى أصواتاً محدودة الانتشار وقليلة الإمكانات تناطح صخرة عمالقة المال والأعمال وإمبراطوريات الإعلام العالمي، وتجاهد في الدفاع عن رد الحق الفلسطيني المسلوب منذ أكثر من قرن، امتثالاً على الأقل لقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي والإنساني الذي يدّعي قادة الغرب الاستعماري ذاتهم الحرص عليه ورعايتهم له بل ومطالبتهم الآخرين بالالتزام به طوعاً أو كرهاً.. فهل من مدّكر؟؟

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى