- استمرار حكم الأسرة الواحدة واتساع إرهاب الدولة ومعاناة الناس والفساد المذهل عجل بسقوط النظام
- آمل ألا يكون صحيحا ما يقال عن أن أخطاء النظام الجديد تتسع عبر الممارسات غير الحكيمة مما قد يخلق مخاطر هائلة
لننطلق في البداية من أسباب هذا الانهيار السريع المدهش حقا… لماذا سقط الأسد وانهار نظامه وكأنه قلعة من كرتون؟ أو قصر من الأوهام مبني على الأملاح، هناك عوامل عديدة يمكن أن يكون من أهمها اختصارا:
1- استمرار حكم الأسرة الواحدة للبلد لأكثر من نصف قرن، وامتداد نفوذها على كل شرايين الحياة، وخشية الشعب -الذي اعتبر هذا الأمر بحد ذاته إذلالا- من أن ينتقل الحكم إلى حافظ بن بشار بن حافظ الأسد.واستمرار هذه اللعبة المقيتة بأن الناس هم من يريدون ذلك عبر استفتاءات مُمسرحة.
2- تحول سورية إلى دولة بوليسية مرعبة واتساع المعاناة المريرة، وكثرة الفروع الأمنية وزيادة عدد السجون ليس للخصوم السياسيين وحسب، بل وللناس العاديين، وانتشار المخبرين بأعداد كبيرة بحيث يمكن لكتبة التقارير أن يدمروا حياة الناس بكل نذالة حتى غدا عمل المخبرين بيزنسا يدر الربح عليهم وعلى أسيادهم، مع تعتيم هائل على حقيقة قصف المناطق الثائرة بوحشية، وتدمير بلدات بكاملها ومسح أحياء بكل مقوماتها عن ظهر الأرض واضطرار الملايين للهجرة واللجوء داخل وخارج البلد.
3- تحول الفرقة الرابعة الشهيرة التي كانت لها امتيازات كبيرة إلى عصابة يهمها جمع الأتاوات والتعفيش والتهريب وإنتاج حبوب الكيبتاغون.
4- الفساد الهائل المتزايد وإدراك الغرب بأن الحصار الاقتصادي سيزيد من عزلة النظام لأن المسؤولين والشبيحة سيفكرون بمصالحهم وليس بإنقاذ الناس، ما دفع إلى انتشار الفقر المذهل المدقع، وانتقال ذلك مع سلبياته المضاعفة إلى قطاع موظفي الدولة أولا من خلال تقاسم المخصصات الإضافية لمئات آلاف الموظفين الوهميين، وثانيا اضطرارهم للرشوة التي باتت ضرورة علنية لكي يستطع الموظف أن يعيل أسرته، وهو ما حمل الناس أعباء أخرى لتمرير معاملاتهم في دوائر الدولة.
5- سيطرة مجموعة من الزبانية ” المستفيدين من مختلف الطوائف” والأعراق على المقدرات الاقتصادية وتحول زوجة الرئيس قبل فراره إلى صاحبة امبراطورية تجارية استثمارية كبرى، ووصلت المفارقة بين المستفيدين والمنتفعين من النظام حد الغنى الفاحش للأسرة ومن حولها والتابعين لبعض شخصياتها المؤثرة، والفقر المدقع وحتى الجوع لغالبية الشعب، ما يذكر بمرحلة الثورة الفرنسية حتى لأكاد أخال “أسماء” في دور “ماري أنطوانيت” تقول لحشود المتظاهرين الجائعين: كُلوا بسكويت …كُلوا كاتو!
التوجس ما زال سيد الموقف
لا شك أن علينا أن نتحمل تشظيات مشاعر الناس الذين عانوا وعُذِّبوا، وفقدوا أحبتهم وهم كثر، وفي الوقت نفسه أن نكون حذرين ولا نسمح بتكرار هذه المأساة، وخاصة أساليب القمع وخنق الحريات الفردية والاجتماعية من أي جهة كانت، فنحن شعب التوسط والاعتدال!
وبما أنني لا أعيش في سورية الآن فإنني لا أطرح ما سأقوله كشاهد عيان بل سأعتمد على ما يتم تناقله في الأوساط الشعبية وخاصة عبر التواصل الاجتماعي، وبعض وسائل الإعلام، ويلفت النظر في هذا المجال تلك المظاهر التي بدأ الناس يتشكون منها بقوة، ويطرحون شكواهم في وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى الخروج ببعض التظاهرات المطلبية الحساسة، والتي يُخشى أن تتحول إلى تمرد بل وثورة جديدة، من ذلك عمليات الإذلال والضرب من قبل بعض المسلحين لمن يقبضون عليهم، فيطلبون منهم أن ينبحوا كالكلاب وهم مقيدون، ويقومون بضربهم أو صفعهم وإهانتهم حتى أمام أولادهم، ما يشكل حالة استياء حقيقية عند الناس الذين يعتبرون هذه المظاهر لا تنم عن شهامة، فأية بطولة هذه في أن تهين وتصفع إنسان مقيد، حتى وإن كان مذنبا، والمفروض أن يقدم المذنبون الحقيقيون للعدالة بشكل قانوني، وأما من لم تتلطخ أيديهم بالدماء فيجب تسوية أوضاعهم وإعادتهم إلى أعمالهم.
التجويع
يقول الناس أن بعض الممارسات لا تدل على الحكمة بل، تشير إلى ارتجال غريب وسوء تدبير وحتى المساهمة في خلق حشود من الجياع، فحسب معطيات تنتشر بكثرة في الأيام الأخيرة يتم فصل مئات الآلاف من وظائفهم باعتبارهم يزيدون من أعباء المؤسسات، حيث يتم دفع مرتباتهم لثلاثة أشهر لهم تمهيدا لفصلهم من العمل، ويقال أن عشرات الآلاف من هؤلاء يجري فصلهم من العمل بغير حق، وبالتالي تتعرض أسرهم إلى التشرد والجوع، ويرجح أن لا تُصْرف بعد حين قصير رواتب مئات الآلاف أيضا من العسكريين والعاملين في الفروع الأمنية البالغ عددهم أكثر من مليون و 250 ألفا حيث يتم حاليا إعادة بناء الجيش والقوى الأمنية، وسيتم الاستغناء عن القسم الأكبر من العسكريين والضباط وعناصر وموظفي القوى الأمنية السابقين، فمن أين سيجلب هؤلاء المال لإطعام أسرهم، ألن يُشكلوا حالة تشبه برميل البارود القابل للانفجار في أية لحظة، من جهة ثانية يتشكى الناس من ان أجهزة الصرف المالي الآلية قرب البنوك في الشوارع لا تعمل في اليوم أكثر من ساعتين نتيجة انقطاع الكهرباء، ويقف الناس في الطوابير ساعات طويلة ثم يعودون إلى بيوتهم خائبين، كل ذلك سيزيد من حالات التذمر.
العمليات الانتقامية وخطر الحرب الأهلية
وتبقى بعض المعطيات حائرة بين مصدق ومكذب حيث يمكن أن تكون مقصودة لإثارة الفتنة، أو أنها بالفعل حالات فردية، ولكن بعض الناس تتحدث عن كثرتها كشهود عيان إلى جانب وقائع محددة، حتى ليبدو أن ما يجري في بعض المناطق يشبه نزع مسمار قنبلة وإبقائها في اليد حيث ستنفجر قريبا وتشلع هذه اليد الحمقى… والمقصود استباحة بعض المسلحين لبعض المناطق والأحياء والقرى وسقوط قتلى وجرحى وخاصة من العلويين والشيعة، ويرى البعض في ذلك عمليات انتقامية نتيجة حقد طائفي، وتشير التعليقات إلى أن معظم الذين يقومون بذلك هم من مسلحي الفصائل الأجنبية الأوزبيكية والشيشانية والإيغورية والداغستانية وغيرهم فهم يعتبرون العلويين والشيعة كفارا يحلُّ قتلهم وأحيانا يجب قتلهم، وحسب بعض المعطيات سجلت في الأسابيع الأولى فقط أكثر من 157 حالة قتل من العلويين حسب رامي عبد الرحمن مسؤول المرصد السوري لحقوق الإنسان، وقد سُجلت ضد مجهولين بما في ذلك لأسر كاملة لا علاقة لها بالنظام السابق، وهناك بعض الحوادث الموثقة التي تناولتها الصحافة تشير إلى أن مسلحين أوزبيكيين يتبعون لهيئة تحرير الشام قاموا بقتل ثلاثة مزارعين في ريف جبلة ما دفع الناس في الخروج بعشرات الآلاف في تشييعهم حيث كان واضحا أنهم قُتلوا تحديدا لأنهم علويين وهؤلاء المسلحون يعتبرونهم كفارا!!
زد على ذلك تنشر بوستات كثيرة نقول أن مناطق سكن العلويين في عدة مدن تتعرض منذ أسابيع إلى حملات اعتقال ومداهمات يمكن أن تتحول إلى فتنة حقيقية، وقد وجهت النخب العلوية رسالة إلى قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني طالبته فيها بضبط الأوضاع الأمنية، ومنع المسلحين الأجانب من التفتيش في تلك المناطق حيث يزداد الغضب وعدم الشعور بالأمان، خاصة أن ذلك ترافق مع عمليات خطف متكررة للشباب العلوين ثم يكتشفون بعد أيام جثثا هامدة في الشوارع.
الأنكى من ذلك أن رجال الدين السنة الذين كانوا ضد التكفيريين باتوا يتعرضون للخطف والقتل أيضا، حيث اختُطف العالم الديني الدكتور عمر حوري الذي عرف برفضه للفكر التكفيري ودعوته للاعتدال والتعايش، اختطف أمام الناس في حي الميدان من قبل مسلحين ملثمين، وضرب وأهين أثناء اعتقاله، ومن ثم عثر عليه في منطقة جوبر جثة هامدة وآثار التعذيب على جسده، فهل هم جماعة مدسوسة لإثارة الغضب واتهام الهيئة أم جماعة متطرفة لا تخضع للهيئة وجدت من واجبها تصفية المناهض للتكفيريين جسديا؟
إنني أتمنى على مسؤولي الإدارة الجديدة للحكم في سوريا إن كانت هذه المعطيات صحيحة أن تأخذ بعين الاعتبار عدم جواز معاقبة طائفة كاملة بجريرة قسم من أبنائها كانوا يشكلون عماد القوى الأمنية إبان الحكم البائد، وصحيح أن بعضهم أجرم بحق الناس وأصبح نتيجة الفساد بالغ الثراء لكن أبناء أن هذه الطائفة عموما هم الأكثر فقرا في سورية، ويجب محاسبة المجرمين والفاسدين، كما أن السلطة الأسدية الفاسدة كانت تضم منتفعين من مختلف الطوائف بما في ذلك من السنة، وأن الشعب السوري الذي خرج ابتهاجا بالخلاص من حكم الأسد كان من جميع الطوائف والشرائح الاجتماعية، فلا تفسدوا فرحتهم!