نقلا عن وكالة أنباء الوسط العربي
يشهد المجتمع الخليجي، وخاصة المملكة العربية السعودية، ازديادًا ملحوظًا في ظاهرة الإلحاد، مما يثير تساؤلات حول أسباب هذا التحول في مجتمعات عُرِفت بتدينها والتزامها بتطبيق الشريعة الإسلامية. تتضاعف حدة الظاهرة مع انتشار منصات التواصل الاجتماعي، حيث برزت شخصيات ملحدة مثل أحمد بن كريشان من البحرين، ومحمود اليوسف من الإمارات، ورهف القنون من السعودية، التي لم تكتفِ بإعلان إلحادها بل أسست صفحات على مواقع التواصل لنشر أفكارها وقادت حركات للتمرّد على القيم الدينية.
قد يبدو السؤال عن سبب الإلحاد في دول الخليج مفاجئًا، خاصة أن هذه الدول تُعرف بالتزامها بتطبيق الشريعة الإسلامية والمحافظة على تقاليد المجتمع. ومع ذلك، فإن هناك فئة من المواطنين، خاصة في المملكة العربية السعودية، تبتعد عن الإسلام، ويعزو العديد من المختصين ذلك إلى التشدد في تطبيق قوانين الشريعة والتربية الصارمة داخل الأسر والمجتمع، مما أدى إلى ردود فعل سلبية دفعت بعض الأفراد نحو الإلحاد. وعلى الرغم من أن هذه الحركات تظل محصورة في دوائر ضيقة، إلا أنها تستحق فهمًا عميقًا لأسبابها وتأثيراتها المحتملة على الهوية الثقافية والدينية.
أسباب الانتشار
وتعود أسباب هذه الظاهرة إلى جملة من العوامل المعقدة والمتداخلة، بعضها يتعلق بطبيعة الخطاب الديني، وبعضها الآخر يتعلق بالعوامل الاجتماعية والثقافية، ونذكر من أبرزها:
1. الخطاب الديني:
يُرى البعض أن الخطاب الديني الرسمي في بعض الدول الخليجية يميل إلى التشدد وقلة المرونة، مما يخلق فجوة بينه وبين تطلعات الشباب وطموحاتهم، ويدفعهم إلى البحث عن بدائل خارج الإطار الديني التقليدي.
يفتقر الخطاب الديني أحيانًا إلى التجديد ومواكبة التطورات العلمية والفكرية، مما يجعله غير قادر على الإجابة على تساؤلات الشباب ومعالجة إشكالاتهم المعاصرة.
2. وسائل التواصل الاجتماعي:
توفر وسائل التواصل الاجتماعي منصات مفتوحة لنشر الأفكار والمعتقدات دون رقابة، مما مكن الملحدين من الترويج لأفكارهم والتواصل مع أشخاص يتشاركون نفس المعتقدات.
ساهمت هذه المنصات في تعزيز شعور الملحدين بالأمان والقبول الاجتماعي، مما شجع المزيد من الأشخاص على التعبير عن إلحادهم دون خوف.
3. الإعلام:
ساهم الإعلام في تسليط الضوء على ظاهرة الإلحاد، مما أدى إلى نقاش عام حول هذه الظاهرة وجعلها أكثر قبولاً في المجتمع.
استغل بعض الإعلاميين ظاهرة الإلحاد لأغراض سياسية أو لتوجيه الرأي العام، مما ساهم في تضخيمها وتشويه صورتها.
4. العولمة والتأثيرات الثقافية:
ساهمت العولمة ونمط الحياة الاستهلاكي الأمريكي في التأثير على الأجيال الشابة في الخليج، ونشر مفاهيم وقيم جديدة قد تتعارض مع التقاليد والمعتقدات الدينية المحلية.
يعاني بعض الشباب من التبعية الفكرية للغرب، مما يجعلهم أكثر عرضة لتبني أفكار الإلحاد دون تفكير نقدي.
5. الانفتاح الثقافي والحريات الفردية:
شهدت دول الخليج موجة من الانفتاح الثقافي والتوسع في الحريات الفردية، مما أتاح للملحدين فرصة التعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم بشكل أكثر حرية.
قد يلجأ بعض الأشخاص إلى الإلحاد كتعبير عن رفضهم للقمع الديني أو الاجتماعي، خاصة في ظل المجتمعات التي لا تتقبل الاختلاف.
6. ضعف المؤسسات الدينية والتعليمية:
تهمل بعض المؤسسات الدينية والتعليمية دورها في معالجة ظاهرة الإلحاد وتقديم الخطاب الديني بطريقة تجذب الشباب وتجيب على تساؤلاتهم.
قد تؤدي بعض المؤسسات التعليمية والدينية أدوارًا مشكوكًا في صلاحيتها، مما يخلق فراغًا يمكن أن تملأه الأفكار الإلحادية.
أسباب أخرى:
• صعود الإلحاد في الغرب: يؤثر انتشار الإلحاد في الدول الغربية على المجتمعات العربية والإسلامية، خاصة بين الشباب المنفتح على الأفكار الغربية.
• ترجمة الأعمال الإلحادية: ازدادت ترجمة الأعمال الإلحادية إلى اللغة العربية، مما ساهم في انتشار هذه الأفكار في المنطقة.
• العوامل النفسية والاجتماعية: قد تلعب العوامل النفسية أو الاجتماعية دورًا في دفع بعض الأشخاص إلى الإلحاد، مثل التعرض لأزمة شخصية أو اجتماعية.
دعوة للتفاعل مع الملحدين
تشهد دول الخليج، كغيرها من الدول العربية، ازديادًا ملحوظًا في ظاهرة الإلحاد، مما دفع العديد من المفكرين والعلماء إلى الدعوة إلى مبادرة للتفاعل مع الشباب الملحدين. تتلخص هذه المبادرة في ثلاث خطوات أساسية تهدف إلى فهم الظاهرة ومعالجتها بطرق فعالة ومستدامة.
الحوار والتفاهم
أولى خطوات المبادرة هي التواصل المباشر مع الشباب الملحدين من قبل العلماء والمفكرين والمثقفين، بهدف معايشة همومهم والإجابة على تساؤلاتهم ومشكلاتهم. يجب أن يتم هذا التواصل بروح من الاحترام والتقدير لوجهات نظر الشباب، حتى وإن بدت خاطئة، لفتح المجال للحوار البناء. هذا النهج يمكن أن يسهم في خلق بيئة تفاهم متبادل ويعزز فرص الحوار الصادق والمثمر.
العمل المؤسسي
ثانيًا، يتطلب معالجة ظاهرة الإلحاد نهجًا مؤسسيًا منظمًا ومستندًا إلى الدراسات والعلوم، بعيدًا عن العشوائية والارتجال. يجب إشراك الشباب أنفسهم في الحوار حول هذه الظاهرة لمعرفة رؤاهم وأفكارهم، مما يعزز الشعور بالمسؤولية الجماعية تجاه هذه القضية. المؤسسات التعليمية والدينية يجب أن تتعاون بشكل وثيق لتقديم الدعم العلمي والمعرفي اللازم لمعالجة هذه الظاهرة.
معالجة الجذور
أخيرًا، يتطلب التعامل مع ظاهرة الإلحاد فهمًا عميقًا لدوافع الشباب ونقاط الضعف في منظومتنا المعرفية والمجتمعية التي تسمح بانتشار هذه الأفكار. يجب على الآباء الحوار مع أبنائهم الصغار والإجابة على أسئلتهم حول الدين والوجود. كذلك، يجب على المؤسسات الدعوية نشر المعرفة الدينية بلغة عصرية وتقديم أجوبة على تساؤلات الشباب. إضافةً إلى ذلك، يتعين على مراكز الأبحاث دراسة العلاقة بين النصوص الشرعية ومعطيات العلم التجريبي لمعالجة التعارض الموهوم بينهما.
إنّ التعاون بين جميع فئات المجتمع، بما في ذلك العلماء والمفكرون والشباب، ضروري لمعالجة ظاهرة الإلحاد بشكل جذري. فاختزال ظاهرة الإلحاد في سعي الملحدين للشهرة هو تبسيط مخلّ للأسباب ولا يساعد في حل المشكلة.
في الختام، يُعدّ الحوار والتفاهم والعمل الجماعي المدروس خطوات ضرورية لبناء مجتمعات أكثر فهمًا وتسامحًا، حيث يمكن للشباب والكبار التعايش بسلام وازدهار.