لم يكن مفاجئاً أن يُعلن العجوز الخَرِف قراره “الطوعي” التنحّي عن الترشّح لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، ويؤجّل حديثه إلى “الأمّة” في وقت لاحق هذا الأسبوع بشأن قراره الصعب، كي يتسنّى له التقاط الأنفاس وفبركة المبرّرات، معبّراً عن اعتقاده “أنه من مصحلة حزبي والدولة أن أتنحّى، وأن أركّز فقط على أداء واجباتي كرئيس والوفاء بمهامي الرئاسيّة حتى انقضاء الفترة المتبقّية من ولايتي”، فماذا عدا مما بدا؟!
حتى الأمس القريب، كان بايدن متشبِّثاً بقوة في استمرار خوضه لسباق الانتخابات الرئاسيّة، ومكرّراً أنه المرشّح الأفضل لحزبه، والقادر وحده دون سواه على هزيمة منافسه المهووس ترامب مجدّداً. فما هو المتغيّر الطارئ الذي دفعه “كُرهاً” للاستدارة بزاوية متعاكسة جذريّاً مع مواقفه المتكررة إيّاها؟!
لم يطرأ سوى حادثة “شرمة أُذن” منافسه، صاحب الباع الطويل في المراهنات والاستثمار الاستعراضي الهوليودي، الذي سارع إلى استغلال “الشرمة” التي لم يَعُد يُميّز في أي “أُذن” حصلت أيّما استغلال، لتوجيه الضربة القاضية لخصمه اللّدود، وقبل أن يستعر النِّزال الانتخابي. الأمر الذي دفع قادة الحزب الديمقراطي، وخصوصاً المتردّدين منهم، إلى الإجماع على حسم قرار استبعاد مرشّحهم المهزوم سلفاً، ووضعه أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما التنحي طوعاً بنفسه، وإما تنحيته كرهاً. ويبدو أنّه قد اختار الخيار الأول حفاظاً على ماء الوجه، والفراق بالحسنى. وأمّا ما سيتوجّه به إلى “الأمة” فيُرجّح أن يعزو قراره إلى نصائح طبيّة، وإفساح المجال لآخرين كي يخوضوا لعبة الديمقراطية الأمريكية التي فضحت كلّ شعاراتها الزائفة دماء الأبرياء المهدورة في فلسطين عموماً وفي قطاع غزّة على وجه الخصوص، والتي ما زالت تُسفك بأحدث الأسلحة والمقذوفات الأمريكية المحرّمة قبل التقليديّة.
وهنا يُعاد إثارة السؤال المحيّر للشعب الأمريكي: أليس فينا رجل رشيد كي يُفرض علينا الاختيار الصعب ما بين مهووس وخَرِف، رغم وجود مئات الآلاف من الكفاءات القيادية التي يمكن لها أن تقود وتوجِّه دفّة الحكم باتجاه المصالح الأمريكية الصّرفة. ومَن الذي له المصلحة في منع حدوث ذلك، ومواصلة خداع وتضليل واستنزاف “الأمة” الأمريكية؟!