تصعيد غير مسبوق في القصف المتبادل وموسكو تقرر تعديل عقيدتها النووية
بقلم د. أيمن أبو الشعر
• كورسك تتحول إلى مصيدة حقيقية لقوات أوكرانيا التي تخفض بشكل مذهل حجم خسائرها وتضخم خسائر الخصم أن تُغيّر دولة عظمى مثل روسيا عقيدتها النووية أمر يستدعي التيقظ والانتباه حتى الحد الأقصى بالنسبة للدول الغربية، فهي المعنية بالدرجة الأولى من هذا الانعطاف.
فقد أعلن ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسية أن لدى موسكو نية حقيقية في تعديل عقيدتها النووية، وأن العمل على ذلك بات في مرحلة متقدمة، وأن هذا القرار مرتبط بمسار التصعيد الذي ينتهجه الخصوم الغربيون فيما يتعلق بالصراع في أوكرانيا، والواضح أن المقصود هو تخفيف الشروط التي تسمح روسيا لنفسها باستخدام الأسلحة النووية حيث تشير العقيدة الحالية إلى أن استخدام روسيا للأسلحة النووية مرهون بقيام الأعداء بهجوم نووي أو بالأسلحة التقليدية على روسيا، ما يمكن أن يهدد وجودها كدولة، والمقصود بتغيير العقيدة النووية الروسية هو إفهام القادة الغربيين بأنهم قد يقودون بلادهم إلى الدمار الشامل إن هم استمروا بلعبة محاربة روسيا بأياد أوكرانية، خاصة بعد أن رحَّب الغرب بهجوم القوات الأوكرانية على كورس واحتلالها ألف كيلومتر مربع من الأراضي الروسية، ومباركته حتى لقصف عمق الأراضي الروسية بأسلحة غربية ما زالت إمداداتها مستمرة حتى اليوم.
تصاعد خطير في القصف المتبادل
من جهة ثانية بات واضحا أن المفاوضات التي كثر الحديث عنها قبل الهجوم الأوكراني على كورسك والتي حدد موعدها تقريبيا في نوفمبر القادم باتت عمليا في مهب الريح حتى أن موسكو أعلنت بوضوح أنها لن تخوض أية مفاوضات مع الجانب الأوكراني بعد اقتحام القوات الأوكرانية لمقاطعة كورسك، وقد بات واضحا أن التصعيد يزدادا بشكل كبير وخاصة من خلال المسيرات التي تجود بها عشرات الدول على كييف حتى باتت سمة رئيسية في قصفها للأراضي الروسية، وخاصة المناطق الحدودية: بيلغورود، وبريانسك، وفورونوج، وكورسك، وباتت مؤذية جدا تتسبب بسقوط قتلى وجرحى بين المدنيين بينهم أطفال ونساء، حتى أن الدفاع الروسية تحدثت عن اسقاط 158 طائرة مسيرة ليلة أمس الأول وطال القصف حتى العاصمة موسكو، وتسبب في حريق مصفاة تعتبر من البنى التحتية للعاصمة الروسية، كما وصل القصف الأوكراني إلى بعض المنشآت النفطية في مقاطعة تفيير أواسط روسيا. مثل هذا التصعيد قابله قبل ذلك تصعيد روسي كبير حيث قصفت القوات الروسية العاصمة كييف بحوالي 200 صاروخ بالستي ومسيرة واشتعلت الحرائق ولعلعلت الانفجارات، وكأنها طبول تقرع لتنبيه أولئك الغربيين الذين مازالوا مصممين على متابعة القتال ضد رسيا حتى آخر جندي أوكراني، أن التصعيد لن يكون في صالحهم.
تحول كورسك إلى فخ
من جهة ثانية لا بد من الإشارة إلى أن هجوم القوات الأوكرانية على كورسك والذي من الواضح أنه تم بإيعاز من الغرب قد تحول إلى فخ حقيقي، حيث ظن المخططون أنهم سيشكلون رأس حربة في عمق الأراضي الروسية، لكن الأمر بات يذكر بمشهد اصطياد الفيلة في الأدغال، حيث يقوم الصيادون بإثارة ضجيج وقرع طبول وحتى انفجارات تخيف قطيع الفيلة فيتجه كسهم عبر طريق مهيئة مسبقا، تضيق لتحدد الاتجاه نحو ساحة مسورة، ويبدأ الصيادون بقتلها وانتزاع العاج منها، المفارقة هنا أن القوات الأوكرانية التي غدت نفسها داخل الفخ محاصرة في تلك الرقعة الصغيرة نسبيا لا تحمل العاج، لكنها باتت في مصيدة حقيقية يشير إليها تصاعد الأرقام في الخسائر الأوكرانية يوما بعد يوم، وكما يقال انعكس السحر على الساحر، فقد ظنت كييف وداعموها أن هذا الهجوم سيدفع روسيا لسحب قواتها من دونباس حيث تحقق انتصارات جدية وإن كانت بطيئة، لكن الذي حدث هو أن أوكرانيا هي التي اضطرت إلى تدعيم قواتها التي راحت تتناقص يوميا في كورسك، وأصبحت الانتصارات الروسية في دونباس أكثر فعالية وسرعة، وأصبح تحرير القرى والبلدات يتم بفعالية أكثر من ذي قبل، وكان آخرها تحرير بلدتي قسطنطينوفكا وكيروف في دونيتسك الشعبية ، أما المنطقة التي دخلتها القوات الأوكرانية في كورسك فغدت مفرمة لحم حقيقية، وقاربت الخسائر البشرية في صفوف القوات الأوكرانية هناك فقط 10 آلاف قتيل وجريح، عدا عن تحول هذه المنطقة إلى مكب نفايات حطام الدبابات والمدرعات الأوكرانية.
إخفاقات متتالية
حادث إسقاط الطائرة إف 16 أمريكية الصنع في أوكرانيا بصاروخ من منظومة باتريوت أمريكية الصنع بأيد أوكرانية، ومقتل الطيار الأوكراني “ميس أوليكسي” أحدث ضجة كبيرة، لكنه على الأرجح لم يكن الحادث الوحيد في التخبط وعدم التنسيق في صفوف القوات الأوكرانية، وقد اضطر الرئيس زيلينسكي لإقالة قائد سلاح الجو ميكولا أوليشتشوك، وتعيين قائد القيادة الجوية الوسطى أناتولي كريفونوجكا بديلا عنه، ناهيك عن الإخفاقات العملية في ساحات القتال، واضطرار القوات الأوكرانية إلى الانسحاب المستمر في دونباس وفشل جميع الهجمات التي تقوم بها في زاباروجية وخيرسون، وتحطم الزوارق التي تحاول الوصول إلى الضفة الأخرى لنهر دنيبر التي يسطر عليها الروس، وربما جاء الهجوم على كورسك في محاولة لرفع الروح المعنوية للجنود الأوكرانيين، ومحاولة الظهور أمام العالم بوضع نصف معقول على الأقل، ولكن سرعان ما تدهورت الصورة أكثر فأكثر، ما يدفع إلى تقدير أن الغرب قد يقوم بحماقة أوسع عبر إرسال قواته إلى أوكرانيا حسب مقترح ماكرون الشهير، وربما من هنا تأتي عملية تغيير العقيدة النووية الروسية.
مفارقات مذهلة في تقدير الخسائر
المعروف عادة أن خسائر هذا الجانب أو ذاك في أية حرب تعتبر من الأمور السرية، وذلك انطلاقا من فعالية الحرب النفسية، فتزايد حجم الخسائر يُضعِف معنويات الجيش عادة ،وبالتالي تتم عملية تخفيض عدد الخسائر بالنسبة للجيش الذي يعلن الأرقام في صفوفه، وتضخيم عدد خسائر الخصم، نعم هذه آلية وأسلوب متبعان، ولكن الأمر يغدو شبيها بالطرفة رغم الطابع المأساوي الذي يتم الحديث عنه، حيث يمكن أن يختصر الخبر حياة مئات الآلاف ممن قتلوا فعلا، أو على العكس يزهق أرواح مئات الآلاف ممن هم على قيد الحياة، فقد أعلن موقع ميدازونا الروسي بالتعاون مع ال بي بي سي أنه تمكن من تحديد هويات أكثر من 66 ألف جندي روسي قتلوا أثناء المعارك منذ بدء العمليات العسكرية، وتصل بعض المبالغات الأوكرانية أحيانا حدا تصور فيه أنهم قرابة المليون، لكن المثير في الأمر أن بيانات الدفاع الروسية تشير إلى اقتراب عدد الجنود الأوكرانيين الذين سقطوا في المعارك اليومية خلال سنتين ونصف يقارب 700 ألف بين قتيل وجريح، وهو رقم معقول جدا نتيجة طبيعة المعارك الشرسة، ودحر القوات الأوكرانية من قرابة 20% من مجمل مساحة أوكرانيا، لكن الرئيس زيلينسكي المعروف بأنه ممثل كوميدي بارع أشار إلى رقم مضحك فعلا، حيث أعلن قبل أشهر أن مجموع ما فقدته القوات الأوكرانية هو 31 ألف عسكري!!!