تقارير منوعة

طابور الموت يطاول الأطفال العطشى في غزة

طلبت كرسياً متحركاً أو عكازاً طبياً لكن الجنود سخروا مني وأمروني بالتوجه إلى المواصي.. أين سيذهب الأطفال وأسرهم؟ إنهم ليسوا آمنين في المدارس والملاجئ، وليسوا آمنين في الجنوب، فأين يذهبون؟“.

تحت هذا العنوان أعدّ “عز الدين أبو عيشة” تقرياً إخبارياً نشرته “الإندبندنت” اليوم الجمعة 25/10 الجاري، بدأه بالقول: “لحسن حظ الطفلة قمر أنها كانت تقف خلف 70 شخصاً في طابور وهو ما أنقذها من الموت، وتقول إن (الذين كانوا في مقدم الطابور كلهم قتلوا، ورأيت الدم يجري على الأرض كما المياه، أما أنا فكنت بعيدة نسبياً لكن شظايا الانفجار تطايرت واخترقت إحداها قدمي). صرخت الطفلة قمر بصوت عال (رجلي تنزف دماً)، وعلى رغم حالتها لكنها سارت قفزاً على قدم واحدة وهربت نحو بيتها في جباليا شمال غزة، وعندما وصلت ارتمت في حضن أمها سهاد وأخذت تبكي وتتوجع من رجلها. وكانت قمر (سبع سنوات) تصطف في طابور طويل وسط شارع عمومي في مخيم جباليا منتظرة دورها في تعبئة مياه الشرب، وفجأة أغارت الطائرات الإسرائيلية على المكان وحول القصف خزان المياه إلى بركة دم”.

هربت للبيت من دون إسعاف

“ولحسن حظ قمر أنها كانت تقف خلف 70 شخصاً وهو ما أنقذها من الموت، وتقول إن (الذين كانوا في مقدم الطابور كلهم قتلوا، ورأيت الدم يجري على الأرض كما المياه، أما أنا فكنت بعيدة نسبياً لكن شظايا الانفجار تطايرت واخترقت إحداها قدمي). ولم يصل الإسعاف إلى مكان الحادثة، إذ توقفت خدمات الهلال الأحمر والدفاع المدني في شمال غزة بسبب الأوامر العسكرية الإسرائيلية بإخلاء جباليا وكذلك نفاد الوقود من سيارات نقل المصابين. واضطرت قمر إلى الهرب لوحدها من مكان القصف الإسرائيلي، ومثلها فعل جميع الموجودين، لكن للصغيرة قصة وجع وألم كبيرة، إذ أصيبت جراء اختراق شظايا من الصاروخ قدمها”.

المستشفى محاصر

“ولم تعرف قمر ما أصابها لكنها رأت قدمها تسيل دماً وحينها عجزت عن التصرف، وحاولت أن تطأ بها الأرض لكن الألم كان قاسياً وموجعاً، ومن دون تفكير أخذت تقفز على قدم واحدة حتى وصلت إلى بيتها. كانت قمر تبكي بحرقة وتردد عبارة واحدة “رجلي تنزف دماً”، فدخلت بيتها والدم ينقط من قدمها في كل مكان تسير فيه حتى وصلت إلى والدتها وارتمت في حضنها، وفزعت الأم من المنظر وبدأت تتفقد صغيرتها التي تحول لون جلدها الأبيض إلى أحمر، وكان ساخناً جداً. بواسطة عربة يجرها حمار نقلت سهاد طفلتها إلى مستشفى العودة، وهو المرفق الصحي الوحيد الذي كان يعمل في جباليا، لكن قبل الاقتراب من المبنى الطبي وجدت الأم الدبابات تحاصر المكان، وبسرعة أدارت الحمار وعادت للبيت”.

من دون علاج

“كانت سهاد تائهة وحائرة ولا تعرف ماذا تفعل، فربطت قدم الطفلة بواسطة حبل صغير، وهذا كل ما فعلته، أو هذا أقصى ما تستطيع فعله، وظلت جالسة قرب صغيرتها تتألم لألمها وتبكي من بكائها. وسهاد ربة منزل لا تجيد تقديم الخدمات الطبية ولا تعرف شيئاً من ذلك، وكانت عاجزة عن فعل أي شيء لطفلتها، فقد فرض الجيش الإسرائيلي حصاراً محكماً وحظر تجول على جباليا، وبسبب ذلك عجزت الأم عن نقل الصغيرة للعلاج. كانت سهاد تعتقد أن العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال غزة لن تستغرق وقتاً لكنها امتدت أياماً طويلة، وخلالها تعفنت قدم قمر والتهب الجرح ولم يندمل، وتضيف الأم (كانت حبيبتي لا تنام أبداً من شدة الوجع)”.

البتر لا مفر منه

“بعد 20 يوماً انهى الجيش الإسرائيلي حصاره المستشفى وحينها نقلت سهاد طفلتها قمر إلى المرفق الصحي، وفي قسم الاستقبال كان هناك مئات الجرحى والمصابين الذين ينتظرون دورهم للعلاج، لكن حال الصغيرة كانت أولوية مهمة. (أحدثت الشظايا التي تمركزت في قدم قمر التهاباً حاداً ولا حل أمامنا إلا بتر قدمها)، من دون أي مقدمات قال الطبيب المناوب هذه العبارة للطفلة وأمها، وبسرعة أدخلها غرفة العمليات لقص طرفها السفلي. ويقول المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) جيمس إلدر والذي كان يزور غزة حينها، (عايشت قصة الطفلة قمر، فلم يكن في المستشفى أي موارد طبية لازمة للتعامل مع الإصابات، واضطر الأطباء إلى بتر ساق الصغيرة). ويضيف: (في أي ظرف طبيعي لم تكن ساق هذه الصغيرة بحاجة إلى بتر، لكن حصار المستشفى أخر علاجها، وحتى لو لم يكن المرفق الطبي محاصراً فإنه كان بلا أدوية، والأمر الذي مرت به قمر لا يحدث إلا في غزة فقط). وتعاني مستشفيات شمال غزة الثلاثة وضعاً كارثياً، ويقول الوكيل المساعد لوزارة الصحة ماهر شامية إنها (تتعرض للقصف والحصار ومع ذلك تواصل عملها بصورة جزئية، والأطباء هناك غالبيتهم اعتقلهم الجيش أو رحلهم للجنوب)”.

تهجير قسري

“عندما انتهى الأطباء من بتر قدم قمر دخل الجيش الإسرائيلي إلى مستشفى العودة وأجبر سهاد والصغيرة على الإخلاء والنزوح والتوجه نحو الجنوب إلى المنطقة الإنسانية في خانيونس والمواصي، وسيراً على قدم واحدة فيما الثانية مبتورة لتوها، نزحت قمر من الشمال إلى الجنوب من دون أية أدوات مساعدة، وجربت التهجير القسري وهي تقول: (طلبت كرسياً متحركاً أو عكازاً طبياً لكن الجنود سخروا مني وأمروني بالتوجه إلى المواصي). كانت قمر تعيش في بيتها شمال غزة لكنها اليوم تعيش في خيمة مهترئة في منطقة المواصي غرب خانيونس، وتحيط بمأواها المياه الراكدة التي تنتشر البعوض والقوارض، وتقضي يومها تتحسر على ما أصابها، فهي لا تلعب ولا تتعلم ولا حتى تتحرك”.

قصة تحكي حال شمال غزة

“زار إلدر الطفلة قمر في خيمتها ووجدها تعاني صدمة عميقة وتأمل بأن تلبس طرفاً صناعياً، وترجت الصغيرة مدير إعلام (يونيسف) توفير طرف لها حتى جعلته يبكي على حالها، ويصف إلدر قصة قمر بالمفجعة إلا أنها ليست فريدة من نوعها وتتكرر بصورة يومية مع صغار مثلها. ويضيف إلدر أن (قصة قمر الواقعية فيها تجسيد حقيقي لما يعيشه أطفال غزة من ألم ونزوح وحرمان للعلاج ولحقوق التعليم وكل شيء، وإذا لم يحرك هذا المستوى من الرعب إنسانيتنا ويدفعنا إلى التحرك فإن حقوق الإنسان يجب أن تندثر وتدفن)، متابعاً أن (المنطقة الإنسانية تفتقر إلى المياه والصرف الصحي والمأوى، وهذا ما لم تتوقع الطفلة قمر تكرار تجربته كما كانت في الشمال)، ويسأل الموظف الأممي (أين سيذهب الأطفال وأسرهم؟ إنهم ليسوا آمنين في المدارس والملاجئ، وليسوا آمنين في الجنوب، فأين يذهبون؟”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى