صدر أواسط الشهر الفائت كتاب جديد للصحفي الاستقصائي الأميركي “بوب ودورد”، مفجّر فضيحة “ووترغيت” التي أطاحت بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام 1974، وقد أطلق على كتابه الجديد اسم “الحرب”، وما يهم المواطن العربي عموماً، والشعب المصري ونخبه على وجه الخصوص في هذا الكتاب، ما تم ذكره من تفاصيل لقاءات وزير الخارجية بلينكن مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيس وأركان حكمه في جولاته المكوكية المتواصلة للمنطقة منذ “طوفان الأقصى” المجيد، حيث أورد الكاتب: “وقبل عودة بلينكن الى اسرائيل عرج على مصر فالتقى السيسي بالقاهرة، فطلب السيسي من الوفد الأمريكي الخروج ليبقى مع بلينكن بمفردهما، فكان كل كلامه يتمحور حول نقطة واحدة وهي أنه “يريد فقط الحفاظ على السلام مع إسرائيل”. ثم “التقى الوفد المرافق لبلينكن – بعد خروجه من اللقاء بطلب من السيسي – بوزير الخارجية المصري سامح شكري ورئيس المخابرات عباس كامل. فقدم عباس كامل معلومات هامة للوفد الأمريكي عن عمق وامتداد الأنفاق تحت غزة. ووضح لهم أن حركة حماس متحصنة بغزة وسيكون من الصعب القضاء عليها. ويجب على إسرائيل ان لا تدخل لغزة دفعة واحدة، بل يجب ان يكون ذلك على مراحل. وان تترك المجال لقادة حماس بالخروج من الأنفاق قبل أن تقوم بقطع رؤوسهم مرة واحدة…”. وللتذكير عباس كامل ذاته هو الذي عاتب “الكيان” على تجاهل قادته لتسريباته حول عملية “طوفان الأقصى” قبيل حصولها، وهو الذي فاحت فضائحه في الولايات المتحدة وغيرها، والذي يبدو أن السيسي وجد نفسه مؤخراً مضطراً لاستبداله.
وها هي فضيحة السفينة الألمانية “كاترين” المحمّلة بعشرات آلاف أطنان المواد المتفجّرة لصالح “الكيان” المجرم، والتي رفضت كافة الموانيء الأوروبية وحتى الألمانية ذاتها تحمّل وزر استقبالها وتفريغها، تجد أخيراً الملاذ الآمن في ميناء الأسكندرية لتفريغ حمولتها ضمن صفقة مشبوهة ستنجلي خفاياها تباعاً مع المخابرات الألمانية التي أخذت على عاتقها تزويد تل أبيب بما تحتاجه من سلاح وعتاد في حرب الإبادة والجرائم ضد الإنسانية الموصوفة في غزة ولبنان في محاولة لكسر الحصار اليمني على موانيء فلسطين المحتلة، ولن يفيد نفي قيادة الجيش المصري في شيء، بعد أن تأكد للعالم أجمع شراكة النظام المصري في هذه الحرب الإجرامية، سواء من خلال ما يُسمّى الوساطة إلى جانب قطر، أو من خلال الحصار والتجويع الذي بدأه هذا النظام فور انتزاعه مقاليد الحكم بتدمير الأنفاق التي كانت الرئة التي يتنفس من خلالها القطاع المحاصر، وبلغت حدّ تهجير المواطنين المصريين في رفح المصرية المحاذية وهدم منازلهم، وسرقة وبيع المساعدات الإنسانية وهو ما فضحته دولة الكويت الشقيقة، والأتاوات التي يضطر الخارج من غزة فارّاً بحياته أو جريحاً لدفعها والتي تجاوزت فاتورة الشخص الواحد أكثر من عشرة آلاف دولار أمريكي.. وهنا نستذكر الصمت المريب الذي لاذ به الرئيس السيسي عندما إتهم الرئيس الأمريكي مصر بالمسؤولية عن إغلاق معبر رفح وحصار وتجويع غزة وعدم إيصال المساعدات الإنسانية. ويبدو أن الرئيس المصري اعتبر نفسه غير معني بالاتهام كونه ليس الرئيس المكسيكي الذي خاطبه به الرئيس الخرف بادين حينها.
وهنا يُثير المتابع للأحداث زوبعة من التساولات تتمحور حول المقصود بالسلام الذي يحرص السيسي على الحفاظ عليه مع “الكيان” المجرم: ألم يشاهد العالم أجمع شعار”عزبة سيناء” التي يتوشح بها الجيش الإسرائيلي باعتبار سيناء عزبة إسرائيلية خالصة، والخرائط التي يعرضها قادته علناً لحدود إسرائيل المستقبلية التي تتضمن شرق النيل كله مروراً بقناة السويس، ألم يسمع ما كشفه الإعلام الإسرائيلي نفسه عن حرق مئات الجنود المصريين أحياءً في أحراش القدس عام 1948، ودفن مئات أسرى الجيش المصري أحياءً في رمال سيناء بعد استسلامهم في حرب 1967.. ثم ألم يسمع تغنّي نتنياهو العلماني بالتزامه تحقيق “نبوءة أشعياء” التوراتية والتي تعني باختصار تدمير مصر حضارة وشعباً بالحصار والتجويع والأمراض الفتّاكة..فهل هذا “الكيان” العدواني يبادل السيسي الحرص ذاته على الحفاظ على “السلام” ؟!
ولعل ما تقدّم يُذكّرنا بنداء حامل “صندوق العجائب” الذي كان يجوب أحياء وقرى وبوادي فلسطين والمنطقة العربية في الزمن النقيّ الغابر، صادحاً:
“أمّا تفرّج يا سلام على عجايب الزمان”؟!