مَن قال بأن النازية الهمجية إنحصرت في الرايخ الثالث الألماني الهتلري، وانحسرت بسقوطه واستسلام ألمانيا المذلّ بعد هزيمتها المدوّية في الحرب العالمية الثانية.. ومَن قال بأن ما تقترفه عصابات “الكيان” المجرم في تل أبيب من إبادة جماعية وجرائم بحق الإنسانية ضد المدنيين العزّل من الأطفال والنساء والمسنّنين العجّز، بلغت حدّ حرقهم أحياء في خيام الإيواء في المناطق التي حدّدتها لهم تلك العصابات المُسمّاة زوراً وبهتاناً جيشاً و”مقدّساً”وما تحدثه من دمار لا مبرر له عمليّاتياً وأمنيّاً شتى في أعراف وقوانين ومواثيق الحروب الإنسانية والدولية.. مَن لا يزال يؤمن بمثل هذه الأقوال، فقد جهل بمجريات وسيرورة وصيرورة التارخ الغربي وجغرافيّته، وخصوصاً من المعجبين من أبناء العرب والمسلمين من دعاة التغريب والعصرنة والديمقراطية الغربية النموذجية، وبعض المنادين بالعلمانية والعولمة والتعصّب القُطْري الأعمى، وحتى بعض المتغنّين بالنموذج القومي الغربي، والعازفين على آخر موضة غربية وصهيونية مستوردة ممثّلة بما أسموه “الديانة الإبراهيمية” التي يرددها عدد من أدعياء الدين من علماء السلاطين، مغلّفين السياسة بعباءة الدين، وهذا ديدن المنافقين منذ تأسيسهم مسجد “ضرار” في المدينة المنوّرة والرسول حي يرزق بين ظهرانيهم.
لا نحتاج للغوص عميقاً في غياهب التاريخ البربري الأوروبي الغربي، والحروب البينية داخل أوروبا، والتي أودت بحياة عشرات الملايين من حرق روما، وحروب الثلاثين عاماً ثم المائة عام، وليس انتهاءً بالحربين العالميّتين الأولى والثانية.. لكننا في هذه العجالة سنسلّط الضوء على تصدير أوروبا الهمجية لأزماتها الداخلية باتجاه الآخرين من شعوب العالم الوادعة المطمئنّة، بدءاً بما ارتكبوه من مجازر وتدمير وحرق بإسم “الصليب” فيما يُسمّى بموجات الحروب الصليبية المتتالية في منطقتنا الشرق أوسطية، والتي لم تمّيز بين مسلم ويهودي وحتى مسيحي، مروراً بما ارتكبه مجرمو أوروبا من إبادة جماعية لما يُدعى قبائل الهنود الحمر المسالمين في قارتيْ أمريكا، وما ارتكبه الانكليز بحق سكان استراليا الأصليين الآمنين، وما ارتكبه الفرنسيين من إبادة الملايين من الجزائيين والأفارقة لدرجة جعلوا من ضحاياهم حقل تجارب لسلاحهم النووي المُدمّر، وما اقترفته الدول الأوروبية والولايات المتحدة الناشئة من مجازر وجرائم في بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية حيث وطأت أقدامها الغائصة في دماء الأبرياء وطالت أياديها الملطّخة بالدّماء.. والحديث في ذلك يطول ويطول…
هذه هي حقيقة أوروبا البربرية بلا عطور فرنسية ولا أجواخ إنجليزية ولا حلويّات سويسرية.. وهذه هي نسختها الأصيلة مسبقة الصنع في تل ابيب، وهذا نتاج فكر العلمانية الشاملة الأوروبي الذي شيّأ كل شيء وألغى القِيَم والأخلاق والفطرة الإنسانية، مستبدلاً إيّاها بمنطق “الغاية تبرر الوسيلة” و”أنا ومن بعدي الطوفان”، ومن هنا انبثقت الصهيونية العنصرية وصاغ الكتبة اليهود المنحرفين تورارتهم وتلمودهم ودمجوه في “الكتاب المقدّس” بما يتعارض مع كل ما نزل على موسى وعلى المسيح عيسى ابن مريم عليهم السلام في طور سيناء وفلسطين.. وهو ما يفترض الخجل منه والتواري عن الأنظار لا التباهي والافتخار.. ويكفي أن نقول في هذا المقام: مَن شابه أباه ما ظلم..!