أخيراً، وبعد 409 أيّام من الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي في قطاع غزة ثم لبنان، والتي يقترفها “الكيان” المجرم بصورة ممنهجة يومياً وبدعم غربي لا حدود له بل وبمشاركة فعلية.. تجرأ بابا الفاتيكان خلال قدّاس أمس الأحد 17/11 الجاري بمناسبة اليوم العالمي للفقراء في فاتيكان الكاثوليك المسيحيين التي يتبعها مليار و400 مليون منتشرين في شتى بقاع المعمورة، قائلاً للمرة الأولى: “بحسب بعض المحللين، ما يحدث في غزة يحمل سمات إبادة جماعية. يجب درس ذلك بعناية لتحديد ما إذا كان (الوضع) يتوافق مع التعريف التقني الذي صاغه الحقوقيون والمنظمات الدولية”. وهو الذي يتطرق بانتظام إلى ما يُسمّى محرقة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية “الهولوكست”، و”الإبادة الجماعية” للأرمن في ظل الإمبراطورية العثمانية، أو ما تعرض له “التوتسي” في رواندا، أو معاناة مسيحيي الشرق الأوسط دون الإفصاح عن مسببيها طبعاً…
إذا نظرنا بإيجابية إلى النصف الملآن من الكأس ـ كما يُفترض ـ فإن مجرد استخدام البابا لأول مرة مصطلح “الإبادة الجماعية” من دون أن يتبنّاه، بعد ان أعرب مراراً عن أسفه لعدد الضحايا المدنيين في غزة.. يعتبر تطوّراً ملحوظاً في الخطاب البابوي من جهة، واستجابة ـ ولو متأخرة ـ لما صدحت به حناجر ملايين المتظاهرين حول العالم، وخصوصاً في المجتمعات الغربية التي كانت مخدوعة ولعقود طويلة بالروايات الصهيونية الكاذبة والمفبركة، وجاءت الوقائع العنيدة لتُزيل الغشاوة عن العيون، وتوقظ الفطرة الإنسانية التي بذل ساسة ونخب الغرب المتصهينين جهوداً مكثّفة بغية وأدها طيلة قرون خلت، من جهة أخرى.. وخصوصاً كونها تأتي من بابا أرجنتيني الأصل والنشأة، ويمثّل أول سابقة منذ نحو ألفيْ عام يتم اعتلاء الكرسي البابوي من خارج أوروبا وإيطاليا، وممّن يحلو للغرب تسميته بدول “العالم الثالث”.
أمّا ونحن على أبواب عيد ميلاد السيّد المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام الفلسطيني الناصري، ليلة 25 من الشهر القادم، حيث سيُعلن انطلاق احتفالات عام اليوبيل كتقليد روماني كاثوليكي تاريخي كل ربع قرن، لتجديد مُثل المسيح الإنسانية ورسالته العالمية للسلام والعدل في الأرض.. فهل سيكون لتلميح البابا للإبادة الجماعية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني بعد صمت طويل، صدى في عواصم الغرب الاستعماري، وتحفيز لمئات الملايين من أتباعه لمزيد من الضغوط الأكثر شدّة في الشوارع والميادين العامة على صُنّاع ومُتّخذي القرارات الداعمة للكيان عامة، ومُمدّيه بالسلاح الفتّاك المستخدم في هذه الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، أثر فعّال في وقف هذه الحرب الإجرامية غير المسبوقة في التاريخ البشري.. وهل يقتدي بعض أحبار المسلمين، فيتوقّفوا عن فتاويهم بحق الشعب الفلسطيني واللبناني المقاوم، والتي تتساوق مع روايات عصابات “الكيان” المتغطرس، وتُلبس رغباتهم السياسية ثوب الدين الحنيف، محرّفين الكلم عن مواضعه.. وإن كانوا لا يستطيعون التوقّف لاعتبارات ومكاسب دنيوية خاصة، فليصمتوا على الأقل…