
“إعادة النظر بصورة جذرية وشمولية في صيغة منظومة الأمم المتحدة برمّتها، وإعادة بناء نظام عالمي جديد أكثر عدالة ومساواة وحزماً، وهو ما يستدعي تضافر جهود كافة الدول والشعوب المنضوية والمتضررة من هذا النظام الحالي القائم على الظلم والتمييز والهيمنة وشريعة الغاب. أحد أهم أسباب طوفان الأقصى يكمن في غض الطرف الدولي، وتجاهل الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني والعجز الدولي المُريب عن تطبيق القرارات ذات الصلة، وحتى فرض إلتزام “الكيان” المارق بما وقّعه من اتفاقيات ومعاهدات برعاية أمريكية ومصادقة دولية، وتماديه في انتهاك القانون الإنساني الدولي بمنتهى الغطرسة والعنجهية.”
أخيراً استيقظ الضمير الإنساني لدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وعبر تغريدة له على منصة (إكس) لصاحبها “إيلون ماسك” الأشهر من أن يُعرّف، معلناً بجرأة طال انتظارها: “الكارثة في غزة ليست سوى إنهياراً تامّاً لإنسانيّتنا.. يجب أن يتوقّف هذا الكابوس” مؤكّداً على أنه “لا يمكننا الاستمرار في غض الطرف”.. لكنّه تجاهل كالعادة على تسمية الأمور بمسمّياتها، وتحميل المسؤوليات عن هذا الانهيار بعد 14 شهراً من مشاهد جرائم الإبادة والتدمير المبيّت حصدت أكثر من 150 ألفاً بين شهيد وجريح من المدنيين الأبرياء جلّهم من النساء والأطفال وفق تقارير منظماته ذات الاختصاص، وأين كانت الإنسانية طيلة هذه المدة، ولماذا غض الطرف القاتل حتى اللحظة، وهو المسؤول المكلّف بتطبيق القانون الإنساني الدولي وفرض الأمن والسلم الدولي؟!
جدير بالذكر أن الشعب الفلسطيني يتعرض لغياب الضمير الإنساني العالمي، ولظلم تاريخي تراكمي منذ أكثر من قرن بطوله وعرضه، وان غض الطرف عن ذلك بدا بعصبة الامم المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى، وورثته منظمة الأمم المتحدة المنبثقة بعد الحرب العالمية الثانية، وانعكس حتى على ميثاقها والقانون الإنساني الدولي وكافة ملحقاته، وكأن “الإنسان الفلسطيني” ومَن على شاكلته مستثنين من شموليته، وكأنه تم تفصيله على مقاس الغرب الاستعماري وربائبه وأداة بيدهم لتطويع الآخرين، وحتى القرارات والمعاهدات التي اضطر هذا الغرب للموافقة عليها نقضها وحال دون تطبيقها، ولا يزال، دون رقيب ولا حسيب…
وكي نكون منصفين، فإن غوتيريش لا يتحمّل مسؤولية مَن سبقه من الأمناء الثمانية الذين سبقوه في تقلّد منصب الأمين العام للأمم المتحدة.. لكنه مسؤول عن كلّ ما جرى منذ عام 2017، وهو الدبلوماسي البرتغالي وعضو الحزب الاشتراكي البرتغالي ورئيس وزراء البرتغال طيلة سبعة أعوام من 1995 ولغاية 2002.. فلم نسمع منه موقفاً واضحاً عند إقرار الدولة القومية اليهودية اواسط عام 2018 والتي انقلبت فيها “إسرائيل” على نفسها، وأظهرت وجهها الحقيقي العنصري النازي وكرست دولة “الأبارتهايد”.. ولم نر موقفاً حازماً عند خرق ترامب لكافة قرارات الأمم المتحدة حتى المصادق عليها من واشنطن بشأن القدس والجولان…
وعليه، فإن أحد أهم أسباب طوفان الأقصى يكمن في غض الطرف الدولي، وتجاهل الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني والعجز الدولي المُريب عن فرض تطبيق القرارات ذات الصلة، وحتى فرض إلتزام “الكيان” المارق بما وقّعه من اتفاقيات ومعاهدات برعاية أمريكية ومصادقة دولية، وتماديه في انتهاك القانون الإنساني الدولي بمنتهى الغطرسة والعنجهية. وتطاوله على غوتيريش نفسه واعتباره شخصاً غير مرغوب فيه ووصمه بأكذوبة “معاداة السامية” وتمزيق ميثاق الأمم المتحدة على رؤوس الأشهاد، ووصم الأمم المتحدة ومنظماتها بالإرهاب، والتطاول رفضاً وتهديداً للمحاكم الدولية كمؤسسات وكقضاة.. وكل هذا وسواه الكثير كان يفترض ويستدعي من غوتيريش ان يكون أكثر تحديداً ووضوحاً وتحميلاً للمسؤوليات عن كارثة غزة التي أدّت إلى الانهيار التام للإنسانية، ويبادر إلى المطالبة تحت البند السابع لإيقاف هذه الكارثة المتواصلة، وإيقاف مزوّدي “الكيان” المجرم بالسلاح الفتّاك المستخدم في الإبادة والتدمير، وطرد هذا “الكيان” المارق من عضوية الأمم المتحدة، وذلك أضعف الإيمان.
وكي لا نحمّل الأمين العام للأمم المتحدة أكثر ممّا يحتمل، فإن منصبه كسكرتير يقتضي إعادة النظر بصورة جذرية وشمولية في صيغة منظومة الأمم المتحدة برمّتها، وإعادة بناء نظام عالمي جديد أكثر عدالة ومساواة وحزماً، وهو ما يستدعي تضافر جهود كافة الدول والشعوب المنضوية والمتضررة من هذا النظام الحالي القائم على الظلم والتمييز والهيمنة وشريعة الغاب.