يبدو أن فرنسا بعد أفول نجمها كإحدى قوى الاستعمار الغربي القديم، وطردها المذل من مستعمراتها في القارة السوداء الواحدة تلو الأخرى، وفشل كلّ محاولاتها لاسترداد وزنها كقوة عالمية عبر البوابة الأوكرانية، وما أصابها من وهن حتى داخل عقر دارها الأوروبية.. ها هي تلجأ إلى دفاترها القديمة أيّام مجدها الاستعماري الغابر، ومَن غير لبنان ليعيد لها مجدها التليد ـ كما تعتقد ـ الذي لن يعود مطلقاً، فعجلة التاريخ لن تعكس مسارها نحو الماضي مطلقاً، وكان غيرها أشطر ـ كما يقال.
الخداع الفرنسي في الساحة اللبنانية يأخذ منحنييْن، المنحى الاقتصادي ، ومنحى دور الجيش اللبناني. فأما المنحى الأول، فاستفاقة فرنسا على الوضع الاقتصادي اللبناني المزري يأتي متأخراً جداً ولسنوات وربما لعقود طويلة من الإهمال، وهو ما يثير الريبة من هذه الاستفاقة الفرنسية المفاجأة وفي هذا التوقيت بالذات، وهو تماماً ما يلتقي مع وعود نتنياهو للشعب اللبناني بالرخاء والازدهار وحل كافة مشاكله الاقتصادية، شريطة التخلّي عن مقاومته المستعصية على نخب جيشه المدجج بالسلاح الغربي ومنه الفرنسي الذي يفتك بلبنان كل لبنان قتلاً وتدميرا. وأمّا المنحى الثاني، فهو كذلك التفافاً غير بريء لتحقيق مطالب “الكيان” بكسر وحدة أركان المثلث الذهبي: الشعب، الجيش، والمقاومة. وتغيير عقيدة الجيش اللبناني وتحويله إلى مجرد فصيلة ملحقة بجيش “الكيان”، ليؤدي ما عجز عن القيام به رغم إدعائه بأنه الأقوى في المنطقة وصاحب “اليد الطولى” في العالم أجمع. أي تحويله إلى نسخة كربونية لجيش لبنان الجنوبي بقيادة الرائد سعد حدّاد وخلفه أنطوان لحد. بحيث يقوم بنزع سلاح المقاومة مصدر قوة لبنان والذي جعل منه لاعباً إقليمياً بل وعالمياً مهما على خارطة العالم. وهنا نستذكر عندما حاول “الكيان” نفسه تغيير دور الجيش اللبناني كجيش وطني إلى أداة بيد ميليشياته العميلة ـ الغنية عن التعريف ـ إبان ما يسمّى حرب السنتين الأهلية، فانشق هذا الجيش حينها وخرج منه الجيش العربي بقيادة أحمد الخطيب، وهذا ما يحصل عادة حينما يتخلى أي جيش عن دوره في الدفاع عن حمى الوطن، ليستخدم في الخلافات الداخلية. وإذا كانت مصلحة وأهداف الكيان المتغطرس واضحة ومفهومة، فما هي مصلحة فرنسا في تمرير تلك المصالح والأهداف، وأين كانت فرنسا ومن خلفها الولايات المتحدة وهم يساهمون فيما وصل إليه الجيش اللبناني من حال بائس، وهم الذين منعوه من امتلاك أية أسلحة نوعية، واكتفوا بإمداده بالبزّات والخوذ والأسلحة الفردية وعدد محدود من جيبات الهمر، وهم الذين روّجوا لمقولة قوة لبنان في ضعفه، إلى أن جاءت المقاومة لتحقق قوة لبنان في وحدة ثالوثه الذهبي.
ورغم هذا الدور الفرنسي المخادع لتحقيق المطالب الإسرائيلية المعلنة التي عجزت عن تحقيقها في الميدان، إلّا أن هذا “الكيان” يرفض الانفراد الفرنسي في الساحة اللبنانية ويطالب بوصاية دولية متعددة الجنسيات بقيادة أمريكية، بحيث تكون فرنسا ملحقاً هامشياً كما هي في الساحة الأوكرانية ليس أكثر من ذلك. متنكراً كعادته للدور التسليحي الفرنسي منذ إنشائه ولغاية اللحظة ، والذي جعل منه قوة نووية وحيدة في المنطقة، ووفر له الانتصار الساحق في حرب حزيران 1967، ناهيك عن مشاركته في العدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر عام 1956، ومشاركته الفعلية في حرب الإبادة والتدمير في غزة وحتى في لبنان الذي يتباكى الفرنسي عليها ويريد لها الأمن والسلام والسيادة كما يدّعي.
وباختصار إذا كانت فرنسا حريصة على سيادة لبنان، فعليها أولاً استعادة سيادتها المنتكهة أيّما انتهاك من واشنطن، وحتى من “الكيان” المجرم الذي ما زالت تسلّحه وتشاركه في جرائمه وانتهاكاته التي لا حدود لها للقانون الإنساني الدولي الذي ما زالت تتغنّى بالحرص عليه، فالمكتوب يُقرأ من عنوانه يا صهر عائلة روتشيلد!