
ذات السيناريو العراقي يتكرر في سوريا، ذات الخطوط العامة الرئيسية، وبذات الأساليب العسكرية والأمنية والإعلامية، ولذات الأهداف.. مع اختلافات تفصيلية جزئية فرضتها تباينات اللاعبين، واختلافات الجغرافيا وطبيعة تركيبة المكوّنات الديمغرافية، فضلاً عن التعارضات في مصالح القوى المشاركة، رغم إجماعها على الهدف الرئيس المتمثّل في إسقاط النظام البعثي السوري القائم بعد 61 عاماً منذ 1963، وعائلة الاسد التي حكمت 53 عاماً موزّعة بين الأب حافظ الوحش المُكنّى “الأسد” -1971 لغاية 2000- وخلفه الإبن بشار حتى فجر الثامن من الشهر الجاري.
كما أُسقطت بغداد أُسقطت دمشق إعلامياً قبل سقوطها ميدانياً، لكن سقوط بغداد كان بواسطة تحالف دولي مدعوم إقليمياً، أمّا دمشق فسقطت من خلال وكلاء بمسميات محلية سورية مدعوم إقليمياً بقيادة فعلية من ذات التحالف الدولي بزعامة واشنطن وبريطانيا ومَن ارتأتهما من شركاء دوليين لعل أهمهم نظام أوكرانيا، لكن هذا التحالف توارى في غرف العمليات السرّية لاعتبارات خاصة يطول شرحها.
وكما تم تدمير الجيش والدولة العراقية مباشرة من التحالف، تم تدمير الجيش السوري وقواه البرية والجوية والبحرية عبر أكثر من 750 غارة شنها “الكيان” المجرم والولايات المتحدة، تحت مبررات سخيفة لا تستحق الذّكر، لعل أسخفها محاولة إقناع روسيا بأن التدمير يخدم روسيا كي لا تذهب هذه الأسلحة لأوكرانيا وتُستخدم ضدّها…
وكما سبق العمل الأمني والاستخباراتي الفعل العسكري، مثلما حصل في العراق، فكانت التفجيرات المذهبية الممنهجة، وكان حل الجيش وكافة الأجهزة العسكرية والأمنية، وكان دستور برايمر الطائفي، وقرار “اجتثاث البعث”، وقائمة المطلوبين عبر أوراق اللعب المعروفة، وملاحقة العلماء والنّخب والكفاءات العراقية وتصفية مَن لم ينصع لإرادة الاحتلال، واستباحة “الموساد” الأراضي العراقية بمنتهى الحرية والراحة. ثم كانت “داعش” لتبرير استمرارية هذا الاحتلال البغيض المتواصل، وضمان مواصلة نهب ثروات وخيرات الشعب العراقي واستمرارية تخلّفه وحصر اهتماماته بمطالب حياتية معيشية ورغيف خبزه وقوته اليومي، ولا يزال الوضع على ما هو عليه حتى اللحظة.. كذلك يبدو أن هذا الأمر سينسحب على سوريا بصور جديدة ومبررات متباينة، خصوصاً بعد تدمير الجيش السوري: الجيش الأول في دولة الوحدة المصرية-السورية حتى تاريخه. وبهذا لم يبق في طابور تدمير الجيوش العربية الأخطر على التوالي سوى تدمير الجيش المصري الثاني والثالث لضمان أمن واستقرار “الكيان” بحسب المجرم البولندي “بن غوريون”…
لعل ما أفشلته قوى النظام السوري الجديد مما كان يريده ويسعى لحصوله أعداء الوطن والشعب السوري، من حرب أهلية وفتنة داخلية، وانتقال سلس وسلمي للسلطة حتى اللحظة، والتصريحات والتطمينات حتى التركية والإقليمية لوحدة وسلامة الوطن السوري.. هو خطوة أولية إيجابية ومُشجّعة، لكنها غير كافية لإفشال ما يُراد لسوريا. فلن تقف أطماع “الكيان” المتغطرس والمسعور المفتوح الشّهية عند ما أنجزه من تدمير واحتلال عسكري، بل سيواصل اقتناص هذه الفرصة التاريخية وفق ما أدلى به المجرم المطلوب للعدالة الدولية البولندي النازي “بنزيون ميليكوفسكي” لتصفية علماء وكفاءات ونُخب الشعب السوري، وفق قوائم جاهزة ومُعدّة مسبقاً، والإجهاز على ما تبقّى من مقوّمات الدولة السورية بعمليّات أمنية من اغتيالات وتفجيرات متنقّلة قد تُقيّد ضد مجهول، لتحويل سوريا إلى دولة فاشلة لعقود قادمة. والأهم مواصلة إذكاء نار الفتنة والحرب الأهلية وإراقة الدماء، وتأجيج مشاعر الثأر والانتقام خارج إطار القانون، وهو أهم عنصر يعتاش عليه هذا “الكيان” البربري عدو البشرية والإنسانية جمعاء، وما الفيديوهات الممنهجة والمسرّبة حول بعض عمليات القتل والسّحل خارج القضاء والقانون، وانتشارها كالنار في الهشيم سوى نماذج مصغّرة لما قد يُقدم عليه “الموساد” وعملائه، وطبعاً بدعم ومباركة وربما مشاركة أمريكية وغربية ومَن يواليهم، وفي تجارب فلسطين والعراق وليبيا وغيرها الكثير من الدروس والعِبَر، لمَن يريد أن يعتبر…