قبل ما يقارب 75 عاماً، وتحديداً عام 1950 بادرت 7 دول عربية: مصر، الأردن، سوريا، العراق، السعودية، لبنان، واليمن إلى إبرام ما يُسمى “اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ولحقت بها تباعاً بقية الدول العربية، على أن “تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها، اعتداء عليها جميعا، ولذلك فإنها عملا بحق الدفاع الشرعي (الفردي والجماعي) عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما”. ثم انبثقت عنها منظمتان رئيسيتان للجامعة العربية: مجلس الدفاع المشترك من وزراء الدفاع والخارجية، و”المجلس الاقتصادي” الذي أُعيدت تسميته إلى “المجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 1980. ثم تشكّلت “هيئة استشارية عسكرية من رؤساء أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة للإشراف على اللجنة العسكرية الدائمة المنصوص عليها في المادة الخامسة من المعاهدة، والتي تختص بإعداد الخطط العسكرية لمواجهة جميع الأخطار المتوقعة أو أي اعتداء مسلح يمكن أن يقع على دولة أو أكثر من الدول المتعاقدة أو على قواتها. ثمّ حمل عام 2015 تطوراً جديداً ذا صلة بالاتفاقية، إذ جرى استحداث بروتوكول لتشكيل قوة عربية مشتركة، حيث وافق مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة في 29 آذار/ مارس من ذلك العام على إنشاء قوة عربية مشتركة لصيانة الأمن القومي العربي التزاماً بميثاق الجامعة العربية، والوثائق العربية ذات الصلة، بما فيها معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة”.
وقبل أكثر من 55 عاماً، وتحديدأ يوم 25/9/1969 تأسست في الرباط المغربية ما يُسمى “منظمة المؤتمر الإسلامي” والتي حملت لاحقاً اسم “منظمة التعاون الإسلامي وتضم 57 دولة إسلامية تعتبر نفسها تمثّل “الصوت الجماعي للعالم الإسلامي”، وذلك كردّة فعل بعد حريق الأقصى في 21/8/1969، وتدّعي مسؤولية “حماية المصالح الحيوية للمسلمين” الذين تجاوز تعدادهم الملياريْ مسلم. وبعد ستة أشهر من الاجتماع الأول، تبنى المؤتمر الإسلامي الأول لوزراء الخارجية المنعقد في مدينة جدة السعودية في آذار 1970 إنشاء أمانة عامة للمنظمة، كي يضمن الاتصال بين الدول الأعضاء وتنسيق العمل، وعُيّن وقتها أمين عام واختيرت جدة مقرًا مؤقتًا للمنظمة، بانتظار تحرير القدس، حيث سيكون المقر الدائم. ثمّ عقد المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية جلسته الثالثة، في فبراير 1972، وتم وقتها تبنى دستور المنظمة، الذي يفترض به تقوية التضامن والتعاون بين الدول الإسلامية في الحقول الاجتماعية والعلمية والثقافية والاقتصادية والسياسية. وتتكون منظمة التعاون الإسلامي من الأجسامِ الرئيسية التالية: مؤتمر الملوك ورؤساء الدول والحكومات: وهو يشكل السلطة الفعلية والعليا للمنظمة ويجتمع مرة كل ثلاث سنوات لوضع سياسة المنظمة. مؤتمر وزراء الخارجية: وهو يلتئم مرة في السنة لدراسة تطورات وتقدّم العمل في تطبيقِ القرارات التي تم وضعها في اجتماعات القمّة الإسلامية. الأمانة العامة. جهاز المنظمة التنفيذي: الذي يتوقع منه متابعة القرارات وحث الحكومات على تطبيقها. ثم انبثقت أربعت لجان دائمة في مقدّمتها لجنة القدس التي يرأسها ملك المغرب ومقرها الرباط، وثمانية أجهزة متفرّعة، وأربع مؤسسات وأجهزة متخصصة، و13 مؤسسة أخرى.
وما أن وضعت الحرب العالمية الغربية الثانية أوزارها، واطمأن الغرب الاستعماري على نجاح مشروعه القتالي العدواني التوسّعي في منطقة الشرق الأوسط عام 1948، حتى بادرت واشنطن التي تولّت دفة قيادته على تأسيس حلف “الناتو” بناءً على معاهدة شمال الاطلسي الموقّعة في واشنطن يوم 4/4/1949 أسمته نظاماً للدفاع الجماعي شكلاً، لكنه كان نظاماً هجومياً عدوانياً فعليّاً. ثم تضخّم هذا الحلف وتوسّع شرقاً بالدرجة الأولى وفي كلّ الاتجاهات، ضارباً بعرض الحائط كافة وعوده ومعاهداته بعكس ذلك. إلى ان أصبح يتكوّن من 32 دولة كعضو مستقل في امريكا الشمالية وأوروبا، و21 دولة مشاركة فيما يُسمى برنامج “الشراكة من أجل السلام”، و15 دولة أخرى في برامج “الحوار المؤسسي”…
وبعد أكثر من 6 سنوات، وفي خطوة متاخرة كرد فعل على انضمام ألمانيا الغربية إلى “الناتو” بعكس ما اتفق عليه مع روسيا في مؤتمر “يالطا” مع ستالين حينها، وتحديداً يوم 14/5/1955، تشكّل ما عُرف رسميّاً “معاهدة الصداقة والتعاون والمعونة المشتركة” وما يُدعى “حلف وارسو”، والذي كان إيذاناً بتشكيل النظام العالمي ثنائي القطبية، واستعار الحرب الباردة الضروس التي انتهت يوم 1/7/ 1991 بحلّ حلف وارسو وهيمنة القطب الواحد بزعامة واشنطن على العالم، وتوحّش الناتو وانتشار الفتن والحروب العدوانية المدمّرة والتي تحتاج إلى مجلّدات لتعدادها ودراستها، بعيداً عن ميثاق منظمة الأمم المتحدة والقانون الإنساني الدولي، ولا يزال العالم يعاني من ويلات هذه الهيمنة الظالمة لنظام “شريعة الغاب” الأمريكي المتغطرس حتى اللحظة. ويُشار هنا أن أحد أهم أسباب انهيار حلف وارسو كان الخلاف الروسي الصيني، والذي يُدركه الناتو ويسعى جاهداً للحيلولة دون أي تقارب روسي صيني كهدف استراتيجياً له في المقام الاول…
أما وقد وجد الشعب الفلسطيني واشقائه العرب والمسلمين أنفسهم أمام البطش الإسرائيلي الأمريكي الغربي، والعجز الرسمي العربي والإسلامي، الذي استجدى نظامه الرسمي الحماية والدعم من جلّادي شعوبه وناهبي مقدّراته وثرواته، كما “القط الذي يعشق خَنّاقه”، فإن الكرة الآن باتت في ملعب هذه الشعوب وأحرار العالم والدول التي تواجه هيمنة وظلم واشنطن والناتو ومَن يُشايعهم، لأخذ القانون الإنساني الدولي بأيديهم، وفرضه بالقوة الجبرية مهما غلت التضحيات.