في أرض المعجزات المباركة فلسطين تُصنّع خميرة المعجزات، وتُعجَن من ترابها الطاهر البطولات، فتُنتِج شعباً حيّاً لا يعرف لليأس طريقاً ولا يرتضي ذُلاً ولا ظلماً ولا خنوعاً.. وإذا كان العالم المسيحي ابتدع يوماً واحداً في العام الميلادي للاحتفال بقيامة السيد المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام. فإن شعب المسيح الناصري الفلسطيني قد جعل كلّ أيام العام يومَ قيامة.. وها هو في اليوم الـ 408 ما زال يقاتل بعنفوان قتاله المشهود في اليوم الأول للحرب، ويصنع ملاحم بطولة وصمود وصبر لا نظير لها في التاريخ الإنساني المنظور، ولا تدركها حسابات عالم الأرقام والماديّات الراهن، الذي لم يتوصّل ولن يتوّصل لاختراع أجهزة قياس المعنويّات والإرادات والصّبر الجميل والإيمان الراسخ والثّقة الثابتة بحتمية الانتصار، وهو ما لا يُدركه سوى الفلسطيني، ومَن سانده وآمن بما يؤمن به من مسلّمات.
وكي تتضح ملامح المعجزة الأسطورة التي يصنعها الشعب الفلسطيني المجبول بترابها الأزلي، ذات الطين الذي صنع منه المسيح معجزاته المعروفة لكلّ متدبّر، لا بدّ من استخدام لغة الأرقام التي يفهمها العالم المعاصر في القرن الحادي والعشرين. 408 أيام كانت حصيلتها حوالي 150 ألف شهيد وجريح في قطاع غزة وحده من أصل حوالي 2.2 مليون نسمة، بنسبة تقارب 7%. وبالقياس فإن هذه النسبة قياساً بتعداد السكان تعادل في الهند 100 مليون و660 ألفاً من أصل 1.438 مليار نسمة، وفي الولايات المتحدة أكثر من 23 مليوناً ونصف المليون من أصل 336 مليون نسمة، وفي “الكيان” تعادل 700 ألفاً من أصل حوالي عشرة ملايين… ناهيك عن تحليل تفاصيل رقم 150 ألفاً والذي أقرّ أحدث تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن 70% منهم من الأطفال والنساء، أما كيف وبماذا استشهدوا وجرحوا فحدّث ولا حرج.
408 أيام فضحت عجز المنظومة الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي عن تطبيق القانون الإنساني الدولي، وكأن هذه المنظومة والقانون قد تم تفصيله وإقراره ليكون سيفاً بيد الدول الكبرى الظالمة، تستخدمه متى وكيف تشاء لإخضاع بقية شعوب الأرض لها ولها حصراً، وخصوصاً في الغرب الاستعماري البغيض الظالم. وأمّا العدالة الدولية والقِيم والأخلاق الإنسانية فلا محلّ لها من الإعراب لدى هذا الغرب البربري المتوحّش الذي كشفته فلسطين على حقيقته.
150 ألفاً تضم عائلات شطبت بكاملها من السجل المدني، وكل فرد منهم كان له أحلام وأماني وآمال وتطلّعات نحو المستقبل، اغتالها “الكيان” والغرب الاستعماري مع سبق إصرار وترصّد، ودون أن يرفّ له جفن أو حتى يشعر بالخجل وهو يتحدّث عن “معاداة السامية” وفظائع محرقة “الهولوكست” النازية وفظائع هتلر الألماني، والأنكى أنه يطالب العالم بالحيلولة دون تكرار ذلك، وهو يرتكب يوميّاً “هولوكست” حقيقي متجدّد في فلسطين ولبنان بلا خجل ولا وجل.
408 أيّام وما زالت غزة المحاصرة والمجوّعة والمخذولة تقاوم وتقاتل، وتثخن قتلاً في عصابات “الكيان” النازي المجرم وفق اعترافاته الشحيحة، مخيّبة أوهام الواهمين كل الواهمين برفع الراية البيضاء، ومبدّدة أحلام النازي البولندي “بنزيزن ميليكوفسكي” وعصابته المجرمة بتحقيق “النصر المطلق” و”تغيير الشرق الأوسط” بحدّ السيف و “اليد الإسرائيلية الطولى”. وستبقى غزة وفلسطين بشعبها “شعب الجبّارين” تقاتل وتنتصر، وسيذهب نتنياهو وكيانه الهمجي إلى مزابل التاريخ حيث سيلتحق بمن سبقه على أرض فلسطين المباركة وشعبها الأبي شعب “القيامة” الحقيقية. وإن غداً لناظره قريب.