من البداهة القول أن هذا الكون الفسيح يُدار بقوانين الرياضيات الصارمة والتي تمثّل السنن الكونية الموضوعية التي لا تطالها يد البشر ولا قوة لأحد على ضبطها او التحّكم بسيرورتها وصيرورتها، وكل ما يمكن للعقل البشري أن يفعله هو اكتشافها والتعامل معها كما هي كمسلّمات ثابتة.. ثم يأتي الفيزيائيون بعد وضع أو اكتشافها علماء الرياضيات للقوانين الرياضية التجريدية استناداً لعلم المنطق، ليترجموا في معاملهم التجريبية تلك القوانين، ويسخّروها لخير أو لشرّ الإنسان، مستخدمين نظريات الاحتمالات اللانهائية.. وحده “الكيان” المتغطرس ومَن على شاكلته في التاريخ البشري لا يدركون هذه السنن الكونية البديهية، ويحاولون عبثاً ليّ عنق الحقائق وتغيير تلك المسلّمات ويواصلون طغيانهم وغيّهم حتى تكسر أعناقهم، ولا يعودوا لرشدهم سوى بعد فوات الأوان ووقوع الفأس بالرأس.
وكي نسقط ما تقدّم على مجريات الأحداث المستعرة في المنطقة باستخدام علم الفرضيات، نقول: ماذا لو قبل لبنان حكومة ومقاومة بشتى طوائفه ومرجعاته كافة شروط “الكيان” التي حملها المبعوث الأمريكي رسمياً الإسرائيلي فعلياً أموس هوكشتاين، والتي باتت معروفة للجميع، هل سينعم بالأمن والسلام والرخاء والازدهار الذي تشدّق به “نتنياهو” المجرم.. وماذا لو قبل النظام السوري بالتنازل عن الجولان وإبرام صك استسلام، وتبادل السفارات بين تل أبيب ودمشق، هل سينتهي استهداف الوطن والشعب السوري.. وماذا لو تنازل النظام الهاشمي عن ولايته على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، وقَبِل بتهجير أبناء الضفة الغربية للضفة الشرقية، بل وانصاع للوطن البديل، هل سيُبقي “الكيان” النظام الملكي الهاشمي على حاله.. وماذا لو أبرم العراق معاهدة “سلام” وتبادل السفارات.. هل سيغض “الكيان” النظر عن استهدافه والثأر من الشعب والوطن العراقي على ما اقترفه نبوخذ نصّر قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة.. وماذا لو تنازلت السعودية عن المدينة المنوّرة ودفعت التعويضات التي يطالب بها “الكيان” باسم بني النضير وبني قينقاع وبني قريضة وفوقهم خيبر.. هل سيتركون النظام الملكي والشعب السعودي على حاله.. وماذا لو أعاد النظام المصري سيناء وتنازل عن قناة السويس ومياه النيل وفروعه.. هل سينسى “الكيان” ما وعد به نتنياهو من تحقيق “نبوءة أشعياء” وفرضها بحذافيرها على الشعب والوطن المصري.. وماذا لو تنازل النظام التركي عن جنوب تركيا وفق ما هو وارد في خريطة “حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل”… هل سيتراجع سموتريتش عن طموحة بتحويل اسطنبول عاصمة لكيانه ووعده بمفاجاة العالم بتحقّق ذلك… وكذلك الحال على الكويت المشمول بتلك الخريطة المعلنة..؟!
لعل الجواب القاطع على هذه الفرضيات وسواها، جاء على لسان نتنياهو الذي أطلق هدف “تغيير الشرق الأوسط” بحد السيف و”اليد الطولى”، ولن توقفه قوة في العالم عن تحقيق ذلك، ولا حتى وليّ أمره في واشنطن وعواصم الغرب الاستعماري، ولا يستثني من هذا التغيير حتى فرسان ما يُدعى “السلام الإبراهيمي” طبعاً. وحتى لو أذعن “الكيان” لهدن وإيقاف للحرب الحالية، فسيكون ذلك استراحة مؤقته تحيّناً لاستكمال لاحق لأن مبرر وجوده وصنعته وصناعته “الحرب” وهاجسه المَرَضي المزمن “الأمن”، ولعبته الخبيثة بالشراكة الأمريكية والغربية هي تقديم اقتراحات ومشاريع يعرف سلفاً برفضها واستحالة قبول الآخر لها، وحتى في حال قبول الآخر بها سيضع العراقيل ويتحايل لرفضها بحجة عدم جدية الآخر في الموافقة عليها. وهي عملية متكررة ليس بعد “طوفان الأقصى” بل ومنذ قرار التقسيم الذي أجّل بن غوريون العمّالي العلماني الإفصاح عن رفضه له كي يسبقه العرب برفضه، وهو صيغ أصلاً كي يرفضه العرب والفلسطينيون.. فهل من عاقل يصدّق قبول هكذا “كيان” بأنصاف الحلول، وهل إلى استيعاب هذه دروس التاريخ، وما أكثرها، من سبيل؟