
ما أن صدرت الأوامر بمجرّد وقف إطلاق النار لا الحرب على لبنان، وأذعن “الكيان” على مضض بعجزه عن تحقيق مبتغاه من المضي فيها.. حتى صدرت الأوامر ومن المصادر ذاتها بتغيير بوصلة الحرب على لبنان، واستبدال البيادق المستخدمة على رقعة شطرنج الشرق الأوسط والعالم، بل وإعادة تموضعها من جديد. وذلك بعد فشل الأصيل الغربي بزعامة واشنطن ووكيله في المنطقة في هزيمة لبنان المقاوم، وهو ما دفعهم للعب مجدداً بورقة وكيل الوكيل الذي صنعوه ودعموه وجهّزوه كجيش رديف حين الطلب حال فشل جيوشهم الرسمية، وهذا ما كان في سوريا هذه الأيام.
بعيداً عن الغوص في تفاصيل ما جرى في الساحة السورية، وأدوار مختلف بيادقها ومصالهم الخاصة والمشتركة، وارتباطها بما يجري في أوكرانيا، ووحدة الساحات في رقعة النزال العالمي، وهو حديث يطول وذو شجون. يكفي الاستنتاج باختصار أن الغرب الاستعماري بقيادة واشنطن لم يُسلّموا بعد بما طرأ من متغيّرات عالمية، وقرروا مواصلة القتال الدامي حتى الرّمق الأخير، وإن فشلوا في لبنان. وأمّا “الكيان” فأراد محو ما يطارده من عار “طوفان الأقصى” بصناعة “طوفان الإرهاب” في سوريا، وتبيض صفحة الفصائل المصنّفة حتى من صانعيها كعصابات إرهابية بمسمى “معارضة” وربّما “ثُوّار”. كما أراد حرف الأنظار عن الإبادة والمجازر والجرائم ضد الإنسانية الموصوم بها قضائياً، والتي يواصل ارتكابها في غزة وفلسطين، بما يحدث في سوريا.. وأما المايسترو الأمريكي فيريد استثمار “داعش” ومثيلاتها فخر صناعتها حتى النهاية، والعودة إلى مخططاته القديمة المتجددة “الفوضى الخلّاقة” و”الشرق الأوسط الجديد والكبير”، وإعادة تفكيك دول سايكس ـ بيكو واستبدالها بدويلات هزيلة ومتناحرة تسودها وتسوسها “مملكة إسرائيل الكبرى والأقوى” الموهومة…
كما كانت مجزرتا البيجر واللاسلكي مخططاً لها منذ انتهاء حرب 2006 التي أفشلت مخططات أمريكا وكيانها المذكورة، وأظهرت العجز عن النيل من المقاومة اللبنانية وسلاحها.. ثم فشل مخطط ما يُسمّى “الربيع العربي” في نسخته السورية، وفشل مشروع دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام “داعش” في قطع التواصل المقاوم بين العراق وسوريا من جهة، وبين سوريا ولبنان في جرود القلمون من جهة أخرى.. كان لا بدّ من استخدام الطلقة الأخيرة مجدداً في سوريا وعبر البوابة الشمالية، وبلاعبين إضافيين من صهاينة أوكرانيا النازيين المصنّفين أممياً وأمريكياً كمجموعات إرهابية لها خبرة قتالية في مواجهة روسيا، وتشغيل المُسيّرات، وخصوصاً مسيّرات “شاهين” المصنّعة في الأردن والمُصدّرة لأوكرانيا، في محاولة خبيثة للاستدراج واستهداف الأردن لاحقاً لفرض مخططات “الكيان” في الضفة الغربية ومشروع “الوطن البديل” الذي يستهدف كينونة الدولة الأردنية، وهو ما يحتاج لبحث آخر…
إذاً، هي الأهداف ذاتها، وما يجري في سوريا هو استمرار للحرب على لبنان الذي استعصى على جيش “الكيان” وداعميه، فلا فتنة داخلية حصلت، ولا تجريد سلاح أمكن، ولا خطوط أمداد قُطعت، ولا فصل الساحات تمّ، بل توحّدت الساحات من موسكو إلى دمشق. وبدلاً من إزاحة شبح الحرب الإقليمية وفق الإدعاء الأمريكي أطل شبح الحرب الكونية التي لا تُبقي ولا تذر، ولا رابح فيها سوى “الكيان” الذي يرى في القتيل أيّاً كان ربحاً خالصاً له. وعلى مَن تبقّى من عقلاء العالم أن يُبادروا لتدارك هذه الطامّة الكبرى قبل فوات الأوان.