
رسالة مهمة بل وعاجلة يوجهها الدكتور خضير المرشدي الممثل الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي الى كافة بعثيي الأمة العربية في الذكرى الثامنة والسبعين لتأسيس الحزب تنفرد وكالة أنباء ماتريوشكا نيوز بنشرها.
في السابع من نيسان، حيث تتقاطع خيوط الزمن مع جذور فكرةٍ ولدت من رحم الأمل والألم، تمر اليوم الذكرى 78 لميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي. والذكرى هنا ليس استرجاع لتاريخ مضى بحلوه ومرّه، بل تأملٌ في معنى فكرة أُريد لها ان تحمل حلم الأمة، وتسعى لأن تكون جسراً بين الماضي العريق والمستقبل الموعود. البعث حين تأسس فإنه ليس مجرد حزب، بل صوت الروح العربية حين أرادت أن تتحدث بلغة العصر، لغة تجمع بين التراب والنجوم، بين العدالة التي تنبثق من الأرض والحرية التي ترفرف في سماء الفكر. إنه محاولة لاستعادة الإنسان العربي من ضياع التشتت، لإعادة تشكيله ككائنٍ موحدٍ في هويته، متجددٍ في طموحه، يقاوم الظلم بقوة الفكرة، ويبني المستقبل بجرأة الفعل.
في الفلسفة، يقال إن الوجود يسبق الماهية، لكن البعث جاء ليقول إن الماهية العربية – تلك الروح التي تجمع بين الصحراء والشعر، بين النضال والكرامة – هي ما يمنح الوجود معناه. لقد حاول أن يزرع في تربة الأمة بذرة الاشتراكية، لا مجرد نظام اقتصادي، بل كفلسفة حياة ترفض أن يظل الإنسان رهينة الجشع والاستغلال أو أسير التفاوت بل كان من خلال القضاء على الفقر والجوع، يهدف لتعزيز انسانية الانسان واطلاق مواهبه المكبوتة. وحين رفع شعار الوحدة، لم يكن يعني مجرد خريطة موحدة بنظام واحد، بل قلباً ينبض بنبض واحد، وعقلاً يفكر لغدٍ مشترك، وحدة تجمع الامة في الروح والعقل والضمير، وعندما آمن بالحرية قيمة انسانية عليا تتيح المجال للابداع، فإنه يعلم انها مسؤولية اخلاقية وقانونية كبيرة وليست حق فحسب.
لكن التأمل لا يكتمل دون الاعتراف بالظلال .. فكما أن كل فكرة عظيمة تحمل نورها، فإنها تحمل أيضاً وهجها الذي قد يحرق أو ضبابها الذي قد يعمي.
لقد واجه البعث في مسيرته تناقضات الواقع، وتحديات التطبيق، واخطاء اللحظة، وتهديدات القوى الخارجية، وسقوط الأحلام تحت وطأة السلطة أو تقلبات التاريخ. لكن الفكرة، في جوهرها، تظل أكبر من أخطاء البشر، وأعمق من حدود الزمن.
في الذكرى الـ78، لا نستذكر فقط ما كان، بل نتأمل لما يمكن أن يكون. فالبعث، كفكرة خالدة، يدعو اليوم لاعادة التفكير في تعريف الإنسان العربي، ليس كضحية للتاريخ، بل كصانع له. يدعونا لننظر إلى الوحدة كروحٍ وعقل وقيم تتجاوز الحدود الجغرافية والاطر السياسية، إلى الحرية كضرورة وجودية، وإلى العدالة الاجتماعية كأفقٍ لا ينتهي. إنه نداء الوعي، كي يستعيد البعثيون المخلصون للفكرة، الشجاعة الفكرية لمقاومة اليأس بقوة الأمل، وللبناء من جديد على أنقاض ما تهدم، وتحقيق الوحدة التنظيمية لفكرة تأبى الموت…
ليكن حملة الفكرة، هذا اليوم، في أنقى صوره، واكثر استعداداً للتضحية، وشعلةً لا تنطفئ، وحلماً لا يستسلم، وصوتاً يصدح في وجه الصمت، رغم الالم واليأس الذي لفَّ الكثير .. لتكن ثمان وسبعون عاماً بداية لتأمل جديد، ومسيرة جديدة، نحو أمة تستحق أن تكون.