حتى البطة العرجاء لن ترسل قواتها وتركت ماكرون كغراب أبيض – بقلم د. أيمن أبو الشعر
“تعليق إخباري – ماتريوشكا نيوز”
• ضجة عالمية هائلة كجعجعة بلا طحن، وقرع طبول الحرب أشبه بزوبعة في فنجان
أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون بشأن إرسال قوات من دول الناتو لتحارب إلى جانب القوات الأوكرانية ضجة صاخبة وهلعا جديا حول مصير العالم، فقد حذرت موسكو بدورها بأن مثل هذا الطرح يجعل الصدام العسكري مع الناتو حتميا وليس مجرد احتمال…
وبدأت موسكو بإجراءات عملية على مبدأ من لا يحسب لا يسلم، حيث أصدر الرئيس الروسي بوقت متزامن تقريبا مراسيم عسكرية تعيد تنظيم الهيكل الإداري والعسكري في روسيا بشكل يلفت النظر وكأنه استعداد مسبق لاحتمالات طيش قد يظهر من بعض أو إحدى دول الناتو وفق فكرة التصرف بشكل فردي عبر اتفاق ثنائي بين هذه الدولة أو تلك وأوكرانيا…
ويلاحظ في المراسيم العسكرية التي وقعها الرئيس بوتن أنها تنشئ تشكيلين عسكريين ضخمين من نوع خاص فبعد أن كان أسطول الشمال الروسي مسؤولا عن المنطقة الشمالية الغربية يتحول إلى تابع عملي بالمنطقة العسكرية التي أنشأها بوتن أو أعاد تشكيلها في منطقة لينينغراد التي باتت تضم مناطق ومقاطعات وجمهوريتين هما كاريليا وكومي إضافة إلى مدينة سانت بطرس بورغ ودائرة نينيتس ذات الحكم الذاتي، هذا إلى جانب إعادة إنشاء منطقة موسكو العسكرية التي توسعت كذلك لتضم سبعة عشر مقاطعة إضافة لمدينة موسكو ما يعني تدعيم مضاف لتكريس السيطرة على العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا مع جميع الاحتمالات، بما في ذلك الاستعداد لحرب تقليدية واسعة النطاق مع الناتو، وحرب من هذا النوع يعني أنها حرب طويلة الأجل، لكن ذلك مجرد استعداد لاحتمال صدور تصرفات غبية. ذاك أن توسيع الدور العسكري لبطرس بورغ يوحي بأن موسكو بدأت تنظر بعين الريبة لما يمكن أن تقدم عليه بولونيا ودول البلطيق وفنلندا التي باتت قبل فترة وجيزة عضوا في الناتو.
زد على ذلك أن المناطق التي باتت ضمن روسيا كأمر واقع، وأقصد دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا أصبحت جزءا من المنطقة العسكرية الجنوبية، ما يعني أن موسكو حسمت أمرها في استكمال السيطرة على كامل أراضي هذه الولايات ويوحي ببدء تنفيذه توسعُ السيطرة الميدانية للقوات الروسية في الأيام الأخيرة. وقد استنتج حتى معهد دراسة الحرب الأمريكي “ISW ” أن هذه الخطوات تعتبر استعدادا من موسكو لنشوب حرب واسعة النطاق، أو تحسبا منها على أقل تقدير، وكنت قد توقعت قبل أيام احتمال بلوغ الصدامات العسكرية ذروتها في الربيع الذي بات يدق على الأبواب والصيف القادم، ولكن بين القوات الروسية والأوكرانية، أما مسألة الصدام مع الناتو فإنه مستبعد أكثر من كونه محتملا كما سنرى في السطور القادمة. وربما أراد بوتن إظهار قوته مسبقا حتى لو أدرك أن كلام ماكرون شكسبيري لا أكثر كعنوان مسرحيته جعجعة بلا طحن.
فقد سارعت معظم الدول الأوربية الفاعلة للتأكيد على أن ما قاله الرئيس ماكرون يخصه ولا يخصها، فأعلنت حتى وزارة دفاع البطة العرجاء “1” البنتاغون أن الولايات المتحدة لا تخطط لإرسال قوات أمريكية للقتال ضد روسيا في أوكرانيا، بل إن الناطق الرسمي باسم البنتاغون باتريك رايد قال: “لكي يكون الأمر واضحا أعلن أن لا خطط لدينا لإرسال قوات أمريكية للقتال في أوكرانيا، وذكّر بأن الرئيس بايدن أعلن ذلك حتى قبل بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، الأمر الذي أكد عليه ماثيو ميلر الناطق باسم الخارجية الأمريكية.
ويبدو أن أفراد “قبيلة” الناتو أيضا تركوا ماكرون وحيدا في هذا الطرح كالغراب الأبيض “2”، فقد رفض المستشار الألماني شولتس مقترح الرئيس الفرنسي، وعارض ليس فقط إرسال قوات ألمانية بل أية قوات ناتوية، ثم جاءت ماكرون صفعة أخرى من رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني التي أكدت أن دعمها لأوكرانيا لا يشمل إرسال قواتها إلى هناك، وحتى بريطانيا الأكثر عداء لروسيا أوضحت على لسان المتحدث باسم رئيس الحكومة أن لديها في أوكرانيا بعض الأفراد الذين يقدمون المساعدات الطبية، ولكن ليس لديها أية خطط للقيام بانتشار واسع النطاق، وأعلنت المتحدثة باسم الحكومة الإسبانية بيلار ألغيريا أن مدريد لا توافق على نشر قوات أوربية في أوكرانيا، وحتى أمين عام الناتو ستولتنبرغ قال -وربما على مضض- أن ليس للحلف أية خطط لإرسال قوات إلى أوكرانيا…
فما الذي دفع ماكرون فجأة لتمثيل دور ساحر القبيلة في قرع الطبول خاصة أن القوى السياسية الفرنسية اليمينية واليسارية على حد سواء تعتبر أن الحرب ضد روسيا سيكون نوعا من الجنون، لعل ماكرون تحمس وأعلن دون أن يفكر، فالجنون لا يحتاج إلى تفكير، ويقول اليساريون الفرنسيون أن التصعيد اللفظي من قوة نووية تجاه قوة نووية كبرى هو عمل غير مسؤول، ترى هل نسي ماكرون أنه مسؤول ويتحدث كرئيس دولة اسمها فرنسا.
لا أدري لماذا تذكرت فجأة قول طرفة بن العبد:
إلى أنْ تحامَتْني العشيرةُ كلُّها وأُفرِدتُ إفرادَ البعيرِ المُبعَدِ
“1” البطة العرجاء مصطلح سياسي أمريكي يطلق على الرئيس الذي سيغادر السلطة قريبا خلال عام
“2” الغراب عادة رمز الشؤم لكن وصف الشخص بالغراب الأبيض يعني أنه غريب بكل ما فيه وبتصرفاته عمن حوله، رغم أن الغراب الأبيض موجود في الطبيعة من نوع كورفوس ولكن بشكل نادر جدا.