صناعة القرار في المسار التنظيمي “رؤية انثروبولوجية”
أن عملية صنع القرار عملية مُبرمجة ترتكز على مُتغير أو مُتغيرات مُعينة مع إهمال باقي المُتغيرات، فعلى المستوى التنظيمي يقوم هذا النموذج على أساس أن هناك بيئة هرمية مُنظمة فيها بناء مُعقد يتضمن أتصالات وتفاعلات مع أدخال المؤثرات العقلانية والغائية على عملية صنع القرار وتَحكمها بسلوكية الفاعل قبل الاختيار، فإن عملية أختيار البديل السلوكي لكي يتوافق مع القرار لا بد أن يتم في ضوء تصنيف معين يتوافق مع تحقيق الغاية الأكثر موائمة للواقع من جهة والموقف الطارئ الذي حدث بشكل مفاجئ وحتم على صانع القرار ان يتخذه بشكل لحظي أني من جهة أخرى؛ يقوم هذا النموذج على رؤية معينة للفعل الإنساني، وتفاعلهُ مع البيئة، وقدرته على أتخاذ القرارات السريعة والمُعقدة في فترة زمنية مُحددة من دون القيام بعملية حصر شامل للبدائل والنتائج المُترتبة عليها. أن تجارب الحياة والملاحظات الواقعية تفيد بإن صناعة القرار رغم السعي لاختيار البديل السلوكي المناسب لذلك الموقف، وسواء أعتمد سُبل التحليل العلمي في التفكير ام لم يعتمدها فلا بد أن يكون مُتأثراً بالمنظومة الثقافية للمجتمع وما أستدمجوه الناس في ذواتهم من معايير وما تمثلوه من رموز ثقافية هي من ستدفع الفاعل نحو أختيار بديل سلوكي دون أخر، هنا يجب ان يتم الاستدراك بنقطة جوهرية في عملية صناعة القرار في مراحل مُختلفة ستتأثر بصراع عقلاني بين ان يتخذ نموذج جاهز مُهيّيء لهذا الموقف او ذاك غائي تتداخل فيه المسارات العقلانية الرشيدة بشكل كبير، ويصعب فيه فهم ذلك التداخل، من دون الرجوع الى النسق الثقافي المجتمعي من جهة والنسق العقيدي الشخصي من جهة ثانية، ولتأكيد ذلك فإن النموذج التنظيمي ذاته والمُتخذ كمسار لصناعة القرار يدل بما لا يقبل الجدل أن أختيار النموذج السلوكي سبيلاً للتصرف وتنفيذ القرار يخضع لما سبق أن تعرض له صاحب القرار من تجارب سابقة وخبرات تدريبية تعلمها بتأثير خضوعهُ لمنظومة ثقافية مُعينة دون أخرى، ويختلف القرار بالتأكيد باختلال الموقف وحدته ومدى تأثير مُتغيرات الموقف المُغاير الأخر، وباختلاف أستيعاب الفاعل وتمثله لرموز ثقافته ومدى أيمانه بقيم دون أخرى وطبيعة صيرورته الاجتماعية(social prosseeccing) التي توجههُ في المواقف المُختلفة المرتبط بموضوع القرار( العمومية مُقابل الخصوصية، النوعية مقابل الانجاز) هذا كُلهُ مُرتبط بأنساق الفعل والتي تكون بدورها مُرتبطة به بشكل مباشر؛ فإن اتخاذ القرار من الجانب القائم بالفعل داخل الثقافة الواحدة التي نؤكد بالضرورة على أنها تكون محددة بمجموعة من القيم التي تُوضع أمام الفاعل ليختار منها ما يوجه سلوكه نحو المُوضوعات القائمة في الموقف الذي يوجه فيه، والذي يتمثل في فكرة المُتغيرات النمطية، بحيث يُصور على أنه نسق متماسك مكون من قيم الثقافة ورموزها، ومعايير النسق الاجتماعي والذي يكون كذلك متأثراً بنسق الشخصية في عملية اتخاذ القرار، لذلك يتيح نمط المتغيرات أمكانية تصور الخواص النسقية لوحدة الفعل، مع الاحتفاظ بالممكن بفكرة الاختيار الإرادي.
د. مها أسعد: باحثة في الانثروبولوجيا