عبثا يحاول الغرب الانتصار على روسيا بشحن مزيد من الأسلحة لكييف
- ما قدمته الدول الغربية لأوكرانيا من الدبابات فقط يقارب ضعف ما لدى جيوش سويسرا والسويد والنرويج مجتمعة، والجيش الروسي يتقدم.
يقال أن السيف لا يجلب النصر مهما كان رهيفا، بل اليد التي تحمله، فما بالك إن كان السيف ماضيا جدا، واليد التي تحمله مدربة وخبيرة جدا… هذا هو واقع ما يجري في الصراع الحالي بين روسيا والغرب في أوكرانيا.
ويلاحظ في هذا السياق أن معظم تصرفات روسيا تجاه الدول الغربية وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية تأتي في إطار ردة الفعل وفق العرف الدبلوماسي المعروف باسم المعاملة بالمثل، وموسكو لا تسعى إلى القطيعة مع الغرب رغم استمرار مساعداته العسكرية الكبيرة لأوكرانيا لأنها تدرك أنها المنتصرة رغم كل هذه المساعدات، لكنها مضطرة لاتخاذ خطوات تكرس القطيعة وحالة تعميق الخصام الذي يقوم بها الغرب نفسه.
من هنا يمكن فهم تصريحات سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسية الذي أكد أن روسيا لم تتخذ قط أية خطوات مسبقة في إطار خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية في علاقاتها مع الولايات المتحدة أو دول الناتو، مضيفا أن ذلك حسب رأيه ممكن تماما إن تابعت الدول الغربية أسلوب التصعيد، وليس من خلال زيادة الدعم المباشر والمتزايد لكييف بل فيما يتعلق على سبيل المثال بالأصول والنشاطات الاقتصادية الروسية، لكن الأمور التي يمكن أن تؤدي إلى هذا الوضع ليست مطروحة اليوم، وبالتالي فإنه ليس مستعدا للحديث عن هذا الموضوع، وفي حال حدث مزيد من التفاقم، فسيتم تحليل الأمور بشكل منفصل على مستوى القيادة السياسية، بمعنى لكل حادث حديث وأن الاستهتار المطلق من جانب الدول الغربية يمنح موسكو كل المبررات لأخذ مثل هذه الخيارات بعين الاعتبار.
من جهة ثانية أعلنت واشنطن أنها لا تنوي إرسال مدربين عسكريين إلى أوكرانيا حيث أعلنت سابرينا سينغ نائبة السكرتير الصحفي في وزارة الدفاع الأمريكية، أن الولايات المتحدة لا تخطط في هذه المرحلة لإرسال مدربين عسكريين إلى أوكرانيا، في حين تقوم بتدريب العسكريين وحتى الطيارين الأوكرانيين، الجدير بالذكر أن رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك كان قد أقر بوجود قوات من حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا، ولكن بأعداد قليلة ناهيك عن مقترح الرئيس الفرنسي ماكرون بإرسال قوات إلى أوكرانيا للحيلولة دون تحقيق روسيا النصر هناك.
ويلفت النظر عموما أن التصريحات الغربية تحاول أن تكرس “إعلاميا” مفهوم النأي بالنفس عن المشاركة الفعلية في الحرب،أو توسيع مداها، وتحافظ على الطابع الإنساني شكليا، ففي حين أيدت بريطانيا على لسان وزير خارجيتها كاميرون استخدام الأسلحة البريطانية حتى في قصف الأراضي الروسية كرد على قصف الأراضي الأوكرانية تجنبت الولايات المتحدة مثل هذه التصريحات، فقد أعلن البنتاغون أن موقفه لم يتغير بشأن استخدام القوات الأوكرانية للأسلحة الأمريكية، والتي حسب توصيات واشنطن يجب أن تُستخدم من أجل استعادة الأراضي الأوكرانية، وأن تستخدم في ميادين القتال على الأراضي الأوكرانية وعدم استهداف الأراضي الروسية، حيث يعتبر البعض أن تقدم القوات الروسية في خاركوف قد يكون مبررا لإعطاء الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لكييف بذلك، ولا بد من التنويه بأن القوات الأوكرانية تقوم بقصف الأراضي الروسية بشكل يومي غير آبهة بالتوصيات الأمريكية.
لكن الدعم الغربي لأوكرانيا بالسلاح بلغ حدا غير مسبوق قياسا بالفترة الزمنية لهذه المواجهات العسكرية، فما قدمه الغرب لأوكرانيا يكفي لتسليح عدة جيوش حيث أعلنت الإدارة العامة لهيئة أركان القوات المسلحة الروسية أن حلف الناتو قدم لأوكرانيا قرابة 800 دبابة وأكثر من 30 ألف مسيرة ناهيك عن 3500 عربة مدرعة ونحو 1500 مدفع و 270 من راجمات الصواريخ و 130 طائرة ومروحية وآلاف قطع السلاح الأخرى، ونظرة سريعة لما تملكه جيوش سويسرا والسويد والنرويج تعطينا فكرة كافية حيث يملك الجيش السويسري 230 دبابة، والنرويجي 165 دبابة، والسويدي 121 دبابة، أي أن ما حصلت عليه أوكرانيا من الدبابات فقط يقارب ضعف ما لدى هذه الدول الثلاث مجتمعة، عدا عن الاهتمام بإرسال أفضل وأحدث أنواع الأسلحة، وصواريخ يزيد مدى بعضها عن 600 كيلومتر ومع ذلك لا تزال كيف من جهة والقادة الغربيون من جهة ثانية يحلمون بهزيمة روسيا، ويضخون لها السلاح والمال بكميات هائلة. من جهة ثانية يربطون الإخفاقات العسكرية الأوكرانية بنقص الأسلحة، وذلك دون أن ينتبهوا للواقع أو بالأحرى لا يريدون أن ينتبهوا للواقع الحقيقي، وهو أن أوكرانيا لا تستطيع مواجهة جبروت الجيش الروسي “لا بالسيف الذي تقاتل فيه، ولا باليد التي تحمله”، والأفضل لها الجلوس إلى مائدة المفاوضات
واستكمالا للفعل ورد الفعل في تدهور العلاقات بين روسيا والغرب أعلنت موسكو طرد الملحق العسكري البريطاني من الأراضي الروسية، حيث أعلنت وزارة الخارجية الروسية أنه تم استدعاء ممثل السفارة البريطانية في موسكو إلى مبنى الخارجية الروسية، وقدمت احتجاجا شديد اللهجة على القرار غير الودي الذي اتخذته بريطانيا في 8 مايو الحالي بحق الملحق العسكري في السفارة الروسية في لندن، وركزت على أن القرار لا مبرر له، وأن هذا التصرف تم بدوافع سياسية وله طابع عدائي ويتسبب في إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه في العلاقات الثنائية، وبالتالي أعلنت أن “أندريان كوغخيل” الملحق العسكري البريطاني في موسكو شخصية غير مرغوبة، وعليه مغادرة الأراضي الروسية خلال أسبوع.
هذا التنافر الذي تحول إلى صراع تناحري وجد ظلالا له في أماكن عديدة من العالم سواء بانتعاش الحضور الروسي في إفريقيا والذي فسره البعض على أنه رد على حماس فرنسا المتصاعد لدعم كييف، أو في دول أمريكا اللاتينية الأمر الذي يهم الولايات المتحدة الأمريكية بشكل رئيس حيث تتابع كل تحرك روسي هناك، حتى أن أناتولي أنطونوف سفير روسيا في واشنطن نوه علنا بأن واشنطن تسعى إلى إعاقة العلاقات الطبيعية الإيجابية بين روسيا ودول أمريكا اللاتينية، وأوضح أن واشنطن تسعى لتشويه سمعة روسيا في عواصم دول أمريكا اللاتينية كونها لا ترتاح للعلاقات الجيدة لروسيا في دول أمريكا اللاتينية بما في ذلك في المجالات التجارية والأمنية، وأن واشنطن لا تزال تنظر إلى هذه الدول وكأنها باحة لحديقتها الخلفية، في حين تدعو روسيا إلى حوار عملي في إطار المنفعة المتبادلة، وشدد في إطار توضيح المفارقة بين موسكو وواشنطن في التعامل مع الاخرين بأن موسكو لا تفرض شروطا ولا تملي قواعدها الخاصة على من تتعامل معهم، قد يتخيل البعض بأن كل ذلك هو انعكاس للحرب في أوكرانيا والواقع أن الحرب هناك مجرد ستار لواشنطن لهذا لا تريدها أن تنتهي، ولنتذكر مواقف واشنطن من الصين التي لا تخوض أية حرب، وتوصف دائما بالرجل الهادئ الحكيم.