“إذا اختفت إسرائيل فإن روسيا والصين ستسيطران على الشرق الأوسط وعلى 90% من إمدادات النفط في العالم، وسيكون ذلك كارثياً على الأمن القومي الأمريكي” روبرت كنيدي جونيور
يبدو أن محور الشر الأمريكي ـ الغربي ـ الصهيوني قد أصابته عدوى نتنياهو المسكون بخرافة “هار ماجيدون” التوراتية، ويتجه مهرولاً نحو المواجهة الشاملة، أبعد من جبهات المقاومة السبعة المفتوحة على مصراعيها، في كل من: غزة، الضفة، لبنان، اليمن، سوريا، العراق، وإيران. وبصورة مباشرة، لتطال وبصورة مباشرة أيضاً، النزال المحتدم مع روسيا على الأراضي الاوكرانية وربما الروسية ذاتها، وقريباً مع الصين في بحر الصين وربما ما بعده، وكذلك مع ما تسميه الولايات المتحدة حديقتها الخلفية في قارة أمريكا الجنوبية، في معركة كسر عظم في محاولة ربما تكون أخيرة للهروب من استحقاق يتعمّد بالدم تلوح بشائره للإطاحة بنظام الهيمنة الأُحادية المتغطرس الظالم المنتهك لكافة مفردات القانون الدولي والإنساني الذي يتبجّحون بالحرص عليه، بل ويطالبون الآخرين بالالتزام به ويفرضون بحسب أهوائهم ومعاييرهم الشاذة العقوبات على من يدّعون انتهاكه، وكأنهم أوصياء على العالم الذي يتعاملون مع شعوبه عبيداً لهم، ومع دوله وخيراتها وثرواتها مزرعة خاصة وخالصة لهم بلا حسيب أو رقيب ولا وازع أخلاقي أو حتى إنساني.
أكثر من 18 شهيداً منهم 5 عسكريين فقط من الجيش العربي السوري، قابل للزيادة في ظل وجود 42 جريحاً مدنياً، ودمار في منازل الآمنين في العدوان الإسرائيلي الأخيرعلى منطقة مصياف بمحافظة حماة السورية، وسبقه العشرات من الانتهاكات والاستباحة الإسرائيلية للأراضي السورية، ويبدو أن العربدة الإسرائيلية ستتواصل وبحجج واهية وفبركات مكررة، ما لم تجد رداً مؤلماً يكيل الصاع صاعين لهذا “الكيان” النازي الذي لا يفهم سوى لغة القوة والقوة فقط لاغير، حيث بات يشعر بفائض قوة في ظل الدعم التسليحي الأمريكي الغربي اللامحدود، فضلاً عن الدعم الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي غير المسبوق والمفضوح لجرائمه الموصوفة أمام مسمع ومرآى العالم أجمع ومنظماته وهيئاته الدولية بمختلف تخصصاتها ومسمياتها. بل وبات يتحدى العالم أجمع ويمعن في جرائمه، كقوة محرّكة للشر وموجهة له ومطلق اليدين لا يحدّه حد أو يردّه رد أو يأبه ويتحسّب لضابط أو رادع، كيف لا وهو الذي يعتبر نفسه فوق القانون والعقاب، بل وحتى المساءلة، واعتاد تاريخياًعلى ذلك وتمادى في استغلال الدعم الأمريكي الغربي أيّما استغلال، وانتفخ لدرجة لم يعد يراعي حتى مصالح داعميه أنفسهم.
يتساءل الكثيرون عن سر تأخر الرد السوري على هذه العربدة والاستباحة الإسرائيلية لسوريا، وهو حق مكفول شرعة وقانوناً، وماذا بقي لسوريا أن تخسره بعد كل هذه السنوات المريرة من الحرب الكونية التي تعرّضت لها ولا تزال، وهل وصلت سوريا لهذا المستوى من الضعف لدرجة لم يعد لديها القدرة العسكرية والشعبية حتى على مجرد الرد على هذا الكيان المتغطرس والمتمادي في عدوانيته وانتهاكاته المتواصلة للسيادة السورية التي يستبيحها الإسرائيلي والأمريكي وعصاباتهم الإجرامية من “داعش” وأخواتها، وهل دخل حق الرد السوري في الزمان والمكان المناسبين مرحلة “التفريز” الذي لن يأتي وهو ما يزيد من استخفاف واستباحة الكيان المجرم لهذه السيادة لهذه الدرجة التي بلغت مبلغها وتجاوزت كل حدود المنطق والعقلانية، وهو ما يعاكس تاريخ الشعب السوري الذي لا يقبل الضيم أو ينام على ضيم كائناً مَن كان مصدره وفاعله، ويختزن من القدرة والطاقة والإرادة ما يرد به الصاع صاعين وأكثر.
كما ويدرك الكثيرون أن هذه العربدة الإسرائيلية لا يمكن لها أن تحدث بعيداً عن الضوء الأخضر الأمريكي الغربي الاستعماري، وبالتالي فهي وأن كانت تنتهك السيادة السورية مباشرة، فإنها تمثّل رسالة نارية دامية لروسيا التي يفترض أنها تظلل وتحمي هذه السيادة، الأمر الذي يعطي هذه العربدة بعداً إضافياً كجزء لا يتجزأ من الحرب المفتوحة على روسيا ذاتها، ويجعل من روسيا ساحة من ساحات المواجهة المباشرة مع النظام الإحادي المتغطرس، والتي يفترض على كل من روسيا والصين أن تدركه وتعيد حساباتهما على ضوء ذلك. وخصوصاً بعد ورود تقارير ميدانية من منطقة “كورسك” تشير إلى مشاركة وحدات عسكرية فضلاً عن المعدات والسلاح الإسرائيلي في انتهاك السيادة الروسية ذاتها في تلك المنطقة المشهورة تاريخيا كمكسر عصا وصانعة للتحوّلات الاستراتيجية النوعية والمفصلية في مجريات الاستهداف الغربي التاريخي لروسيا.
في حديث صريح لمرشح الرئاسة الأمريكية “روبرت كنيدي جونيور” قال: “إذا اختفت إسرائيل سيحدث فراغ في الشرق الأوسط، وكما تعلمون إسرائيل هي سفيرنا، إنها وجودنا ورأس حربتنا في الشرق الأوسط، هي سمعنا وبصرنا هناك، تمنحنا المعلومات الاستخبارية والقدرة على التأثير في شؤون الشرق الأوسط.. إذا اختفت إسرائيل فإن روسيا والصين ستسيطران على الشرق الأوسط وعلى 90% من إمدادات النفط في العالم، وسيكون ذلك كارثياً على الأمن القومي الأمريكي”. وهنا نستذكر ما قاله عام 1981 رئيس جهاز أمن الدولة والأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي يوري أندروبوف خلال لقاء جمعه بالقيادة الفلسطينية ضمن مراسم وداع الرئيس الراحل ليونيد بريجينيف، حيث أكّد لمستمعيه: “أن التحديات التي تواجهها حركة التحرر الفلسطينية كبيرة جداً، لأن عدوّكم ليست دولة إسرائيل فقط، بل عدوّكم هو الصهيونية العالمية والتي مركزها الولايات المتحدة الأمريكية. ولكننا على ثقة تامّة أن نضالكم عادل، وسنقوم بمساعدتكم بجميع الإمكانيات والوسائل حتى تتمكنوا من قيام دولتكم الفلسطينية المستقلة”. كما ونستذكر الوعد الذي قطعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً بتزويد كل مًن يواجه الهيمنة الأمريكية بكل الدعم المطلوب أسوة بالدعم المطلق الأمريكي الغربي الاستعماري للكيان الصهيوني ونظام كييف النازي.. وهو المشهود له بوفاء العهود وتنفيذ الوعود. فهل العالم بات على موعد مع مواجهة مفتوحة وشاملة تتوحّد فيها الساحات توطئة لولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب ويحترم المواثيق والقوانين الدولية والإنسانية، بكل ما يقتضيه ذلك من مراجعات واستراتيجيات واضحة، ومحددة وتكتيكات جديدة ومؤثّرة.