تحليل إخباري

الرئيس بوتين يبعث برسائله النوعية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب

بقلم د. أيمن أبو الشعر

• الدفاع المشترك يتفعل عندما يتم الاعتداء على أحد الطرفين فلماذا هذه الهجمة على الاتفاق الروسي الكوري الشمالي إن لم يكن لدى الخصوم نية الاعتداء
أريد أن أنوه منذ البداية أنني لا أدافع عن روسيا وكوريا الشمالية، وقد يكون لدي بعض الملاحظات على نهجيهما، ولكني أتحدث بموضوعية لكشف مدى خطورة ممارسات الطرف الآخر الذي قد يعرِّض العالم للدمار نتيجة عنجهيته وتصرفه وكأن جميع شعوب العالم تحت إمرته.

جوهر الرسائل الروسية
لم يعد سرا على أحد أن الرئيس بوتين اتخذ قراره الحاسم في تكريس التعاون مع الدول الصديقة كبديل عن الولايات المتحدة والغرب ومن يتماشى معهما، وتشمل هذه الدول العديد من دول أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وبشكل خاص دول الشرق الأقصى ومن هنا ستبقى نتائج زيارته إلى كل من كوريا الشمالية وفيتنام ماثلة للعيان لفترة طويلة كرسائل بالغة الأهمية، يرسلها الرئيس الروسي من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.
طبعا الرسائل من أقصى الشرق تصل مباشرة إلى دولتين في أقصى الشرق ناصبتا روسيا العداء لسبب رئيسي، وهو أنهما تابعتان لأقصى الغرب وخاصة واشنطن، وهما كوريا الجنوبية واليابان اللتان بدا تأثير نتائج الزيارة عليهما بشكل مباشر، وإن كان سيبقى طويلا كذلك.
وجوهر هذه الرسائل في خطوطها العريضة تشمل ثلاث مجالات لها طابع نوعي:
أولا: أن الاتفاقية الاستراتيجية الشاملة تعني رفع مستوى العلاقة إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وبالتالي سيكون لكوريا الشمالية أولويات في مختلف المجالات وخاصة الاقتصادية وفق هذه الاتفاقية، ما يعني تهميش العقوبات الهائلة المفروضة على كوريا الشمالية.
ثانيا أن الاتفاق مع كوريا الشمالية في الواقع له ثقل نوعي وجديد بالنسبة للغرب على الرغم من أن الرئيس الروسي أوضح أنه استنساخ تقريبا لاتفاق تم توقيعه بين موسكو وبيونغ يانغ عام 1962 ، وهو يشمل الشراكة الاستراتيجية والتعاون العسكري، لكنه في الحقيقة أصبح نافلا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، كما أن روسيا كانت قد وقعت عام 2000 اتفاقية مع كيم جونغ إيل معاهدة صداقة وتعاون، ولم تشر إلى المساعدة العسكرية وهي المعاهدة التي تعتبر سارية ثنائيا ودوليا، من هنا فإن المعاهدة الجديدة تحمل تحذيرا جديا لمن يهمه الأمر حيث تشير المادة الثالثة إلى أن أحد الجانبين يقدم المساعدة إلى الجانب الآخر لتسهيل القضاء على أي تهديد فوري ينشأ ضده، وتقول المادة الرابعة أنه في حال تعرض أحد الطرفين لهجوم مسلح من قبل أية دولة أو عدة دول يقدم الطرف الآخر على الفور المساعدة العسكرية والمساعدات الأخرى بكل الوسائل، أي تعمل ظروف الدفاع المشترك عمليا
ثالثا: أن الرئيس بوتين أعلن بوضوح انطلاقا من التوتر الذي بلغ أقصاه بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا أن موسكو تدرس إدخال تعديلات على عقيدتها بخصوص استخدام الأسلحة النووية مع تنويهه بأن روسيا ليست بحاجة لشن ضربة نووية استباقية لأن القوات النووية الروسية في حالة تأهب قتالي دائم.

انفعال كوريا الجنوبية
فقد أعلن مكتب الرئيس الكوري الجنوبي أن سيئول ستعيد النظر في عدم تقديم أسلحة فتاكة لكوريا الجنوبية، والمهم في الأمر أن هذا التصريح من الرئاسة الكورية الجنوبية جاء حسب وكالة الأنباء الكورية الجنوبية المحلية “يونهاب” ردا على الاتفاقية التي وقعها الرئيس بوتن مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون في زيارته إلى بيونغ يانغ والتصريحات التي أدلى بها من هناك ومن فيتنام، وقد استدعت الخارجية في كوريا الجنوبية السفير الروسي زينوفيف وأبلغته احتجاجها على اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وبيونغ يانغ والذي يتضمن الدفاع المشترك، وفُسِّر على أنه تحالف عسكري جديد، واعتبر وزير خارجية كوريا الجنوبية تشو تاي يول أن أي مساعدة من روسيا تعزز الإمكانيات العسكرية لكوريا الشمالية تعد انتهاكا لقرارات مجلس الأمن، وطالب المجتمع الدولي بإدانة موسكو وبيونغ يانغ، في حين أكدت موسكو أن الاتفاق يتوافق مع القانون الدولي، ومن الواضح أن موسكو أرادت أن تصفع الدول التي ناصبتها العداء تماشيا مع مواقف أقصى الغرب، وقد تمكنت من أن تكون الصفعة قوية إلى حد إثارة ردود فعل عنيفة هذه المرة.

وردود صاخبة من اليابان
هذه الرسائل كما يبدو أشعلت اليابان غيظا أيضا، فقد أعلن وزير المالية الياباني سيونيتي سوزوكي عن اجتماع مشترك مع وزارة المالية الكورية الجنوبية يوم 25 يونيو الحالي، لبحث مسألة فرض عقوبات على روسيا وكوريا الشمالية على خلفية اتفاق الشراكة الاستراتيجية الذي وقعه الرئيسان بوتين وكيم جونغ أون، وستعملان على منع وصول السيولة المالية إلى روسيا وكوريا الشمالية ما يعني أن جدول العقوبات بات مفتوحا ذاك أن الخارجية اليابانية أعلنت قبل يومين فرض عقوبات على 41 شركة و11 شخصية روسية ردا على إحياء اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشاملة مع كوريا الشمالية التي تعتبرها اليابان شوكة نووية في خاصرتها، وكالعادة أعلنت الخارجية الروسية أن طوكيو ستلقى ليس فقط الرد بالمثل بل ردا قاسيا وشديدا جدا، مع التنويه بأن الغرب ومن يسير في ركابه لم يفهم حتى الآن أن عقوباته على روسيا عديمة الفائدة، وأنها تسيء لمن يفرضها أكثر مما تسيء لروسيا.

الدوافع الحقيقية تنطلق من الواقع الجديد
ردود الفعل الغربية لم تكن أقل توجسا من ردود فعل طوكيو وسيؤول، وخاصة أن ما ورد من تقديم الدعم العسكري في حال تعرض أي دولة لعدوان خارجي يماثل البند الخامس من ميثاق حلف شمال الأطلسي، ولكن لا بد من تقييم الأمور وفق مستجدات الواقع الجديد، فهناك تحالف ناتوي كبير منصب حاليا ضد روسيا لصالح أوكرانيا بما في ذلك مدها بالأسلحة الفتاكة، ومن هنا جاء رد كوريا الجنوبية بأنها ستعيد النظر في عدم توريد أسلحة فتاكة لأوكرانيا ما دفع بالرئيس بوتين بتوجيه تحذير ضمني بأنها في مثل هذه الحال سترتكب خطأ جديا، ولنتذكر أن الرئيس بوتن كان قد نوه بإمكانية تزويد الدول المعادية للتوجهات الغربية بأسلحة متطورة كما تفعل الدول غير الصديقة لروسيا بتقديم الأسلحة لأوكرانيا…
والحقيقة الثانية بالنسبة للشرق الأقصى أن هناك تحالفا قديما واضحا غربي التوجه يضم الولايات المتحدة واليابان وكوريا الشمالية، وبالمقابل بدأ يتكون في الآونة الأخيرة تحالف معاكس بين روسيا والصين وكوريا الشمالية، فلماذا هذه الضجة، ثم إن الاتفاق على المساعدة العسكرية سيتم في حال تعرضت إحدى الدولتين إلى اعتداء، فهل ردود الفعل لدى اليابان وكوريا الجنوبية يخفي نيتهما بشن هجوم على كوريا الشمالية.
الأمر الآخر هو احتمال إدخال تعديلات على العقيدة النووية الروسية هذا التصريح أدلى به الرئيس بوتين من فيتنام، وهو أمر طبيعي لأنه جاء بعد بضعة أيام من إعلان ستولتنبرغ أمين عام الناتو بأن الحلف سيزيد من وضع الرؤوس النووية على أهبة الاستعداد، فلماذا يكون مسموحا للناتو أن يزيد من رؤوسه النووية ولا يسمح لروسيا بالرد على هذه الزيادة.
أخيرا لا بد من تناول أمر آخر أعتقد أنه حاليا في صلب المخاوف الغربية، وهو أن أحكام معاهدة الدفاع المشترك تشير إلى المساعدة في حال وقوع عدوان على الطرف الآخر، وبما أن القوات الأوكرانية تقصف المناطق الأربع التي انضمت لروسيا فهذا عدوان على روسيا يتيح تزويد روسيا بكميات هائلة من الصواريخ الكورية الشمالية الميدانية، أن تقوم كوريا الشمالية بتقديم آلاف الصواريخ التي يمكن أن تلعب دورا داعما للجيش الروسي في عملياته وإن لم تكن على درجة عالية من والدقة، وستحصل بيونغ يانغ بالمقابل على صواريخ وقذائف وأسلحة متطورة وبالغة الدقة وإن بكميات محدودة لكنها ستكون فعالة جدا في حال نشوب صدام مباشر بين الكوريتين أو بين كوريا الشمالية واليابان، وهو أمر مستبعد تماما على الأقل حتى الوقت الراهن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى