يقول الحكماء أن الفطن مَن يتعلم من أخطائه وهفواته وليس من نجاحه، وورد في سنن الترمذيّ حديث شريف حسن يقول فيه عليه الصلاة والسلام: “الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز مَن أتْبعَ نفسه هواها..”. ومن المنطقي أن ما يتم تداوله من مستهلكي العالم من أجهزة تكنولوجية اليوم ما هو إلّا ممّا يخرج من سلّة مهملات التكنولوجيا العسكرية ويُسمح بتداوله في الأسواق، وذلك بعد تجاوزه بعدة أجيال تقنية لاحقة، وهذه حقيقة راسخة في عصر ثورة المعلومات والتسارع المذهل في التقدّم التكنولوجي المذهل، والذي تسوده نهج “احتكار المعلومة والتطوّر التقني” من حيتان العالم المعاصر، والتعامل مع بقية دول وشعوب العالم مجرّد مستهلكين وأسواق فقط. ولعل الفيديو المرافق يظهر ما سقناه حول ما بلغته التكنولوجيا العسكرية من قدرات قبل عقود خلت من مجزرة “البيجر” الإسرائيلية التي يتبجّح “الكيان” مزهوّاً بغرور قدرته على امتلاكها، باعتبارها فخر التكنولوجيا الإسرائيلية التي فاجأ العالم بها وفي جعبته المزيد من المفاجآت المماثلة، وهو بالفعل كان سبّاقاً في جريمة استخدامها غير المشروع ضد المدنيين، وهو ما يتقنه فعليّاً.
ولم يطل انكشاف الحقائق بخصوص مجزرة “البيجر”، حيث نفت الشركة الأم التايوانية تصنيعها لهذه الصفقة “أداة الجريمة” وكشفت أنها منحت شركة هنغارية توكيلاً بتصنيعها، وذلك بعد تزكية الخارجية الأمريكية لهذه الشركة الوهمية، هذه الخارجية المتصهيَنة التي تحاول الآن دفع الرئاسة التايوانية لوقف التحقيقات وطي هذه الصفحة نهائياً، وأن هذا هو نهج الشركات التايوانية قبل منح الموافقة على أي توكيل لأية شركة أخرى. وبدورها كشفت السلطات الهنغارية عدم وجود هذه الشركة على الأراضي الهنغارية، مما يؤكد على أن هذه إحدى الشركات الوهمية التي يفبركها “الموساد” المجرم حول العالم، ويجري تصنيع أدوات جرائمه في إحدى شركات ومصانع “الكيان” النازي وفق إشراف وتعليمات ضباطه، لينفّذ من خلالها جرائمه ومجازره الوحشية، كما حصل في مجزرة “البيجر”، وخصوصاً عندما يستعصي عليه اختراق إحدى محطّات سلاسل توريد المنتج المستهدف، وقد تكون إحدى هذه المحطات من دول التطبيع العربي، وخصوصاً دويلة الإمارات العربية ومن خلال ميناء جبل علي المعتمد حالياً لتوريد كافة احتياجات “الكيان” من خلال الممر البري الإماراتي ـ السعودي ـ الأردني، لإجهاض الحصار اليمني المبارك له، وهو الذي كان له سابقة خطيرة في جريمة مرفأ بيروت المنسية، والتي أكّد الرئيس الأمريكي حينها “ترامب” أن جنرالاته قد أبلغوه بعد التفجير مباشرة أنه ضرب بصاروخ إسرائيلي خاص، لكنه سرعان ما لحس أقواله وابتلع لسانه، وقد حدث ذلك التفجير في وقت كان المشروع الإماراتي المتناغم مع مخططات الكيان في الاستيلاء على ما يمكن الاستيلاء عليه من موانئ المنطقة ترغيباً أو ترهيباً على أشدّه، وكان هذا الكيان يسعى لتحويل ميناء حيفا الميناء الأوحد المعتمد في شرق المتوسّط. وأما بالنسبة لمجزرة “اللاسلكي”، فهناك معلومات متداولة عن ضلوع فرنسا فيها، والتي تعتبر لبنان تحت مظلتها كإحدى مستعمراتها السابقة، فرنسا التي تعهّدت “الكيان” عسكرياً منذ تأسيسه وحتى حرب 1967 حيث سلمت عهدتها للولايات المتحدة، وقد رعت عهدتها حقّ رعايتها، لدرجة منحته المفاعل والسلاح النووي، مثلما تعهدت ألمانيا بالرعاية الاقتصادية وكافة مشاريع البنية التحتية والدعم المالي السّخي بعشرات المليارات، بحجة تعويضات شمّاعة “الهولوكوست”.
نسوق هذا الحديث لمواكبة ما أقدم “الكيان” النازي عليه من مجزرتين متتابعتين استهدف فيهما عموم الشعب اللبناني عن سبق إصرار وترصّد، وبمؤازرة أحدث ما وصلت له التكنولوجيا العسكرية الأمريكية والغربية بصورة مؤكدة لا يرقى إليها الشك، ولا تنفيها كافة التصريحات الرسمية الأمريكية والغربية، وخاصة منها البريطانية والفرنسية والألمانية التي تنفي ذلك، مجسّدة بنفيها ما يقال بأن نفي النفي إثبات. وبالتأكيد فإننا على ثقة كاملة بأن التجارب مدرسة رغم قساوة بعض دروسها، وبأن عقول وخبرات وعباقرة المقاومة وفنييها ومَن يناصرهم من عرب ومسلمين وأصدقائهم الكثر من دول وأحرار العالم، قادرين حتماً على استخلاص العِبَر والدروس المستفادة مما جرى، وأن بإمكانهم أن يصنعوا المعجزات وقد فعلوا ذلك من قبل، وليس فقط أجهزة “البيجر” و”اللاسلكي” عملا بقول المفكّر والمبدع اللبناني الشمولي جبران خليل جبران: “ويل لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تخيط، وتشرب مما لا تعصر”، وكأنه يُلخّص ما آلت إليه أحوال أمّتي الملياري مسلم.