الضماد لا يكون بالسكاكين قراءة موضوعية لآخر مستجدات الصراعات الإسرائيلية حول غزة
بقلم د. أيمن أبو الشعر
• الخلاف بين القيادات الإسرائيلية هو بين من يريد إفناء الشعب الفلسطيني بالقتل دفعة واحدة، ومن يريد إفناءه على مراحل بالتجويع والتشريد
الصراعات داخل القيادات الإسرائيلية ليست جديدة، وهي بالدرجة الرئيسية بين اليمين المتطرف، واليمين المتطرف جدا، وما يقال عن يمين الوسط مجرد كلام فارغ، فالنهج الذي تتبعه إسرائيل بعد اغتيال إسحاق رابين تصاعد جديا، وخاصة منذ تسلم “نتن ياهو” السلطة عام 1999، والأمر لم يختلف حتى لدى من تبعه، إذ لم يخرج أحد عن خط التطرف تجاه الفلسطينيين، ويمكن القول أن “نتن ياهو” لا يختلف في شيء عن شارون بغض النظر عن التوصيفات الصحفية. وحين أقول عن هذا القائد الإسرائيلي أو ذاك بأنه أقل تشددا كأولمرت مثلا الذي طالب بإقالة حكومة نتنياهو وإيقاف الحرب فإنه لم يطلب ذلك رأفة بالفلسطينيين، بل لأن إسرائيل لم تستطع القضاء على حماس طيلة تسعة أشهر، ما يعني أن منطق الزعيم الإسرائيلي الذي يبدو أقل تشددا هو شحذ السكين جيدا إبان ذبح الفلسطينيين لا أكثر، وأنا لا أبالغ.
ويمكن اعتبار المواجهات التي اندلعت في الأيام الأخيرة بين رئيس الحكومة الإسرائيلية “نتن ياهو” ووزير الأمن القومي الإسرائيلي “إيتمار بن غفير” بشأن صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس لا يخرج عن هذا السياق، حتى أن بن غفير هدد “نتن ياهو” بإسقاط الحكومة إن اتخذ قرارا منفردا بهذا الشأن، يجيء ذلك متزامنا مع مغادرة ديفيد بارنياع رئيس جهاز الموساد إسرائيل متوجها نحو الدوحة لخوض جولة جديدة من مباحثات صفقة تبادل الأسرى مع حماس، لكنها قد تكون على الأرجح جولة خُلَّبية، ما يفسر أن رئيس الموساد يطير بمفرده إلى الدوحة دون الوفد المفاوض، رغم تسرب أنباء عن أن حماس قدمت ردها بشأن تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، واشترطت انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، والأرجح أيضا أن تل أبيب تريد من حيث الجوهر تبادل الأسرى دون وقف إطلاق النار، ودون انسحاب القوات الإسرائيلية، وحتى الإعلام الإسرائيلي يرجح أن المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة سيستغرق أسابيع عديدة، ونحن نتوقع أن تكون شهورا عديدة.
الواقع غير الإنساني داخل القطاع
في غضون ذلك يبدو قطاع غزة في وضع يغدو فيها وصفه بأنه في حالة مأساوية غير واقعي على الإطلاق، فعدد الضحايا والمصابين والمفقودين بات يقترب من 200 ألف إنسان، ونسبة النزوح تصل إلى 90% ناهيك عن النزوح المتكرر، وإرهاق الناس وتجويعهم إنها أسوأ كارثة يمكن أن تدخل لا في كتاب غينيتس وحسب، بل وفي سجل تاريخ البشرية.
يضاف إلى ذلك الحصار الخانق، وتمزق الأسر الفلسطينية، وتنامي أعداد مشوهي الحرب والمعاقين الذين يكونون عادة عبئا على المجتمع العامل، فكيف هي الأمور عندما يكون المجتمع برمته تقريبا عاطلا عن العمل بفعل الحرب والحصار والنزوح المستمر، أليس هذا ما تريده إسرائيل تحديدا، أي إفناء الشعب الفلسطيني، ولكن على مراحل لكيلا تبدو إسرائيل في نظر العالم أسوأ من الفاشية والنازية.. ناهيك عن أزمة قطع المياه بما فيها مياه الشرب، وكذلك فقدان الغذاء وتدمير الجيش الإسرائيلي للبنى التحتية وخطوط ومحطات تحلية المياه، والموضوع المُلِّح هو تخفيف الجروح وتقليص النصال فالضماد لا يمكن ان يتم بالسكاكين
معطيات استثنائية الطابع في هذه المرحلة
في ظروف كهذه تحاول إسرائيل تمرير بعض قراراتها التي تؤكد أنها لا تريد السلام بأي حال من الأحوال، وأنها دولة استعمارية استيطانية، وهذا الواقع أخطر وأمكر أنواع الاستعمار عبر التاريخ، فقد اتخذت إسرائيل قرارات هكذا وحدها بغض النظر عن القانون الدولي، قرارات بشرعنة البؤر الاستيطانية، بل والموافقة على بناء عدد كبير من الوحدات السكنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يعتبر انتهاكا صارخا للقانون الدولي، هذا القانون الذي يعتبر بالنسبة لإسرائيل “خرقة” لا أكثر نتيجة دعم الولايات المتحدة لإسرائيل حتى في خرقها للقانون الدولي، هذه الوقائع استنفرت هذه المرة تركيا رغم كونها عضوا في الناتو، حيث أدانت الخارجية التركية في بيان رسمي القرارات الإسرائيلية لبناء وحدات سكنية جديدة في الضفة الغربية المحتلة منوهة بأن ذلك يعني أن إسرائيل تسعى لجعل الاحتلال مستداما، وليس لها أية نية لتحقيق السلام ” اكتشاف متأخر جدا يا أنقرة!”، الجيد في الأمر ولكن شكليا أن تركيا دعت المجتمع الدولي لاتخاذ موقف حاسم ومبدأي ضد محاولات إسرائيل جعل الاحتلال أمرا مفروغا منه. بالمناسبة الحديث يدور هذه المرة حول منح الحكومة الإسرائيلية التراخيص والموافقة على بناء 5300 وحدة سكنية، تخيلوا هذا الرقم كل بضعة أشهر كيف ستكون النتيجة مع مرور السنين، ما دفع بالرئيس التركي طيب رجب أردوغان إلى المطالبة بالضغط على إسرائيل وإجبارها على القبول بوقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، منوها بأن خرائب غزة التي دفن تحتها أكثر من 16 ألف طفل فلسطيني بريء هي في الواقع حطام النظام الدولي الذي فقد شرعيته.
وحتى السعودية
كان من البديهي أن تستنفر الدول ذات التوجهات الإنسانية ضد هذا الواقع، وقد سبق بعضها وتجاوز مواقف بعض الدول العربية كالبرازيل والهند والصين وروسيا وغيرها، لكن السعودية مع ذلك حاولت أن يكون لها موقف متميز، لكنه ما زال إشكاليا، وتحت إشارة استفهام، فقد عبر وزير الخارجية السعودية ابن فرحان في مؤتمر المجلس الأوروبي عن موقف المملكة المتمثل في دعمها نشر قوات دولية في غزة بقرار أممي لدعم السلطة الفلسطينية، وهذا التعبير مطاطي في الواقع ، أي سلطة فلسطينية؟ من الواضح رغم الصياغة ذات الطابع العام أن المقصود السلطات في رام الله والرئيس عباس، وليس قيادة حماس في غزة، وأضاف فرحان أن الوضع المأساوي في غزة لا يزال مُحبِطا للآمال، وليس هناك أي احتمال لوقف إطلاق النار، ناهيك عن الوضع المأساوي الخطير إنسانيا في قطاع غزة .
من جهة ثانية
أكدت حماس رغم كل هذه المصاعب والمصائب رفضها أية مخططات تتجاوزها، أو أطروحات أو مشاريع تقصد تهميش الإرادة الفلسطينية بما يتعلق بمستقبل قطاع غزة، ومحاولة الوصاية عليه، ما يذكر بشكل جلي بالأطروحات السعودية حول قبول قوات دولية.
فقد نشرت حماس بيانا واضحا أعلنت فيه رفضها لأية مخططات مشبوهة، بل وحتى أية تصريحات أو مواقف تدعم مخططات دخول قوات أجنبية إلى قطاع غزة، أيا كانت المسميات والمبررات، بل إن بيان حماس جاء عمليا ردا على تصريحات وزير الخارجية السعودية التي رحب خلالها بفرض قوات دولية، وأكد بيان حماس أن إدارة قطاع غزة بعد دحر المعتدين الإسرائيليين هي شأن فلسطيني داخلي، وسيتم التوافق عليه من قبل مختلف فئات الشعب الفلسطيني الذي لا يسمح بأية وصاية خارجية على مقدراته، لم يكتف البيان برفض ما اعتبره مبادرات وموافقات مشبوهة، بل طالب الدول العربية والإسلامية، بأن تضطلع بمسؤولياتها والضغط على إسرائيل لوقف حرب الإبادة التي تشنها على الفلسطينيين في غزة، وأن تقدم الدعم اللازم للشعب الفلسطيني في معركته الحاسمة، وصيانة المقدسات الإسلامية والمسيحية التي تعيث فيها السلطات الإسرائيلية فسادا.
من جهة ثانية يتابع حزب الله دعم المقاومة الفلسطينية عمليا بالقصف المباشر للمواقع الإسرائيلية في حين تخلت كثير من الدول العربية حتى من دعم المقاومة معنويا وحتى شكليا، وقد استقبل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وفدا من قيادة حركة حماس في هذا الظرف بالذات، ليؤكد استمرار دعم المقاومة الفلسطينية بكل السبل بما في ذلك تأمين المساعدات الإنسانية مع الدعم بالقصف وتحدي الغطرسة الإسرائيلية.