صحافة وآراء

غربان “السلام” الأمريكي تحوم في المنطقة مجدداً!

بقلم فضل المهلوس

لم يكن صهاينة الإدارة الأمريكية بحاجة إلى تجشّم عناء رحلات السفر الطويل للمنطقة، كي يوصلوا رسائل زعيمهم المطلوب للعدالة الدولية الحقّة نتنياهو، ويثبتوا شراكتهم في قيادة عمليات القتل والتدمير في غزة ولبنان، ويواصلوا الكذب الوقح في التباكي حزناً على الشعبين الفلسطيني واللبناني، وهم يدركون أنهم يكذبون، مثلما يدركون أن الآخرين يعرفون أنهم يكذبون، ورغم ذلك يواصلون الكذب لدرجة باتوا ينسون ما تفوّهوا به من أكاذيب يومهم السابق. فهل هذه هي أمريكا التي ما زالت تدّعي أنها تقود العالم، وتأمر وترسم، أم أنها تعيش حالة من الانفصام عن الواقع بلغ مراحله المتأخرة التي لا شفاء منها؟

ربما لم يحظَ “الكيان” المجرم بهكذا فريق عمل للإدارة الأمريكية، يتّسم بإعلى درجات الغباء والضعف، يقوده رئيس متنحّي مشكوك في قواه العقلية، ويفتخر بصهيونيّته المفرطة حتى لو لم يكن يهوديّاً، ووزير خارجية سعيد بصهيونيّته قبل يهوديّته، ومراسلاً حربيّاً كان مغموراً أثناء خدمته العسكرية بسلاح مدرعات “الكيان”، ومخلصاً لجنسيته الإسرائيلية أكثر من إخلاصه للولايات المتحدة التي يمثّلها، وزملاء لهم من الشّواذ يقفون على يمين النازي البولندي “بنزيون ميليكوفسكي”.. وحدّث ولاحرج.

منذ انطلاق الحرب البرية البربرية في قطاع غزة، ونفس الجوقة تتحدّث عن اليوم التالي للحرب ما بعد “حماس”، وها هم يكررون ذات الموّال في لبنان، وتجاهر سفيرتهم في عوكر بضرورة الحديث عن اليوم التالي لما بعد “حزب الله”، وما زالت نخبة جيش “الكيان” الهمجي غارقة للشهر الثاني عشر على التوالي في رمال غزة العزّة، وما زالت هذه النخبة لم تتمكّن مع كلّ المشاركة الأمريكية والغربية من اجتياز الحدّ الامامي للجنوب اللبناني المقاوم. وكلّ ما حققه طيلة أكثر من عام هو إبادة المدنيين العزّل وتدمير المنازل والمرافق المدنية على اختلافها.. فها هو مراسل نتنياهو الحربي هوكشتاين يبدي حزنه على الشعب اللبناني، وهو الذي أوصى عشية وصوله باستهداف هذا الشعب بأعنف الغارات المذخّرة بأحدث ما توصّلت له الصناعات العسكرية الأمريكية والغربية لقتله وتدمير مرافقه المدنية، تمهيداً لعرض رسالة كيانه على لبنان: الاستسلام أو التدمير الشامل. وها هو زميله كيربي يعبّر عن مشاعر القلق من هول ما رآه من حرق العائلات النازحة في خيام الإيواء التي أعلنها جيش الاحتلال مناطق آمنة في قطاع غزة أحياءً وهم نيام، وبالقنابل الأمريكية الحارقة المحرّمة دوليّاً. وها هو كبيرهم الخرف يعتبر استشهاد القائد السنوار تحقيقاً “للعدالة الدولية” أو بالأحرى الأمريكية.. وكأنهم يريدون قطف ثمار انتصار لم ولن يتحقق، ويعتقدون في قرارة أنفسهم أنه لن يتحقق، ويتوهّمون أن بإمكانهم أن يحصلوا على ما لم يتمكّنوا انتزاعه في الميدان، كما فعلوا بإجهاض انتصار حرب اكتوبر 1973 وانتزعوا معاهدة كامب ديفيد الاستسلامية. ومثلهم بذلك مثل الذي يتاجر بفرو الدب قبل اصطياده.

ترى ما هو تعليق دعاة “السيادة والاستقلال” في لبنان على ما نقله مراسل نتنياهو الحربي من رسالة إسرائيلية موجهة إلى لبنان كل لبنان، من فرض الهيمنة الإسرائيلية وانتزاع كل تعبيرات السيادة والاستقلال، وتحويل لبنان إلى مجرّد محميّة إسرائيلية، وتنصيب رئيس لها يهبط هذه المرّة ببراشوت الطائرات الحربية الأمريكية الممهورة بالعلم الإسرائيلي، وليس على ظهر دبابة شارون كما حصل عام 1982؟

وها هو بلينكن يستعد ليهرع لتل أبيب لمواساة النازح من منزله نتنياهو وحرمه، وليسوّق جولة مخدرات جديدة في المنطقة العربية لتمرير فترة الانتخابات الأمريكية الوشيكة بأقل قدر ممكن من التصعيد غير الإسرائيلي طبعاً، وليعيد التاريخ في قطاع غزة إلى حقبة الوصاية المصرية ما قبل حرب الأيام الستة بل الساعات الست عام 1967، ولكن وفق الإرادة الإسرائيلية وبمشاركة عربية هذه المرّة، ويحاول فرض الرؤية الإسرائيلية الخالصة لليوم التالي للحرب في قطاع غزة المقاتل، وليُلقي عبء ملف الأسرى الإسرائيليين والمتأمركين منهم على عاتق العواصم العربية، وخاصة الوسطاء منهم.

لقد بات غباء هذه الإدارة الأمريكية من المسلّمات حتى بالنسبة للخبراء العقلاء الأمريكان أنفسهم، فتلك مصيبة حلّت بأعتى إمبراطورية عرفها التاريخ البشري. أمّا أن يقترن هذا الغباء بالجهل التام فالمصيبة أعظم.

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى