باحث إسرائيلي: بعض وحدات جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة باتت “عصابات”

“ ما كان حتى وقت قصير مجرد (فانتازيا) يقودها المتطرفون في الحكومة، بات الآن واقعاً قيد التشّكل من دون أيّ معارضة سياسية، أو جماهيرية حقيقية وإن أحد أسباب ذلك هو أن مَن يقود ذلك ليس المستوى السياسي الذي يستفيد منه، بطبيعة الحال، لأسبابه الخاصة؛ بل الجيش، فهو المبادِر والمركز لكل شيء. الوحدات المستنزفة بسبب القتال المستمر، وتحت غطاء الرسالة بأن كل شيء مسموح، فإن الانصياع للأوامر بات ضعيفاً لدرجة أن أحد الضباط وصف هذه الوحدات بأنها عصابات“.

تحت العنوان أعلاه نشرت “القدس العربي” اللندنية تقريراً تحليلياً اليوم 24/11 الجاري بقلم “وديع عواودة”من الناصرة، ورد فيه: “يؤكد الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب الكاتب والصحافي سابقا عوفر شيلح في مقال ينشره موقع القناة 12 العبرية أن الجيش الإسرائيلي لا يكشف عن حقيقة خسائره في غزة أو يتطرق لجرائمه في غزة، ودفعت محكمة الجنايات الدولية لإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، فيقول نقلا عن ضباطه إن بعض وحداته باتت (عصابات) مرجحا أن تتفاقم الانتهاكات إذا لم يسارع قادته لتصحيح المسار. ويقول شيلح إن فكرة الاحتلال الفعلي لشمال قطاع غزة، ومن الممكن القطاع برمته، واستعمال مصطلحات ضبابية متعددة، مثل (الحكم العسكري المؤقت) أو استخدام فكرة إنكار الحقيقة الموجودة، واستعمال شركات خاصة يؤمنها الجيش من أجل توزيع المساعدات، يتم تطبيعها في الرأي العام الإسرائيلي بسرعة لا تُصدق. ويقول أيضا إن ما كان حتى وقت قصير مجرد (فانتازيا) يقودها المتطرفون في الحكومة، بات الآن واقعاً قيد التشّكل من دون أيّ معارضة سياسية، أو جماهيرية حقيقية وإن أحد أسباب ذلك هو أن مَن يقود ذلك ليس المستوى السياسي الذي يستفيد منه، بطبيعة الحال، لأسبابه الخاصة؛ بل الجيش، فهو المبادِر والمركز لكل شيء. ويتابع شيلح في نظرته النقدية لما جرى ويجري في القطاع: (تحت غطاء نحن لا نقوم بتنفيذ خطة الجنرالات ـ بما معناه، لا نجوّع المدنيين قصداً ـ ومصطلحات مهنية، مثل زرع الفرقة بين كتائب حماس، يقوم الجيش بخطوات تتضمن تهجير السكان وتدمير مناطق واسعة، وأيضاً قتل المدنيين في كثير من الأحيان. زاعما أن هذا ليس مقصوداً، لا سمح الله، لكنه يجري بالتتالي، فحسب تقارير الأمم المتحدة التي لا يتطرقون إليها في إسرائيل قط، في الفترة 24- 29 تشرين الأول/أكتوبر- أي خلال أقل من أسبوع من القتال، وقع ما لا يقل عن 7 مجازر بحق المدنيين ولا يتم التحقيق في هذه القضايا إلا إذا كان هناك تخوّف من تحقيق خارجي)”..

مسؤولية إسرائيل

“ويوضح شيلح أن مساحة محور نيتساريم تبلغ الآن 56 كيلومتراً ـ 15 في المئة من مساحة القطاع برمته. وهناك خطط لبناء محاور كهذه في مناطق مختلفة في شمال القطاع. كما يوضح أن مع استكمال البناء، سيكون هناك ما نسبته عشرات في المئة من مجمل القطاع عبارة عن أراضٍ مدمّرة أقيمت عليها مبانٍ، وضمنها مواقع ثابتة لجيش الاحتلال. ويقول إن مصير المليوني إنسان- ممن يعيشون في شمال القطاع المحاصر والمحتل، ومَن يعيشون في الجنوب المحاصر فقط – يقع الآن على عاتق إسرائيل. ويضيف (كتبتُ هنا عدة مرات سابقاً عن الضرر الذي لا يمكن إصلاحه، نتيجة هذا، بمكانة إسرائيل الدولية واقتصادها وحصانتها الداخلية. آن الأوان لتفصيل الضرر الذي يلحق بالجيش نفسه، ويمكن أن يكون الضرر الذي يلحق بالجيش كبيراً جداً ويتغلغل في وقت قصير جداً. واستناداً إلى محادثات أجريتها مع الضباط في الميدان، والأخبار القليلة في الإعلام التي تتطرق إلى هذا الموضوع، وبعد الاطلاع على المعطيات التي يحتفظ بها الجيش لنفسه، أو تتسرب إلى الأخبار بين الحين والآخر، يبدو أن هناك صورة صعبة، لكنها معروفة: مَن يعرف تفاصيل ما جرى للجيش في الفترة 1983-1985 في لبنان، يشعر الآن بأنه يشاهد استعادة مضاعفة بأضعاف الأضعاف). وفي مقاربة لاستشراف المستقبل يشير شيلح إلى أنه لا يريد أن يدخل في النقاش بشأن ما حدث، على الرغم من أنه لا يزال يحدث لكن يشير إلى ما يمكن أن يحدث خلال وقت قصير: (في الوحدات المستنزفة بسبب القتال المستمر، وتحت غطاء الرسالة بأن كل شيء مسموح، فإن الانصياع للأوامر بات ضعيفاً لدرجة أن أحد الضباط وصف هذه الوحدات بأنها عصابات). ويتابع في فضح ما يحجب عن الإسرائيليين في وسائل إعلامهم: (لقد استُنزف الانضباط داخل الوحدات، في الأساس، لأنه لم يتم حتى اليوم تحميل المسؤولية لأحد عن الإخفاق الكارثي يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. هناك مَن انسحب من الخدمة بسبب تأنيب الضمير؛ وامتنع الجيش من نشر أيّ تحقيق بعد نشر ما جرى من فضائح في تحقيق بئيري). وطبقا لهذا الباحث الإسرائيلي فإن السؤال هو كيف يمكن لضابط فشل هذا الفشل المدوّي أن يفرض شخصيته على جندي أقل رتبةً منه؟ معتبرا أن الجيش هو تنظيم لديه مجموعة من القيم، وإن فُقدت، لن يملك أي شيء وحين لا يحترم الضباط الكبار هذه المجموعة من القيم، فلا يمكنهم فرضها على الجنود الأقل رتبة. موضحا أن الأرقام التي يجري عرضها في الجيش النظامي، وأيضاً الاحتياط، باتت كذبة متفق عليها اليوم، ويمكن أن تصبح الصورة أخطر كثيراً مرجحا أن تتوّلد في الميدان أطر مفكّكة ذات كفاءة قتال بعيدة كل البعد عن الوضع المثالي. أمّا الضباط الصغار في السن، فلن يستمروا في الخدمة، بعضهم بسبب الاستنزاف، وبعضهم بسبب معارضتهم الذاتية لتنفيذ مهمات لا يفهمونها، أو لا يوافقون عليها. ويضيف في استعراض أزمة جيش الاحتلال: (عاش الجيش أزمة مماثلة في ثمانينيات القرن الماضي، واحتاج إلى أعوام طويلة للتعافي منها. كلما تعمّق احتلال غزة وتحوّل إلى وضع قائم، كلما كانت عملية التعافي صعبة). وهنا يستذكر أن وزير الأمن السابق يوآف غالانت (الذي صادق على هذه الخطوات) قدّر أن حجم القوات المطلوبة لإدارة الحكم العسكري في غزة أربع فرق، ويتساءل كيف سيتم تجنيد هذه الفرق؟ وهل سيتم هذا عبر زيادة مدة الخدمة الإلزامية، أو عبر مزيد من الألاعيب لتهرّب اليهود الحريديم المستمر من الخدمة العسكرية؟ أم أن هذا سيجري عبر زيادة السن الأقصى للخدمة في جيش الاحتياط، أو مطالبتهم بالخدمة للمرة الرابعة والخامسة وزيادة الثقل الاجتماعي والاقتصادي والقيمي الذي لا يُحتمل في الوقت الذي تشجع الحكومة على التهرب من الخدمة؟”.

ميزانية الأمن

“وحسب شيلح لن تُستغل ميزانية الأمن، التي تتضخم باستمرار على حساب الاقتصاد والنمو، من أجل تجهيز القوات لمواجهة مستقبلية، أو من أجل إحداث تغييرات مطلوبة في أعقاب استخلاص دروس الحرب في غزة، إنما ستُستعمل للحفاظ على الاحتلال في القطاع. ويكشف أنه خلال الأشهر التسعة الأولى من القتال، كانت تكلفة الموارد البشرية 25 في المئة من الإنفاق الحربي ويقول إنه إذا حدث هذا السيناريو، فإن هذه النسبة سترتفع فقط على حساب التزّود بالسلاح والتدريبات. وتتسع دائرة انتقادات شيلح أكثر بقوله إن انتهاكات القيم الأخلاقية للقتال التي تتعامل معها فئات داخل المجتمع الإسرائيلي على أنها عبء تحررنا منه بذريعة (وحشية العدو) يمكن أن تتحول إلى شيء يومي. ويضيف محذرا (إذا حدثت هذه الانتهاكات، فلن تسمعوا عنها لأن الإعلام لا ينشر الأخبار عنها، وستعرفون فقط من بعض الجنود الذين يلتقطون الصور في شبكات التواصل الاجتماعي. في هذه الحالة، ستتسع الفجوة ما بين ما يسميه الجنرال غاي حزوت جيش السايبر وجيش الفرسان: مَن لا يريد المخاطرة بنفسه، حرفياً، في خدمة من هذا النوع، سيجد مكانه في الجيش الذي لا تدوس أقدامه أرض غزة). ويؤكد أن هذا السيناريو ليس مبالغاً فيه، وجزء منه يجري فعلاً، ويمكن للبقية أن تحدث مستقبلاً لأن هذا ما حدث سابقاً. ويشير إلى أن كبار الضباط يتحدثون عن هذا السيناريو بصوت منخفض لأن الحديث عنه بصوت مرتفع يمكن أن يعرّض حياتهم المهنية للخطر. ويخلص شيلح للقول (إن الطريقة الوحيدة لمنع ذلك هي أن تعود القيادة العليا إلى رشدها وترص صفوفها ضمن قيَم الجيش نفسه، وأن تقف في مواجهة المستوى السياسي، الذي يكنّ جزء منه العداء لها، بينهم رئيس الحكومة، ويريد أن يحمّلها المسؤولية الحصرية عن الإخفاق، وأن تقول الحقيقة له ولنا. نحن نقاتل منذ 14 شهراً، ومثل هذا لم يحدث قط من ذي قبل)”.