صحّة

الإنفلونزا الإسبانية

ماتريوشكا نيوز

“قتل المرض 100 مليون إنسان، فيما قتلت الحرب العالمية الأولى 16 مليوناً فقط، لم تبدأ حكاية المرض في إسبانيا كما يُفترض من اسم المرض، بل من أمريكا، لكن أمريكا والدول الأخرى كانوا في حربٍ، ولم يرغبوا بإظهار خسائرهم من المرض، وفرضوا تعتيماً إعلامياً. باستثناء إسبانيا التي كانت محايدة، وتحدثت صحافتها عن المرض، فظن الجميع أنها هي بؤرة الوباء”.

الزمان عام 1918 أثناء الحرب العالمية الأولى، كتب جنرال أمريكي يصف المشهد في مستشفى عسكري: وُضِعَ الجنود المصابين على الأسرّة حتى امتلأت جميعاً فيما استمر المزيد بالمجيء، وجوه الجنود بدأت تتحول للون الأزرق، اختلط سعالهم الشديد بالمخاط والدم، وفي الصباح تكدست الجثث في المشرحة فوق بعضها، وكأنها ألواح من الخشب.. لم يكُن الجنرال يصف حال الجنود المصابين بالرصاص أو القذائف في ميادين المعارك بل جنود المرضى المصابين بالانفلونزا الإسبانية. ذلك المرض الذي انتشر أثناء وقوع الحرب، وحصد أرواحاً أكثر من الذين قتلوا في المعارك.. وبكثير!

حكاية المرض

لقد قتل المرض 100 مليون إنسان، فيما قتلت الحرب العالمية الأولى 16 مليوناً فقط، لم تبدأ حكاية المرض في إسبانيا كما يُفترض من اسم المرض، بل من أمريكا، لكن أمريكا والدول الأخرى كانوا في حربٍ، ولم يرغبوا بإظهار خسائرهم من المرض، وفرضوا تعتيماً إعلامياً. باستثناء إسبانيا التي كانت محايدة، وتحدثت صحافتها عن المرض، فظن الجميع أنها هي بؤرة الوباء. وصل الوباء إلى معسكرات الجيش الأمريكي، وتقاطر الجنود الذين يُعانون من المرض للعيادات، كانت حرارتهم مرتفعة، وعانوا من ألم وصفوه بأنه أشبه بعذاب جهنّم، الكارثة لم تكن لتنتهي عند ذلك الحد، فقد تمّ نقل الجنود من المعسكرات إلى جبهات القتال في أوروبا برفقة معداتهم الموبوءة بالفيروس، وخلال السنوات المقبلة، سيقتل الفيروس الذي حملوه أكثر مما ستقتله أسلحتهم. اختلط أولئك الجنود بحلفائهم من الجيوش الأخرى، كالجيش البريطاني والفرنسي ونشروا الفيروس بينهم وبين المدنيين في البلدان التي حاربوا بها، وأخذ الوباء ينتشر..

على عكس الأمراض الأخرى التي تصيب الضعفاء من كبار السن والأطفال، أصابت الإنفلونزا الإسبانية الشباب الأصحاء بشكلٍ أساسي، وأغلب مَن ماتوا بسببه تراوحت أعمارهم بين 20 إلى 40 عاماً، أعراض المرض كانت سريعة الظهور، يأتي المريض وهو يُعاني من الحرارة الشديدة ونزيف في الأنف، وعند فحصه يظهر إصابته بالتهاب رئوي وسوائل في الرئتين، وسرعان ما يموت خلال 24 ساعة على الأغلب. لم تكن الفيروسات قد اكتشفت، فلم يعلم الأطباء سبب الأعراض الرهيبة، حتى أن بعضهم اعتقد أن ما يجري هو حرب كيماوية، الدول المتحاربة لم ترغب بإجراء حجر صحي، ومنع تنقل الناس لمنع انتشار الوباء، خشية أن يقلل ذلك عدد الجنود المحاربين والمدنيين الذين كانوا غالباً يعملون في المصانع العسكرية، فانتشر المرض في كُل مكان.. وامتلأت المستشفيات بالمرضى ولم تكفِ التجهيزات والطواقم الطبية لعلاجهم جميعاً.

المرض غزا كُل العالم تقريباً، حاصداً ملايين الأرواح، فقتل نصف مليون أمريكي، وربع مليون بريطاني، ومئات الآلاف في دول أوروبا الأخرى، لكن أكبر كوارثه كانت في الهند التي حصد أرواح 17 مليوناً من سكانها، وإيران التي قتل منها أكثر من مليون إنسان، وعلى مستوى العالم، يُقدّر المؤرخون أنه قتل ما يقرب من مائة مليون إنسان، حتى أن متوسّط عمر البشر انخفض ل39 عام فقط أثناء انتشاره! ومع بداية العام 1919 بدأ المرض ينحسر، بدون سببٍ معلوم إلى أن انتهى تماماً في نفس العام، اختفى الحديث عن المرض، وغطت أخبار الحرب العالمية الأولى على أخباره، مع أنه كان أشد فتكاً منها بكثير ولم يظهر أي وباء يغزوا العالم مثله… إلا بعد مئة عام، وهو فيروس كورونا، فهل سيتعظ العالم من هذه التجربة المريرة، لتفادي الأثار المحتملة من انتشار فيروس كورونا بمتحورات جديدة وقاتلة؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى