ثلاثية الأكاذيب الكبرى بحق الفلسطينيين العرب وأصدقائهم – بقلم: د. أيمن أبو الشعر (الجزء الأول)
• كان نابليون أول من دعا اليهود عام 1799 للقدوم إلى فلسطين قبل بلفور بأكثر من مئة عام حين عجزت قواته عن اقتحام أسوار عكا
• مقولة هرتزل: ” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” افتراء على الحقيقة والواقع والإنسانية
نعم مرت الأمة العربية بمراحل سبات عميق لكن جينات توثبها الكامنة ظلت متهيئة للانطلاق كما الصهارة في جوف البركان قبيل انفجاره، ولعل هذا ما دفع بثعلب السياسة الأمريكية كيسنجر لأن يكتب على ذمة الرواة لمناحيم بيغن بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1977 قائلا: “لقد سلمتك أمة نائمة، خذ منها ما تشاء قبل أن تفيق، واحرص على ألا تفيق، لأنها إن أفاقت فسوف تسترد في عام واحد ما فقدته خلال مئة عام!”… وأنا واثق أن هذا الشعب سينهض من رماده كالعنقاء ويحلق من جديد.
على الرغم من ظهور بوادر الصحو إلا أن بعض رواسب ذاك السبات ظلت تغمض عينا وتفتح أخرى من خلال تصديق الدعايات الغربية التي تسغى لتكريس تشتت وضعف العرب، وهي بالتالي تُبرز التفوق الإسرائيلي في شتى النواحي بمبالغات خيالية، وكأنها نتيجة تفوق الجينات الإسرائيلية على الجينات العربية ناسية أن العرب واليهود من نسل سام، وكذلك عبر أكاذيب ساطعة وخاصة المصيرية منها، ومن أهمها ما أشيع عن أن الفلسطينيين هم الذين باعوا أراضيهم للإسرائيليين، وبالتالي لا يحق لهم المطالبة بفلسطين!!! كذبة كبرى مرتبطة بأكاذيب أخرى، تعالوا لنفند بالأدلة جوهرها وفحواها.
-أكذوبة تُبنى على أكذوبة
تبدو الأكذوبة الكبرى منذ الخطوات الأولى عبر مقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، تلك التي روج لها “هرتزل” للإيحاء بأن فلسطين لا شعب فيها، وهي عبارة عن بواد وصحارى، والشعب اليهودي لا أرض له، إذن فلتمنح له فلسطين! وتبنت هذه المقولة بريطانيا، التي كرست عمليا مقولة أخرى لصوصية بامتياز وإن كانت غير معلنة، ولكن هكذا فعلت، وهي أعطِ ما لا تملك لمن لا يستحق! وقد جاء هذا الوعد من الحكومة البريطانية على لسان آرثر بلفور عام 1917، وكان قد سبقه نابليون بونابرت نفسه عام 1977 في دعوة اليهود من آسيا وأوروبا للقدوم إلى فلسطين حين فشل في اقتحام أسوار عكا، وقد وجه دعوته هذه آملا بالحصول على دعمهم عبر نداء استغلالي وضيع يقول فيه لليهود: “انهضوا، فهذه هي اللحظة المناسبة، فرنسا تمد لكم يدها حاملة ارث إسرائيل، سارعوا للمطالبة باستعادة مكانتكم بين شعوب العالم”… حاول نابليون بذلك أن يدعم حملته العسكرية التي تهشمت على صخور السواحل الفلسطينية، وهذا مهم معرفته لمن يعتبرونه شخصية مميزة، نعم هو مميز سلبا وليس إيجابا كما هو الحال بالنسبة لهتلر.
ويلفت النظر أن وعود بريطانيا بدأت عمليا عام 1840 عبر وزير خارجيتها “بالمرستن” الذي عبر عن ترحيبه بهجرة اليهود إلى فلسطين للحيلولة دون سعي محمد علي لتوحيد سورية ومصر، ثم فيما بعد توضح أن اليهود يرغبون في الواقع بالهجرة من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مما دفع لاستكمال استكشاف حقيقة الوضع في فلسطين، فتم إرسال اثنين من رجال الدين اليهود نهايات القرن التاسع عشر، وتبين لهما خطل ما قاله هرتزل، فقد اكتشفا أن هنالك شعبا حيا يعيش منذ عشرات القرون، فجاء جوابهم بعبارة رمزية شهيرة يصفون فيها حال فلسطين: “العروس جميلة جدا، ومستوفية لجميع الشروط، لكنها متزوجة!”. توضح زيف الكذبة الكبرى بأن فلسطين أرض بلا شعب، وبالتالي يجب أن تمنح لليهود لأنه شعب بلا أرض. لكن ذلك لم يمنع من استمرار المشروع الصهيوني بدعم مباشر من بريطانيا وأوروبا.
-كذبة أخرى افتراء على التاريخ
القول بأن الفلسطينيين هم الذين باعوا أراضيهم هو بالفعل افتراء على التاريخ. على الأقل من خلال استقراء معطيات التاريخ ذاتها، فقبل أواسط القرن التاسع عشر لم يكن في فلسطين سوى بضع مئات من اليهود، وهم مشردون لا يلوون على شيء. وفي عام 1849 أصدر السلطان العثماني عبد المجيد الأول فرمانا يسمح فيه لليهود بشراء الأراضي، عندها قام اليهودي الغني موشى حاييم مونتيفيوري بإقامة أول مستوطنة يهودية خارج أسوار القدس القديمة، أي لم يكن لليهود قبل قرن واحد من النكبة سوى هذه المستعمرة الصغيرة التي لا تتعدى مساحتها مساحة أرض قرية غير كبيرة. ثم تنامت المستوطنات اليهودية بدعم مباشر من بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى حيث كانت موكلة بالانتداب على فلسطين، وليس نتيجة بيع الفلسطينيين لأراضيهم، فقد كانت معظم أراضي فلسطين قبل ذلك مشاعا، ثم غدت الأراضي بحكم الواقع لمن يزرعها، وقد دفعت الانتهاكات والمعيقات الحياتية الفلاحين للتهرب من الطابو، وبالتالي كانت معظم ملكيات الأراضي تعود للعائلات اللبنانية والسورية والأموال الأوربية، وتزايد حضور الرأسمال الصهيوني لنقل أراض مشاع إلى ملكيتهم، ومع ذلك لم تزد المساحة التي يملكها اليهود حتى عام 1914 عن 1% من مساحة فلسطين. عندها نشط الانتداب البريطاني لتحويل ما يستطيع تحويله من الأراضي إلى الملكية اليهودية، ناهيك عن إنشاء الطرق بما يخدم تواصل اليهود ودعم مشاريعهم، ناهيك عن زيادة حصة الأراضي التابعة للدولة ثم تحويلها إلى اليهود، وكذلك تم استخدام حق الانتداب في نزع الملكية، واستملاك أية أرض تحت مسمى المنفعة العامة، واجبار بعض الفلاحين على التخلي عن أراضيهم لتسديد القروض والديون، وكان التمييز بين العرب واليهود ساطعا في هذه المجالات، ولابد من الإشارة إلى أنه على الرغم من كل هذه الممارسات التعسفية والإجراءات المجحفة بحق الفلسطينيين لم يتمكن اليهود من الاستحواذ إلا على قرابة 9،4% من أراضي فلسطين، إنه الاستغلال والاغتصاب والتحايل وليس بيع الفلسطينيين لأراضيهم.
يكفي أن أشير إلى أن هجرات متتالية للفلسطينيين جرت نتيجة إرهاب العصابات الصهيونية لسكان القرى وذبحهم كي يهرب الآخرون حيث لم تخف هذه العصابات رغبتها في ذبح العرب الفلسطينيين، الأمر الذي استمر بأشكال مختلفة بما في ذلك مداهمة قوات الاحتلال للمدن والقرى الفلسطينية بين حين وآخر بحجة قمع انتفاضة أو اعتقال فدائيين، ويسقط عادة الكثير من الشهداء والجرحى إبان هذه الحملات، وقد تم تهجير أكثر من 800 ألف فلسطيني منذ النكبة، ومع ذلك وبعد مرور أكثر من سبعين عاما على اضطرار الفلسطينيين للرحيل غصبا عن ديارهم ما زال الأمل بالعودة ناضجا، ويتم توارث مفتح الدار التي طردوا منها عبر الأجيال حتى الآن فهم لم يبيعوا ديارهم بل طردوا منها.
-من ذكريات الطفولة
كانت سهير ابنة جارتنا صديقتي أيام الطفولة المبكرة، وذات يوم تخاصمنا لسبب عابر لم أعد أذكره تماما، ربما لأنها كانت تتحدث عن جدها بقولها ” سيدي” فعيرتها بأنها عبدة، فقالت كيف إنه جدي يعني سيدي!!! وغادرت بيتنا حزينة، وشعرت بالذنب بعد أن غادرت سهير بيتنا حتى أنني بكيت، عندها تدخلت جدتي وهدأتني واعدة أنها ستصالحنا إن وعدتها بأنني لم أزعج سهير بعد الآن وأوضحت أن هذه عادة عند الفلسطينيين كاحترام للكبير بل للأكبر… ثم قالت: ” يا بني، سهير اليوم لاجئة مسكينة، ولكن صدقني -وتغيرت لهجتها ونبرة صوتها-: ” كان الفلسطينيون يا أيمن أغنى أغنياء المنطقة كلها، وحين تتباهى أية فتاة على صديقاتها كانت تقول لقد جاء ليخطبني بالأمس تاجر فلسطيني!!! البرتقال والزيتون عندهم كنز حقيقي… ذات يوم قبل النكبة تقدم لخطبتي شاب فلسطيني فبات الأهل يباركون لي غامزين ” بكرا ستتكبر وتشوف حالها لأنها ستغدو غنية! ” ولا أدري كيف ارتبط اسم سهير وذكراها بعد ذلك بالبرتقال والليمون والزيتون…من فعل بهم ذلك؟ الإسرائيليون أم تخاذل الحكام العرب؟
مضى زمن طويل ولم أعد أرى سهير منذ عشرات السنين، ولكني بت أتذكر ما قالته الجدة كلما سمعت أحدا يقول عن حظ قريبته أنه رائع، فقد جاء ليخطبها تاجر كويتي أو إمارتي…
ستعود بيارات برتقالكم وليمونكم وحقول زيتونكم…إنني واثق من ذلك كما أنا واثق من طلوع الشمس غدا!
يتبع الحلقة الثانية.