
نظام زيلينسكي وما تبقى من الجيش الأوكراني على شفا الانهيار والدم الطاهر الذي أريق في غزة كتب إعلان إقامة الدولة الفلسطينية
رامي الشاعر
صرح جي دي فانس نائب الرئيس الأمريكي بأن إدارة ترامب تسعى إلى سلام طويل الأمد في أوروبا، وأكد على ضرورة وقف القتال في أوكرانيا وتسوية النزاع.
يأتي ذلك على خلفية حراك دبلوماسي وسياسي نشط إثر مكالمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي دفعت على الفور بمحادثات بين وفدي البلدين جرت في الرياض هذا الأسبوع، والتي خرج منها الوفد الروسي بتعليق واضح ومحدد بأن اللقاء كان “إيجابيا”، فيما قال مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف إن المحادثات كانت “مقبولة”، أو كما يمكن ترجمته حرفيا عن اللغة الروسية “ليست سيئة”. من الجانب الأمريكي وصف ترامب المحادثات بأنها كانت “جيدة”.
تابع جي دي فانس، خلال مؤتمر المحافظين المنعقد في واشنطن: “إن الرئيس لا يريد وقف الحرب فحسب، بل يريد تحقيق سلام طويل الأمد في أوروبا، لأنه يفهم أن السلام يخدم مصالح روسيا وأوكرانيا وأوروبا، لكن الأهم من ذلك، أنه يصب في مصلحة الشعب الأمريكي”.
كذلك أكد فانس على أن القوات المسلحة الروسية تتمتع بتفوق عددي على نظيرتها الأوكرانية، وأن عمليات إرسال الأسلحة الجديدة إلى كييف لن تكون مفيدة، مضيفا أن الرئيس الأمريكي يتعامل مع الحقائق على الأرض، ومن بينها التفوق العسكري للقوات الروسية. ثم كتب على منصة X للتواصل الاجتماعي: “الروس يتمتعون بتفوق هائل في العدد والعتاد بأوكرانيا، وسيستمر هذا التفوق رغم المساعدات الغربية الإضافية”.
من الرياض أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التزام المملكة ببذل الجهود لتعزيز الأمن والسلام في العالم، كما أعرب الأمين العام لحلف “الناتو” عن تفاؤله بمبادرة ترامب للسلام في أوكرانيا.
أتصور أن ما حدث في الرياض كان بمثابة “لقاء تعارف” من جديد، فقد مرت سنوات لم يلتق فيها مسؤولو البلدين، ولم يلتق الرئيسان منذ 4 سنوات، وقد جرت مياه كثيرة معظمها في القنوات الخطأ. وقد بيعت للغرب وللمواطنين الأمريكيين بواسطة عصابة كييف، ومنشقين روس، وبتمويل وتنسيق جهات ومؤسسات أمريكية طالما استهدفت زعزعة استقرار الدول حول العالم ومن بينها، وربما على رأسها روسيا، بيعت سردية أن “النظام الروسي على وشك الانهيار”، و”الاقتصاد الروسي على وشك الانهيار”، ولا تحتاج العصابة النازية في كييف إلا مزيد ومزيد ثم المزيد من الأموال والأسلحة. وقد رأينا الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي يتجول بين العواصم الأوروبية يمد يده بلا خجل أو حياء، ويلعب دور “محرر أوروبا” و”المدافع عن القيم الأوروبية” و”حامي حمى الديمقراطية في العالم”. وقد استجاب ولا يزال البعض يستجيب لاستجداءاته ويرسلون سلاحا يصنعونه أو يشترونه بأموال دافعي الضرائب الأوروبيين، الذين تم تصدير رواية “أوكرانيا المسكينة” لهم.
اليوم، وبعد لقاء الرياض أنصت الأمريكيون، وللمرة الأولى، للرواية الروسية التي ساقها الرئيس بوتين وظل يسوقها منذ العام 2007 في مؤتمر ميونيخ للأمن. وهي أن السبب الرئيسي لكل ما حدث من نزاعات هو تمدد حلف “الناتو” شرقا، وأوكرانيا لا يمكن أن تكون عضوا في هذا الحلف، ويجب ضمان حقوق الروس، واستعادة الأراضي الروسية تاريخيا، بعد أن ثبت بالدليل القاطع أن النظام في كييف لا يؤتمن عليهم، وشن عمليتين عسكريتين ضد سكان تلك الأراضي، وكان على وشك أن يشن عملية ثالثة.
لا نقول إن المواقف “تقاربت” أو حتى توصلت إلى أي أرضية مشتركة، لكن الحوار قد بدأ، وبدأت الدبلوماسية تأخذ مجراها، وسيعيد الجانب الروسي دبلوماسيين أمريكيين، والجانب الأمريكي دبلوماسيين روس، وسيتم البحث في استعادة المنشآت الدبلوماسية التي استولت عليها الإدارة الأمريكية السابقة بغير وجه حق. وأعتقد أن مزيدا من الخطوات الإيجابية في طريقه إلى التنفيذ على أرض الواقع، كبادرة حسن نوايا من الطرفين، وأتوقع أن يتم اللقاء المرتقب بين الرئيسين الروسي والأمريكي خلال أشهر قليلة إن لم يكن خلال أسابيع.
لا زالت الهوة واسعة بين ما يريده الكرملين وما يراه البيت الأبيض “سلام طويل الأمد في أوروبا”، فروسيا لديها اليوم رؤية شاملة للأمن الأوروبي والأمن الأوراسي والأمن العالمي، فعصر الهيمنة الأمريكية يتوجه نحو نهايته، وتعافي النظام الدولي إنما يأتي من استيعاب النخب الأمريكية لهذه الحقيقة، وتوقفها عن بيع الوهم لشعبها. والرؤية الروسية الشاملة تتضمن اعتناء بدول الجنوب العالمي في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، وتتضمن عودة لميثاق الأمم المتحدة، وللقانون الدولي الذي يسري على الجميع دون استثناءات. تتطابق رؤية روسيا مع رؤية رابطة “بريكس” التي تم التعبير عنها في قمة قازان العام الماضي، والتي اتفق عليها أغلبية شعوب العالم، رؤية خالية من الإملاءات والضغوط والعقوبات والحصار واستخدام العملات والاقتصاد كسلاح في النزاعات.
أعتقد أن التصريحات القادمة من واشنطن بمثابة مؤشر على قناعة واضحة لدى الإدارة الأمريكية الحالية و”الناتو” بحسم النزاع الأوكراني، ولا بد من المساهمة في إنهائه بأسرع وقت ممكن، على النحو الذي يقترب من أهداف العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا.
وأعتقد أن إيمان الرئيس ترامب بحل الصراع الأوكراني وربطه إياه بتهديد الحرب العالمية الثالثة يؤكد على فهمه للأسباب الحقيقية للصراع، لا بين روسيا وأوكرانيا، وإنما بين روسيا وأوروبا، وبين روسيا و”الناتو”، وبين روسيا والغرب الجماعي بيد أوكرانيا. وكل من استثمر في هذه الدماء يجب أن يعلم تمام العلم أن الأمن القومي الروسي وأمن ووحدة وسيادة روسيا هي خط أحمر ومقدسات لا يمكن تجاوزها أو الاقتراب منها، ولا يمكن ابتزاز روسيا بأي عقوبات أو ضغوط أو حصار، وكل ردود الأفعال على حزم العقوبات التي تخطت 16 حزمة كانت وبالا على أوروبا نفسها ولا ننكر تأثيرها على الاقتصاد الروسي، الذي أثبتت مرونته وكفاءته قدرته الفائقة على تلقي الصدمات والتعامل مع جميع الأزمات.
أرى المطلوب اليوم فعليا من زعماء أوروبا المتورطين في مستنقع أوكرانيا اتخاذ خطوات فورية، خلال شهر لا أكثر، تساهم في وقف إطلاق النار وانسحاب ما تبقى من العسكريين الأوكرانيين من جميع الأراضي الروسية حفاظا على أرواح بضع عشرات الآلاف من الرجال والشباب الأوكرانيين، وترتيب الوضع لمصير زيلينسكي وحاشيته وإلى أي مكان سيغادرون أوكرانيا.
لم يعد هناك أي جدوى من إراقة المزيد من الدماء دون أي معنى وبلا نتيجة، وكبار الضباط في الجيش الأوكراني يستوعبون ذلك بالفعل، وهو ما نراه في انخفاض المعنويات والقدرة القتالية، وما نلمسه في وضع الجيش الأوكراني اليوم، الذي أصبح على شفا الانهيار.
أعتقد أننا نخطو خطوات جدية بعيدا على نشوب الحرب العالمية الثالثة، ونبتعد عن التلويح بأي تهديدات بين روسيا وأوروبا، بعد أن تكشفت حقيقة أن الصدام العسكري المباشر مع روسيا هو دمار كارثي للقارة الأوروبية، والمراهنة على “هزيمة روسيا استراتيجيا في أرض المعركة” هو وهم من الأوهام المضللة التي بيعت لأوروبا بغرض استنزاف روسيا، والمراهنة على تفكيكها وإضعافها وانهيارها من الداخل.
إن روسيا دولة عظمى لا يمكن هزيمتها ولا تفكيكها ولا تشويه سمعتها ودورها الهام والأساسي والتاريخي يتجسد في انتقال العالم إلى التعددية القطبية وضمان الأمن والسلام العالميين وهي قناعة تتسرب اليوم إلى عمق المجتمعات الأوروبية التي بدأت تستفيق شيئا فشيئا من سكرة استقبال اللاجئين الأوكرانيين بالملايين على واقع الأزمات الاقتصادية والمجتمعية جراء مغادرة أكثر من 20 مليون أوكراني البلاد لن يعود معظمهم.
أعتقد أن الوضع في الشرق الأوسط هو الآخر أصبح محسوما مع دخول المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بين “حماس” وإسرائيل حيز التنفيذ، وأتمنى أن أكون قد سمعت تصريحات مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف على نحو صحيح بينما يقول: “خطة ترامب بشأن غزة تتعلق برغبة الفلسطينيين في العيش هناك أو الاستقرار بمكان أفضل”، وهو ما يعني أن الأمر يتعلق برغبة شعبنا الفلسطيني في غزة، لا بإملاءات وخطط “ريفييرا الشرق الأوسط” و”صفقة القرن” وغيرها من خطط إخلاء غزة من الفلسطينيين.
وأتمنى أن تفضي مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة إلى وقف الحرب بشكل نهائي، وأن يكون جرس إنذار غزة والدم الطاهر الذي أريق دافعا للتوافق الفلسطيني تمهيدا لإقامة الدولة الفلسطينية وتهدئة الأوضاع في المنطقة بأسرها.