
في الجنوب والبقاع والضاحية، حيث لا تهدأ السماء ولا تستكين الأرض، تتراكم مؤشرات التصعيد بين حزب الله والعدو الإسرائيلي، فيما يبقى اندلاع الحرب احتمالاً معلقاً على خيط رفيع من الحسابات الدقيقة، ورغم أن الحرب لم تقع بعد، فإن الحزب يتصرف وكأنها قاب قوسين أو أدنى، واضعاً نصب عينيه أسوأ السيناريوهات، دون أن ينجرّ إلى فخ الاستفزاز أو يبدد أوراقه في معارك جانبية.
لقد مرّ عام كامل على ما عُرف باتفاق وقف إطلاق النار، وهو اتفاق التزم به حزب الله التزاماً صارماً، لم يُسجَّل عليه خلاله أي خرق أو ردّ عسكري مباشر، رغم أن العدو الإسرائيلي لم يلتزم به يوماً واحداً. فمنذ اللحظة الأولى، واصل العدو اعتداءاته: غارات جوية، اغتيالات ممنهجة، قصف للبنى التحتية، واستهداف مباشر للمدنيين. ومع ذلك، لم يمنح الحزب إسرائيل أي ذريعة، رغم أن الأخيرة لا تنتظر ذرائع أصلاً، بل تفتعلها حين تشاء وتوظفها في خدمة أجندتها العدوانية.
هذا الانضباط ليس ضعفاً، بل تعبير عن وعي استراتيجي عميق. فالحزب يدرك أن أي ردّ محدود قد يُستخدم ذريعة لحرب شاملة، وأن الحفاظ على المبادرة بيد المقاwمة يتطلب صبراً طويل النفس، وثقة بجمهورٍ بات يدرك أن الردّ حين يأتي، سيكون بحجم العدوان لا بحجم الاستفزاز.
لكن الحزب، في المقابل، لا يراهن على النوايا الإسرائيلية، بل على جهوزيته، وهو لا يخفي أن المعركة، إن فُرضت عليه، لن تكون خياراً بل قدراً لا مفر منه. وإذا ما شنّ العدو هجوماً واسعاً يرتقي إلى مستوى الحرب، فإن الحزب سيدخلها دون تردد، لأن كلفة الاستسلام أمام التغول الإسرائيلي-الأميركي ستكون أكبر بكثير من كلفة المواجهة، مهما بلغت التضحيات.
صحيح أن الإمكانات الحالية لا تقارن بتلك التي كانت متوفرة قبل عام، حين استهدف العدو منشآت الحزب واغتال قياداته، بما فيهم الأمين العام، في محاولة لكسر العمود الفقري للمقاwمة. لكن الصحيح أيضاً أن الحزب استطاع، رغم كل الضغوط، أن يرمم بنيته العسكرية، ويعيد بناء جزء من قدراته الدفاعية، ويعيد تنظيم صفوفه بهدوء وصمت. وهو اليوم، وإن كان لا يسعى إلى الحرب، إلا أنه مستعد لها، بكل ما أوتي من إرادة وتجربة ووعي.
ما يؤخر الحزب عن خوض الحرب ليس عجزاً، بل حرص على بيئته الحاضنة، التي يدرك أنها ستكون في قلب العاصفة. فالعدو، كما أثبتت تجاربه السابقة، يعتمد سياسة الضغط عبر المدنيين، ويستهدف البنية الاجتماعية للمقاwمة قبل بنيتها العسكرية. ولذلك، فإن الحزب يوازن بين الردع والانضباط، بين الجهوزية والتريث، واضعاً نصب عينيه أن المعركة، إن وقعت، ستكون معركة وجود لا معركة حدود.
في الخلاصة، حزب الله لا يلوّح بالحرب، لكنه لا يتهرب منها. يستعد لها كما لو أنها غداً، ويؤجلها كما لو أنها لن تقع. يراهن على وعي جمهوره، وعلى صبره، وعلى جهوزيته. وإذا ما فُرضت عليه المواجهة، فلن تكون ردّ فعل، بل فعلاً دفاعياً شاملاً، يكتب فيه الحزب فصلاً جديداً من معادلة الردع، ويؤكد أن المقاومة، مهما اشتدت العواصف، لا تنكسر.
 
				



