فرصة 48 ساعة للقيادة والتنظيمات الفلسطينية وإلا فلا تأثير فعلي لقرار مجلس الأمن على الأرض
يأتي هذا القرار بعد أن وصلت درجة التخاذل الإنساني والانحدار غير المعقول لدى ضمير الدول وما يسمى بالمجتمع "الدولي الديمقراطي الحر" إلى حدودها الدنيا، بينما ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية علنية وواضحة ضد مدنيين عزل، وتصمت الأمم المتحدة، وتعجز عن التدخل، بغض النظر عن التسلسل التاريخي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأبعاده.
الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر
تبنى مجلس الأمن الدولي مساء يوم أمس الاثنين أول قرار له من أجل وقف فوري لإطلاق النار في غزة، دون أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض ضد القرار، وامتنعت عن التصويت، بعدما عطلت محاولات سابقة لاستصدار ذلك القرار، ليصبح أول قرار يعتمده المجلس بعد أربع إخفاقات سابقة.
وقد رحبت حركة حماس بالقرار وأكدت على “ضرورة الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، يؤدي لانسحاب كافة القوات الصهيونية من قطاع غزة، وعودة النازحين إلى بيوتهم التي خرجوا منها”.
وأضاف بيان حماس أن الحركة “تؤيد استعداها للانخراط في عملية تبادل الأسرى فوراً”، وشددت على أهمية حرية الحركة بالنسبة للمواطنين الفلسطينيين، ودخول كافة الاحتياجات الإنسانية لجميع السكان، في جميع مناطق قطاع غزة، بما في ذلك المعدات الثقيلة لإزالة الركام، لإتاحة الفرصة لدفن الشهداء الذين بقوا تحت الركام لشهور.
كما رحبت الخارجية المصرية، في بيان لها، بالقرار، واعتبرت صدوره، بعد أكثر من خمسة أشهر من العمليات العسكرية الإسرائيلية، التي ألحقت أضراراً بالغةً بالمدنيين في قطاع غزة، بمثابة “خطوة أولى هامة وضرورية لوقف نزيف الدماء، ووضع حد لسقوط الضحايا من المدنيين الفلسطينيين، وإتاحة الفرصة لدخول المساعدات الإنسانية”.
يأتي هذا القرار بعد أن وصلت درجة التخاذل الإنساني والانحدار غير المعقول لدى ضمير الدول وما يسمى بالمجتمع “الدولي الديمقراطي الحر” إلى حدودها الدنيا، بينما ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية علنية وواضحة ضد مدنيين عزل، وتصمت الأمم المتحدة، وتعجز عن التدخل، بغض النظر عن التسلسل التاريخي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأبعاده.
دعونا نفترض أن ذلك يرتكب في أي مكان آخر من العالم، فيما ترتكب كل الجرائم تحت مسمع ومرأى من العالم أجمع، بعد ممارسة أقسى أنواع القمع والاحتلال لعقود. لا سيما بعد حصار بري وبحري وجوي هو الأطول والأكبر من نوعه، وهو حرفياً أكبر سجن مفتوح عرفته البشرية.
وكان المرء ليظن أن مثل هذه الظروف لتدفع قيادات التنظيمات دفعاً نحو التكاتف والتضامن تحت قيادة موحدة متمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني أمام الأمم المتحدة وسائر المجتمع الدولي، إلا أن هذا لم يحدث، وهو ما يعرقل كافة الجهود الدولية، لا سيما من أصدقاء ومناصري القضية الفلسطينية من أحرار العالم، أو يجعلها على أقل تقدير ضعيفة ومقيّدة وبلا تأثير يذكر.
لقد تم إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، دون “فيتو” أمريكي. نعم، حدث ذلك في نهاية المطاف، إلا أن “الفيتو” لا زال قائماًبافتقاد القيادة الفلسطينية الموحّدة تحت راية منظمة التحرير، لتمثل الحق الفلسطيني الشرعي في الحياة بحرية في دولة مستقلة، ولسوف أذكّركم غداً كيف سيخرج علينا الأمريكيون والإسرائيليون بنفس النغمة التي اعتدنا عليها في العقد الأخير، بشأن افتقادهم للطرف الفلسطيني لتنفيذ قرار مجلس الأمن الصادر بالإيقاف الفوري للقتال، في ظل افتقاد الضحايا للدواء والعلاج وتفشي الأمراض والأوبئة.
ما أفهمه أن هناك احتمال واحد فقط كي يؤتي هذا القرار تأثيره الأوسع خلال الـ 48 ساعة القادمة، وهو إعلان تخلّي جميع التنظيمات عن جميع الخلافات، وإعلانها الالتفاف حول منظمة التحرير الفلسطينية حتى بوضعها الراهن، وترك كل الإجراءات الإدارية الخاصة بالإصلاحات الداخلية لاحقاً. هذا وحده ما يمكن أن يعطي دفعة لأصدقاء الشعب الفلسطيني بجهودهم الدولية، في اللحظة التاريخية الحالية، كي يدعموا ويعملوا على تنفيذ هذا القرار كي يكون مؤثراً.
أمّا أن تسارع جميع التنظيمات بإرسال بيانات الترحيب من خلال مكاتبها ومنصاتها الإعلامية، دون أن يذكر أي منها كلمة واحدة عن استعادة الوحدة، فهذا ليس ترحيباً، بقدر ما هو “فيتو” جديد من جانب هذه التنظيمات عوضاً عن “الفيتو” الأمريكي، وكأن تلك التنظيمات، وليعذرني الجميع، تعمل الآن بدلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية، في صف إسرائيل. فعن أي ترحيب نتحدث نحن الفلسطينيون ونحن عاجزون حتى عن المساهمة في تنفيذ هذا القرار، ونتفنن في تشكيل العقبات وتوسيع الثغرات التي يستغلها أعداؤنا في إبادة شعبنا وتجويعه وتشريده.
يجب ألا نتوهم أن هذا القرار جاء إثر تفجّر الوضع بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فلا زال الحليفان يسيران على مسار إنهاء منظمة التحرير الفلسطينية “بمساعدتنا طبعاً”، وبالتالي إلغاء فكرة حل الدولتين بالأساس، وخلق ظروف جديدة تلغي القرار 242 الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947، وهو المسار الذي نمهده ونعبّده نحن الفلسطينيون بافتقادنا للوحدة الوطنية، وهو ما يهدد بتصفية القضية الفلسطينية.