• التحسن في الاقتصاد الروسي ينعكس تقدما على الجبهة وتردي الاقتصاد الأوكراني ينعكس تقهقهرا في ميادين القتال
أدخلت واشنطن أوكرانيا في متاهة بالغة الخطورة قد تدفع كييف ثمنا باهظا جدا لها، وهي المقامرة عبر رهان خاسر مسبقا بزعم إمكانية الانتصار على روسيا، وكلما ظهرت بوضوح مؤشرات استحالة تحقق ذلك سارعت واشنطن بتقديم الدعم العسكري والمادي والمعنوي لتشجيع أوكرانيا على الاستمرار في القتال، فبعد تقديم دفعات الأسلحة والمبالغ المالية الكبيرة والتي تبتلعها الحرب بسرعة كبيرة، قدم وزير الخارجية الأمريكي بلينكين إبان زيارته الأخيرة إلى كييف شحنة أمل جديدة بإعلانه أن أوكرانيا ستكون بدعم من الغرب قادرة على الانتصار في النزاع مع روسيا.
التجارب البشرية تؤكد أن من يتصرف وكأن ما يتمناه واقع على الأرض سواء أكان فردا أو جماعات يدفع عادة ثمنا مضاعفا حين تصدمه الحقيقة، فيخسر كل شيء ويكون مذنبا أمام شعبه وأمام التاريخ أيضا. الكثير من الأصوات تنبه إلى هذه الحقيقة بما في ذلك من الدول الغربية حتى أن الرئيس البلغاري رومين راديف أعلن بوضوح أن الانتصار على روسيا أمر مستحيلـ، وأشار إلى خطل اعتبار أن متابعة الحرب سيؤدي إلى الانتصار على روسيا، وأن الاستمرار في الحرب هو السبيل الوحيد للخروج من الوضع القائم.
والأمر لا يقتصر على الجانب العسكري رغم أهميته بل على الجانب الاقتصادي والمالي فروسيا قادرة بذاتها وباستخدام مواردها، في حين أن أوكرانيا تعيش على المساعدات الغربية، وتقاتل بما يقدمه لها الغرب من أسلحة، ولم يكن صدفة أن تركز صحيفة واشنطن بوست الأمريكية على المرونة العالية التي أظهرتها روسيا في هذين المجالين أكثر بكثير مما كان متوقعا في حين غدت أوكرانيا أكثر ضعفا. بل إن المؤسسات الدولية حسنت توقعاتها لأداء الاقتصاد الروسي، حتى أن البنك الدولي توقع نمو الناتج المحلي لروسيا هذا العام بنسبة 2،2% وأشارت توقعات صندوق النقد الدولي إلى نمو الناتج المحلي الروسي عام 2024 بنسبة 3،2% ، هذا على الرغم من أن المؤسسات الغربية كانت قد توقعت انهيار الاقتصاد الروسي نتيجة العقوبات الهائلة التي فرضتها الدول الغربية.
الرئيس الروسي نفسه أعلن بهدوء في ختام زيارته إلى الصين أن الوضع الاقتصادي والمالي في روسيا جيد في ظل الانفاق على العملية العسكرية في أوكرانيا، ويمكن حسب الخبراء الروس زيادة الإنفاق الدفاعي الروسي إلى أعلى من نسبة 8،7% من الناتج المحلي، ولعل هذا ما يفسر تعيين بيلاأوسوف وزيرا للدفاع وهو رجل اقتصاد محنك بديلا عن شويغو.
ونظرة سريعة للمعطيات الرئيسية في هذا المجال نهاية العام الفائت تشير إلى أن الاقتصاد الروسي لم يتصدع أبدا حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3،5% كما حققت الصناعة نموا بنسبة 6% وارتفع الاستثمار بنسبة 10% وانخفض دين الدولة الخارجي من 46 إلى 32 مليار دولار، وحققت التجارة السلعية خلال العام الفائت فائضا يقدر ب 292 مليارات دولار حسب منظمة التجارة العالمية لتحتل المركز الثاني بعد الصين، وبدا كأن العقوبات والحصار ورفض استيراد البضائع الروسية كانت محفزا جديا للاعتماد على الذات من جهة، وتحويل مسار الصادرات نحو الشرق من جهة ثانية، وصنف البنك الدولي الاقتصاد الروسي نهاية العام الفائت بأنه في المرتبة الخامسة عالميا من حيث القوة الشرائية ومن الواضح أن هذه المعطيات حافظت على وتائرها هذا العام أيضا إن لم تتحسن أكثر.
في حين عانى الاقتصاد الأوكراني إلى درجة هائلة رغم الدعم غير المسبوق لكييف حتى على حساب مصالح بعض الدول الأوربية وخاصة في المجال الزراعي، مما دفع للتظاهر والاحتجاج وقطع الطرقات وحتى سكب المنتجات الأوكرانية على أرض الشارع، ناهيك عن خسارة أوكرانيا مناطق صناعية ضخمة في ماريوبل وموارد الفحم في دونباس، هذا عدا عن فرار الملايين من الخدمة العسكرية نحو الخارج من جهة، وتجنيد مئات الآلاف للقتال ما يعني فقدان الأيدي العاملة الضرورية للإنعاش الاقتصاد في حين تشير بعض المعطيات إلى أن قرابة مليوني شخص يعملون بهمة في المصانع الحربية الروسية التي تعمل بكامل طاقتها وتزود جبهات القتال بما تحتاجه من سلاح وذخيرة، أما أوكرانيا فتنتظر الأسلحة والذخائر دفعة وراء دفعة، وتضطر حتى للتقنين باستخدامها خشية النفاد، وربما هذا ما يفسر تهاوي التحصينات الأوكرانية بسرعة كبيرة في منطقة خاركوف.